بدائل من الحياة .. تغني عن الوصفات الطبية
كان الناس يرددون مقولة قديمة تنسب إلى الأطباء: «تناول حبتين من الأسبرين ثم اتصل بي في الصباح». أما اليوم فإن الأطباء يصفون الكثير من الأدوية، غير الأسبرين.
فالحقيبة الطبية المنزلية تزدحم بأدوية الستاتين المخفضة للكولسترول، ومثبطات مضخة البروتون المخفضة لحموضة المعدة، وبمضادات الاكتئاب، وأدوية الربو، وعقاقير علاج السكري، والحبوب المنومة، والهرمونات.
وقد ازدادت المبالغ التي أنفقها الأميركيون على الأدوية الموصوفة طبيا بين عامي 1997 و2007، ثلاث مرات.
وفي حين يجب على الأشخاص الذين هم بحاجة إلى الأدوية تناولها فعلا، بل إن هناك مشكلة تواجه الأطباء وهي إجبار مثل هؤلاء الأشخاص على تناول أدويتهم الموصوفة، فإن هناك بعض التساؤلات حول إصدار الوصفات هذه الأيام، خصوصا مع ازدياد القناعة بأن كل نظام الرعاية الصحية الأميركية قد أصبح معتمدا بشكل أكثر من اللازم على الأدوية الغالية الثمن.
وقد كتب الدكتور غوردن شيف Schiff) (Gordon D.، الباحث في مركز أبحاث السلامة والتطبيقات على المرضى في مستشفى بريغهام النسائي التابع لجامعة هارفارد، مقالة حول ضرورة الاستخدام الدقيق للأدوية، نشرت في وقت سابق من هذا العام 2009 في المجلة الطبية الأميركية.
وقد رصد الدكتور شيف مع الدكتور وليام جالانتر الباحث في جامعة إلينوي في شيكاغو، الذي شارك في وضع المقالة، نحو ستة من المبادئ العريضة لما سماه الباحثان «التوصيف المحافظ» للأدوية «conservative prescribing».
وقد حاولنا هنا أن نستعرض هذه المبادئ التي تورد مع بعض التحويرات، آخذين في الاعتبار وجهة نظر المرضى، كما تحدثنا إلى الدكتور شيف لتوضيح بعض الجوانب المحددة.
إلا أن اللعب على هذه الجوانب النفسية لا يمنحنا فرصة لاختبار البدائل الأخرى، من غير الأدوية.
إن تحسين النظام الغذائي، وزيادة النشاط البدني، والحصول على نوم كاف، والاستفادة من وسائل تخفيف التوتر، كلها أمور تحتاج إلى الوقت والجهد.
إلا أن دراسة تلو دراسة قد أثبتت أن بمقدورها أن تقود إلى حدوث تأثيرات قوية ـ غالبا ما تكون أقوى من الأدوية ـ لنطاق واسع من المشاكل الصحية.
ولأنه لا ينظر إلى مثل هذه الوسائل بوصفها وسائل «طبية» مثل الأدوية، فإن تغيير النظرة إليها بوصفها «طبية» قد يغير الأمور.
والأمثلة التي يوردها الدكتور شيف تشمل الحفاظ المناسب على «نظافة» أوقات النوم (بتجنب الكافيين في المساء، أو نوم القيلولة الطويل)، بدلا من الحصول على وصفة طبية للحبوب المنومة، واستخدام وسائل «orthotics» (وهو علم في تطوير أدوات تقويم المفاصل والأطراف) ـ مثل الأدوات التي يتم إدخالها في الأحذية لكي تغير من اصطفاف القدم والساق ـ بدلا من تناول حبوب لتخفيف الألم في القدم.
إذ تحدث الكثير من الانتقالات من دواء إلى آخر، أو يقوم الأفراد بتناول بضعة أدوية في آن واحد. وهنا قد يفيد المنطلق الحذر بالعمل خطوة بعد خطوة لكي يتمكن المريض ـ وكذلك الطبيب ـ من فهم الأدوية التي تؤدي عملها، وتلك الأخرى التي لا تؤديه، وكذلك الأدوية التي تقود إلى ظهور أعراض جانبية غير مرغوبة.
كما أن للدكتور شيف وجهة نظر مختلفة نوعا ما حول مسألة العلاج الشخصي الموجه، الذي يبدو وكأنه أصبح في المعتاد، جانبا ينبغي الاهتمام به.
فوفقا لرأي شيف فإن العلاج الذاتي بمقدوره أن يتحول في بعض الأحيان (وليس في كلها بأي حال من الأحوال) إلى شيك مفتوح على بياض، يقود إلى استخدام كل أنواع العلاج حتى غير الفعالة منها، التي لم تثبت تأثيراتها أثناء التجارب.
وربما يقترب الآن الوقت الذي تكون فيه الأدوية ـ وكل أنواع العلاج الأخرى ـ موجهة لكل فرد، ومصممة حسب التركيبة الجينية لكل شخص.
إلا أن هذا الأمر لا يزال بعيدا بالنسبة لكل الأمراض ولكل الأدوية الحالية. وحتى حلول ذلك الوقت فإن نتائج التجارب السريرية تظل هي أفضل إرشاداتنا للعلاج.
ومع هذا، فإن عليك أن تتعرف عليها وأن تراقب حدوثها، خصوصا عند تناول دواء جديد عليك. كما أن الأعراض الجانبية يجب أن تكون جانبا رئيسيا لدى تحادثك مع الطبيب.
كما يتوجب عليك أيضا التحادث مع الطبيب حول الأعراض الانسحابية التي تحدث عندما تتوقف عن تناول الدواء.
وغالبا ما يخطئ الناس عندما يخلطون بين الأعراض الانسحابية الناجمة عن التوقف عن تناول الدواء وبين المشكلة الصحية التي يعالجون منها، الأمر الذي قد يؤدي إلى حصول دائرة مفرغة من عمليات تناول الأدوية بهدف التخلص من الأعراض الانسحابية.
والمثال الشائع هو الصداع الذي يحدث للأشخاص الذين يتوقفون عن تناول أدوية تخفيف الألم، خصوصا تلك التي تحتوي منها على مادة الكافيين.
إلا أننا وفي بعض الأحيان نستجيب للدعايات والإعلانات التي تصر على أن الجديد أفضل، بينما هو ليس كذلك بالضرورة.
كما أن الأدوية الجديدة ليس لها سجل حافل يمكن التحقق منه، ولذا غالبا فإن من الأفضل البدء بدواء مجرب من الأدوية القديمة.
إن التجارب السريرية هي أفضل الطرق لاختبار الأدوية وأنواع العلاج الأخرى، إلا أن التجارب التي تجرى على عدة مئات، بل وحتى على عدة آلاف، من الناس الذين يتناولون الدواء لفترة قصيرة نسبيا، لا تقدم لنا الكثير من المعلومات.
ولذا فقد نحتاج إلى سنوات وإلى تناول عدد أكبر فأكبر من المرضى للدواء، لكي نرصد كل الأعراض الجانبية له.
وعلى غرار ذلك، فإن ملامح اللوحة الكاملة للنتائج البعيدة المدى للدواء ـ مثل كيفية تأثيره على حوادث النوبة القلبية، السكتة الدماغية، بل وحتى الوفاة ـ قد تظهر ببطء، وذلك بخلاف العلامات الأخرى مثل مستويات الكولسترول، وسكر الدم، التي تشير إلى الفوائد الصحية إلا أنها لا تمثل سوى مؤشرات أو قيم مختبرية.
إلا أنه ولجملة من الأسباب فإن المنطلق الأبوي هذا قد تم رفضه.
والآن، ومن الناحية المثالية، وفي الكثير من الأحوال، يكون دور الطبيب هو عرض الخيارات، وشرح المزايا والنقائص، ومنح المريض ـ ضمن حدود ـ فرصة اتخاذ القرار.
ومع هذا فإن العلاقة بين الطبيب والمريض لا تزال ـ وسوف تظل ـ علاقة يصعب ضبطها بشكل صحيح، إذ يحاول بعضنا دفع الطبيب لوصف بعض أنواع العلاج، فيما يحاول بعضنا الآخر أن يكون من المرضى الجيدين بحيث يمكننا عدم الوفاء بالتزاماتنا عند عدم تناول الدواء.
كما أننا قد تناول الأدوية جريا على العادة، لكن إن تحادثنا مع الطبيب حولها، فقد يظهر أننا نتناول أدوية لا حاجة لنا بها، ربما كانت لها أضرار أكثر من فوائد.
وبالطبع فإن العبء لا يقع على المرضى وحدهم، إذ إن على الأطباء تخصيص جزء من وقتهم للتحادث حول هذه المسائل.
كما أن عليهم أن يكونوا أكثر تفتحا، وأن يشجعوا المرضى الذين يرغبون في أنواع من العلاج غير الدوائي لمشاكلهم الصحية.
ويشكل عنصر الوقت عاملا في كل هذا، فالكثير من الأطباء يجدون أنفسهم مضغوطين بحكم العمل، ولذلك يصعب عليهم التعامل مع مرضاهم.
وفي كلتا الحالتين فإن الالتزام بالجرعة الموصوفة للفترة التي يوصف بها الدواء مهمة، خصوصا لوصفات الأدوية من المضادات الحيوية.
وسوف تعتمد الأساليب لإصدار الوصفات الطبية الجيدة، أكثر على عملية التكيف مع التسجيلات الطبية الإلكترونية التي يمكن من خلالها رصد حالات الحساسية (للأدوية)، تفاعلاتها، الجرعة الصحيحة منها، وما شابه.