معاناة الأطفال .. من أعلانات التليفزيون للأطعمة والمشروبات
12:00 م - الأحد 7 أغسطس 2011
حينما تستمر المشكلة الصحية، لا يمل الوسط الطبي من تكرار الحديث عنها وعن مسبباتها المحتملة. ولا تزال التداعيات والمضاعفات الصحية التي تصيب الأطفال جراء التأثيرات السلبية لدعايات «الأطعمة غير الصحية» ضمن البرامج التلفزيونية، تفرض على الباحثين الطبيين إعطاء مزيد من الإثباتات حول أضرارها على صحة الأطفال، للوصول إلى وضع ضوابط تؤدي إلى الحد من تأثيرات تلك الدعايات على صحة الأطفال.
ودعونا لا نجامل في الوصف والتصوير لسيناريو المشهد التالي، الذي يتكرر عرضه عشرات المرات في اليوم والليلة أمامنا، كآباء وأمهات.
الأطفال يجلسون أمام شاشات التلفزيون يشاهدون باستمتاع برامجهم التي تصنف بأنها مناسبة لأعمارهم واهتماماتهم، وتجلب لهم المتعة والتسلية، وذلك على أحد قنوات إحدى الشركات الإعلامية.
وإحدى وسائل تغطية التكاليف والربح المادي للشركات الإعلامية هي الدعايات والإعلانات. وللدعايات والإعلانات، هناك خبراء متخصصون على مستوى عال من الذكاء والاحتراف، تستعين بهم الشركات التجارية لترويج سلعهم ومنتجاتهم على المشاهدين، عبر الإعلانات والدعايات التي تتخلل البرامج التلفزيونية. والشركات المتخصصة في صناعة المنتجات الغذائية من الأطعمة والوجبات والتسالي والمشروبات، ليست «بدعا» من بين الشركات التجارية الأخرى.
وستتجه هي أيضا إلى هؤلاء الخبراء المتخصصين في تصميم وإنتاج الدعايات والإعلانات التلفزيونية كي يعدوا لها دعايات وإعلانات «متعوب عليها» وقادرة على لفت أنظار الأطفال وجذبهم نحو الحرص على تناول المنتجات الغذائية المعلن عنها.
وهنا، نحن كآباء وأمهات، ماذا نتوقع من خبراء متخصصين في جذب أعتى وأقوى العقول رجاحة ودراية، وهم يعرضون بمهارتهم الفنية على الأطفال إعلانات تقول لهم لا يفوتك ذلك النوع من المقرمشات أو التسالي، أو عليك بتلك الساندويتشات اللذيذة من الهمبرغر، أو ما ألذ تلك القطع من البيتزا، أو لا ينعشك سوى ذلك النوع من المشروبات الغازية الحلوة الطعم؟! الأطفال في الواقع هم عزل من أي مقومات للتفكير والتمحيص والترجيح بشأن أفضل الأغذية لصحتهم، ويبحثون ببراءة فقط عن اللذيذ والشهي في الطعم.
وعليه فإن «المعركة» بلا شك غير متكافئة بين من لديه الخبرة والتخصص، ومن يبحث فقط عن متعة الطعم. والنتيجة أيضا، بلا شك، هي استسلام تام من الأطفال، وإقبال منهم على تناول تلك المنتجات غير الصحية، وبالتالي ليس فقط ارتفاع مبيعات شركات الأطعمة تلك، بل المهم ارتفاع معدلات السمنة وزيادة الوزن بين الأطفال، ومن ثم ارتفاع معدلات الإصابة بتداعيات السمنة ومضاعفاتها.
وكان الباحثون النفسيون من جامعة ليفربول قد عرضوا، في إبريل (نيسان) عام 2007، نتائج دراستهم حول مشاهدة الأطفال للدعايات التلفزيونية للأطعمة، وتابع فيها الباحثون مستوى شهية الأكل لدى مجموعة من الأطفال، تتراوح أعمارهم بين التاسعة والحادية عشر من العمر، بُعيد مشاهدتهم تلك الدعايات للأطعمة، وتبين للباحثين أن الأطفال السمينين obese ارتفعت لديهم شهية تناول الطعام بنسبة 143 في المائة، مقارنة بما قبل مشاهدة تلك الدعاية التلفزيونية، والأطفال الذين لديهم «زيادة وزن» overweight ارتفعت لديهم الشهية للأكل بنسبة 101 في المائة، ولدى الأطفال الطبيعيين في الوزن، ارتفعت بنسبة 84 في المائة.
وفي حينه، علق الدكتور جاسن هالفورد، مدير مركز كايسليف هيمان لمختبرات سلوك الأكل، التابع لجامعة ليفربول، والمشارك في الدراسة، بالقول: «إن دراستنا تثبت أن لدعايات الأطعمة التلفزيونية تأثيرا عميقا على عادات غذاء الطفل وارتفاع معدل تناول الأطعمة، والدراسة مهمة في ملاحظتها الرابط بين وزن الطفل ومقدار تأثير الدعايات على ارتفاع شهية الإفراط في الأكل لديه».
وقال الباحثون إن حظر بث إعلانات الأطعمة الرديئة صحيا junk food في ساعات فترات برامج الأطفال بدأ منذ يناير (كانون الثاني) 2007، إلا أن الأطفال لا يزالون يشاهدون تلك الإعلانات عند مشاهدتهم التلفزيون في ساعات «المشاهدة العائلية» family viewing hours بالمساء، التي لا يطبق فيها ذلك القانون. وأعلن الباحثون آنذاك عزمهم على إجراء مزيد من الدراسات لرفع الوعي بأضرار الدعايات التلفزيونية للأطعمة، في ارتفاع معدلات السمنة وزيادة الوزن.
وفي 30 يونيو (حزيران) الماضي، أعلن هؤلاء الباحثون من جامعة ليفربول هم أنفسهم عن أحدث حلقات مسلسل الدراسات الطبية في هذا الشأن.
وببساطة لخص الباحثون البريطانيون نتائجهم بالقول إن الأطفال الذين يشاهدون دعايات تلفزيونية لمأكولات غير صحية، يكونون أكثر عرضة للرغبة في تناول الأطعمة المشبعة بالدهون، والعامرة بالسكريات.
ولاحظ الباحثون في نتائجهم أنه بُعيد مشاهدة الإعلانات التلفزيونية للأطعمة، ترتفع احتمالات اختيار الطفل لتناول أطعمة غير صحية، كما ترتفع احتمالات أن يكونوا سمينين أو زائدين بالوزن، مقارنة بمشاهدة مجموعة أخرى من الأطفال لدعايات تلفزيونية عن ألعاب الأطفال.
وعلقت الدكتورة إيما بويلاند، الباحثة في مركز كايسليف هيمان لمختبرات سلوك الأكل، التابع لجامعة ليفربول، قائلة: «السمنة بين الأطفال الصغار هي اليوم موضوع صحي رئيسي في كل أنحاء العالم، ودراستنا تلقي الضوء على العلاقة بين الإعلانات، وتفضيل الأطفال تناول نوعية من الأطعمة غير الصحية، وكمية استهلاكهم لها، وهذا لا يتعلق فقط بنوعية الطعام الذي دار حوله الإعلان التلفزيوني».
واقترح الباحثون أن يستمر منع بث الإعلانات التلفزيونية للأطعمة المشبعة بالدسم، والعامرة بالسكريات، والعالية الملوحة، إلى ما بعد التاسعة مساء.