أسبوع باريس لربيع وصيف 2012 .. ما له وما عليه

ديور لا تزال حديث الساعة ومحرك التغييرات وباريس تسأل: من سيخلف من
ديور لا تزال حديث الساعة ومحرك التغييرات وباريس تسأل: من سيخلف من

اختتم أسبوع باريس لربيع وصيف 2012 الأسبوع الماضي، ومعه دورة الموضة السنوية التي انطلقت من نيويورك ثم لندن وميلانو.


شهر كامل أثمر العديد من الإبداعات والاقتراحات بعضها في غاية الأناقة وبعضها الآخر من الصعب أن تتقبله الذائقة من الوهلة الأولى ويحتاج إلى إدخال بعض العناصر لتحليته.

ورغم أن البرنامج المكثف على مدى تسعة أيام، لم يكن رحيما بالذاكرة التي لا يمكن أن تستوعب وتحفظ كل شيء اقترحه المصممون، فإنه من الصعب نسيان ما استحلته العين وهواه القلب، مثل «هيرميس» التي لخصت معنى الحرفية، وحيدر أكرمان الذي تفنن في البنطلون وطرحه بأشكال لم يكن يتخيلها العقل من قبل، وإيلي صعب الذي قدم أزياء تحلم بها أي امرأة مهما كان أسلوبها، عدا عن «شانيل» و«ديور» و«لوي فيتون» وغيرها من البيوت التي أكدت أنها في منأى عن الأزمة ما دام بإمكانها الإبداع.

العديد من العروض الأخرى، وهي كثيرة بمعدل 11 عرضا في اليوم الواحد، تركت أصداء طيبة رغم سحابة التشاؤم التي خيمت على الأجواء طوال الأسبوع بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية والقلق على مصير اليورو وانخفاض أسهم أسواق آسيا وزيادة الضرائب الأوروبية التي قد تؤثر على إنفاق المستهلكين وغيرها.

في فرنسا، مثلا، شهدت صناعة الموضة ركودا بسبب انخفاض ثقة المستهلك والمستثمر على حد سواء بمدى صلابة النظام المصرفي وتوقعات النمو المستقبلي.

وما يزيد في الطين بلة أن العديد من بيوت الأزياء تمر بفترة انتقالية تستدعي تغيير مصمميها وضخ دماء جديدة في أوصالها.

فغياب جون غاليانو من ساحة الموضة خلق وظيفة في دار «ديور»، وفي حال صدقت الإشاعات وتسلم مارك جايكوبس، مصمم دار «لوي فيتون» حاليا زمامها، فإن هذه الأخيرة ستحتاج إلى من يخلفه وهكذا.

وهذا ما جعل الإشاعات بسخونة طقس باريس الذي شهد موجة حر طوال الأسبوع لم تخف وطأتها إلا في اليومين الأخيرين منه.

من جهتهم، تعامل المصممون مع أخبار الانهيار الاقتصادي وموجة التغييرات، بصلابة، وأجمع معظمهم على أن أفضل مضاد لها هو التفاؤل ومعانقة الألوان المشرقة والتصاميم الأنيقة والمضمونة.

ومن هنا غابت الدراما التي كانت ترتبط ببعض العروض وعلى رأسها عرض «ديور» سابقا وحلت محلها واقعية تمس وترا حساسا بداخل أي أنيقة.

الأيام الأولى كانت خاصة بأسماء جديدة ومصممين صاعدين، حتى يسمح لوسائل الإعلام والمشترين من التقاط أنفاسهم بعد نيويورك، لندن وميلانو، ليتسارع الإيقاع في اليوم الثالث مع «بالمان» و«بالنسياجا» و«نينا ريتشي».

هذه الأخيرة عانقت رومانسيتها وقدم مصممها بيتر كوبينغ مجموعة قال إنه استوحاها من الستينات، بنقوشاتها وألوانها وتصاميمها التي تباينت بين البسيط والمعقد خصوصا في تفاصيل على الأكمام والتنورات، إضافة إلى تلاعبه بالشفاف والسميك في قطع ناعمة مثل فساتين من الدانتيل.

في اليوم التالي كان الموعد مع عرض كان الكل يترقبه، لأسباب مختلفة ألا وهو عرض «ديور». فبينما كان سبب البعض وفاءهم لما تمثله لهم الدار من عراقة وأزياء مفصلة بحرفية لا يعلى عليها، جاء البعض شاحذين أقلامهم استعدادا لانتقاد بيل غايتون، المصمم المؤقت للدار إلى حين تعيين مصمم دائم.

بيل غايتون خيب آمال الشريحة الأخيرة وقدم تشكيلة أسكتت كل الانتقادات. فقد كانت أنيقة تحمل بصمات الدار الوراثية، لعب فيها على المضمون من خلال ترجمته أيقونات كلاسيكية بطريقته، مثل الجاكيت المحدد عند الخصر والذي يتسع تحته، والتنورات المستديرة بسخاء راعى فيها جسم المرأة وتوازنه مع اللعب على الأقمشة السميكة والشفافة. صحيح أن الدراما غابت، لكن من يريد الدراما إذا تكون الأزياء بهذه الأناقة؟.

عرض «شانيل» في المقابل، كان مثيرا من حيث الإخراج المسرحي والمكان مثل العادة، أما فيما يتعلق بالأزياء فقد خلف أصداء متباينة. أهم ما ميزه الألوان الهادئة التي اكتسبت برودة منعشة من اللؤلؤ، الذي كان حاضرا بقوة في الكثير من القطع والاكسسوارات.

فالمصمم كارل لاغرفيلد، بعد أن لعب في السابق على الجاكيت وعلى عطر «شانيل نمبر 5» وغيرها من أيقونات الدار، اختار هذه المرة اللؤلؤ، الذي كانت الآنسة كوكو شانيل أول من أدخله عالم الموضة.

فهي التي استعملته بحبات كبيرة وصفوف متعددة ومزجت الأصلي منه مع الاصطناعي ليصبح هذا المظهر لصيقا بالدار، وموضة لا تعترف بموسم.

كارل استقى منه درجات ألوانه كما رصع به جاكيتات وزين به الشعر واستعمله كحزام وهكذا. لكنه لم ينس أن يقدم أزياء بنقوشات وأخرى تكتسب بريقها من قطع تشبه قشور الأسماك، حتى يخاطب كل الأذواق.

ورغم أن الإبداع توالى طوال الأيام، حيث قدمت دار «هيرميس» تشكيلة استعرضت فيها خبرتها في الحرفية التي لا يعلى عليها والتي تفسر لماذا تعتبر من أهم بيوت الأزياء حاليا، ولماذا تحقق أرباحا لا يستهان بها في عز الأزمات، وقدم وحيد أكرمان تشكيلة أكد فيها أن للقطعة الواحدة عدة وجوه وأشكال، من خلال تفننه في البنطلون، فإن اليوم الأخير كان وقعه مدويا، ولا يزال صداه يتردد لحد الآن. ففيه استمتع الحضور بعرضي كل من دار «لوي فيتون» صباحا، وإيلي صعب ظهرا.

الأولى قدمت عرضا متكاملا وكأنه رقصة بجع بألوان باستيل تتخللها لمحات متوهجة، زينتها بالورود المقطعة باللايزر حينا وبالريش حينا آخر وغلفتها بالأورغنزا وكأنها تخاف عليها من التلف، إلى جانب إكسسوارات تسيل لعاب أي امرأة سواء كانت مواكبة للموضة أم لا.

مارك جايكوبس، بدا فيها وكأنه يريد أن يفحم كل من يقول أنه لم يقدم «هوت كوتير» من قبل، ونجح. فهي تشكيلة تستحضر بأشكالها المدورة والبيضاوية أسلوب السيد كريستيان ديور في الخمسينات، إلى حد ما، كما أن تعاونه مع حرفيين وفنانين لإنجازها يشير إلى توجهه إلى هذا المجال. وبالنظر إلى تاريخه، فإنه قادر على ذلك سواء انتقل إلى «ديور» أو بقي في «لوي فيتون».

فمن المهم أن نتذكر أنه عندما التحق بالدار الفرنسية لأول مرة في عام 1997، لم تكن هناك ملابس جاهزة، إذ كان تركيزها على الجلود والإكسسوارات بالدرجة الأولى، وحتى في السنوات الأولى لم تكن الأزياء هي التي تبيع، بل عاشت لفترة طويلة على مبيعات الحقائب والمنتجات الجلدية الأخرى.

ويقال إن الكثير مما كان يعرض خلال أسبوع الموضة في البداية، لم يكن يباع أو ينتج أساسا، وكان الهدف منه خلق صورة مبهرة تلمع اسم الدار لتبيع إكسسواراتها.

لكن الصورة تغيرت في السنوات الماضية و«أغلب الأزياء التي تعرض تجد طريقها إلى المحلات المهمة» حسب ما قاله مارك جايكوبس.

واللافت أن زيادة الإقبال على الأزياء تزامن مع زيادة في الأسعار، بسبب الحرفية العالية التي تتم بها كل قطعة، والوقت الذي تستغرقه. هذا التاريخ يؤكد أنه بإمكانه الآن أن يدخل تحديا جديدا طالما انتقل مع فريق عمله، وهو الأمر الذي يصر عليه ويقول إنه سبب تأخر المفاوضات.

أما في عرض إيلي صعب، فإنه من العروض القليلة التي اختلطت فيها الأمور على محررات الأزياء. فقد نسين في غمرة اللحظة دورهن وأن وظيفتهن تتطلب الحياد، لأنك ما إن تسأل الواحدة منهن بعد العرض عن رأيها، حتى يأتيك الجواب سريعا ودون تردد: «رائعة.. أرى نفسي في كل قطعة فيها».

والحقيقة أنه من الصعب لومهن على هذا الالتباس المؤقت، لأن كل ما في التشكيلة كان يصرخ بالرقي والأناقة السهلة، ويتجنب الفذلكة أو الجنون الفني الذي كان بالإمكان أن يجعلها حكرا على شريحة دون أخرى.

ورغم أن هذا أسلوب إيلي صعب منذ البداية، فإن دخوله مجال الأزياء الجاهزة، قربه أكثر إلى الواقع، على الأقل فيما يتعلق بفساتين النهار والكوكتيل والقمصان والبنطلونات، التي تليق بحفل كما تليق بدعوة رسمية.

أما بالنسبة لفساتين المساء والنهار، فغني عن القول أنه ليس هناك من ينافسه على خطف البريق حتى من دون أن يعتمد على التطريز. فرغم أن الفساتين المطرزة بالخرز والترتر بسخاء كانت لافتة فإن تلك التي كانت من الشيفون والحرير لم تقل جمالا وأناقة.

بيد أن التصاميم لم تكن العنصر الوحيد الذي كان المصمم يريد أن يثير الانتباه إليه ويستعرض من خلاله قدراته، بل أيضا الألوان المتوهجة من الكريم إلى الأخضر الزمردي والأزرق اللازوردي والأصفر المستردي والبنفجسي.

ألوان نسج منها سيمفونية ترقص على نغمات السبعينات، لم يكن فيها جديد بالمعنى الثوري، لكن هذا ما تريده عاشقاته، فهن لم يشبعن من قديمه بعد.