هل يوجد حقا ما يسمى النظام الغذائي البحر متوسطي؟
12:00 م - الثلاثاء 5 يوليو 2011
كل يوم سبت، يرقد أسطول من السيارات والشاحنات في مرآب للسيارات بعيدا عن شاطئ البحر المتوسط، تذروه الرياح. وتحت مظلة بيضاء يحركها الهواء، تجلس النساء لشق حبات باذنجان بحجم الإبهام الكبير وحشوها بخليط من الثوم المفروم والفلفل الأحمر والجوز.
إنه سوق الطيب، سوق الفلاحين الذي ساعد على جعل بيروت مزارا رئيسيا للمولعين بالطعام. ولكن إذا أردت أن ترى ما الذي يريد الجيل الجديد من اللبنانيين حقا أن يتناوله، فعليك أن تتوجه إلى مكان آخر. عليك أن تذهب إلى «رودستر داينر».
رودستر هو سلسلة من المطاعم الأميركية الموجودة منذ الخمسينات. ويوحي شعاره الأساسي: «هنالك قلبي» بألفيس ونظامه الغذائي الذي يسد الشرايين. وفي مطعم رودستر بالحي الذي أقطنه في بيروت تمثال بالحجم الطبيعي لرجل مبتسم له أسنان بيضاء كبيرة يغني في مكبر صوت.
وعلى نقيض المطاعم اللبنانية التقليدية التي يعشقها السائحون والكتاب حول الأطعمة، فإن مطعم رودستر ذا الأفرع التسعة في جميع أنحاء لبنان، دائما ما يعج بالمحليين.
في أوروبا والولايات المتحدة، فإن ما يطلق عليه النظام الغذائي البحر متوسطي - نظام غذائي غني بزيت الزيتون والحبوب الكاملة، والأسماك والفواكه والخضراوات - هو منتج عالمي يتكلف عدة مليارات من الدولارات التي تشتمل على كل شيء بدءا من الحمص وصولا إلى الرحلات السياحية إلى إيطاليا، حيث تدر «السياحة الغذائية» ما يوازي خمسة مليارات يورو سنويا.
وتربط الدراسات التي أجرتها جامعة هارفارد وغيرها النظام الغذائي البحر متوسطي بالمعدلات المنخفضة للإصابة بأمراض القلب والسكري والاكتئاب. وفي أميركا، ينصح خبراء الصحة مثل مهميت أوز أتباعه بأن «يأكلوا مثل اليونانيين».
ولكن وفقا للبيانات التي ذكرتها منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، فإن البحر متوسطيين لديهم أحد أسوأ الأنظمة الغذائية في أوروبا، وإن اليونانيين من أكثرهم بدانة؛ حيث يعاني نحو 75% من السكان اليونانيين البدانة. إذن، إذا كان النظام الغذائي البحر متوسطي ليس هو ما يتناوله البحر متوسطيين، فما هو إذن؟
قبل أن يكون هناك نظام غذائي بحر متوسطي، كانت هناك الحرب العالمية الثانية ونقص الغذاء الذي صاحبها. وعند انتهاء القتال، اكتشف هاكفين مارمول الباحث بالسويد أن معدلات الإصابة بالجلطة قد انخفضت في الدول الأوروبية الشمالية خلال الحرب.
ويعتقد الباحث أن ذلك الانخفاض كان نتاج القيود التي فرضت خلال الحرب على الأطعمة مثل اللبن، والزبد، والبيض، واللحوم. وفي نفس الوقت، انتقل العالم أنسيل كيز بمينسوتا الذي كان يدرس تأثير المجاعة على مجموعة من المتطوعين إلى دراسة الأنظمة الغذائية لرجال الأعمال من شمال وسط الولايات المتحدة.
وقد وجد أن هؤلاء الأميركيين الذين يتناولون قدرا كافيا وجيدا من الغذاء، كانوا أكثر تعرضا للإصابة بأمراض القلب من الرجال المحرومين من التغذية الجيدة في شمال أوروبا نظرا للحروب.
وقد افترض كيز أن الدهون المشبعة تؤدي إلى مستويات عالية من الكولسترول وبالتالي إلى الإصابة بأمراض القلب. ولكي يثبت فرضيته، بدأ دراسة طويلة المدى على سبع من البلدان اشتملت على إيطاليا واليونان.
وتوصل إلى أننا يجب أن نقلل إلى حد كبير من الدهون المشبعة وأن نتحول إلى الزيوت النباتية. وكتب كيز وزوجته الكتابين اللذين غيرا الطريقة التي يتناول بها الأميركيون طعامهم وتصدرا قوائم الكتب الأكثر مبيعا.
يقول رامي زورياك، أستاذ الزراعة بالجامعة الأميركية في بيروت: «ليس هناك ما يسمى النظام الغذائي البحر متوسطي، فهناك عدة أنظمة بحر متوسطية». «وهناك بعض العوامل المشتركة؛ فجميعها يشتمل على قدر كبير من الخضراوات والفواكه حيث تتوافر طازجة في تلك المناطق، كما أنهم يتناولون الطعام في أطباق صغيرة ويوجد القليل من اللحم بها.
تلك هي الخصائص المشتركة، ولكن هناك عدد من الأنظمة الغذائية للبحر المتوسط». والنسخ الصحية من تلك الأنظمة لديها عامل مشترك: وهو ما يطلق عليه الإيطاليون «طعام الفقراء».
ففي عصر أنسيل كيز، كان البحر متوسطيون يتناولون العدس بدلا من اللحم، لأنهم لم يكن أمامهم خيار آخر. فيقول سامي زبيدة، الباحث المختص بالغذاء والزراعة، إن ذلك كان يرجع إلى الفقر وليس إلى الجغرافيا.
يتعلق النظام الغذائي إلى حد كبير بالرغبة. فالنظام الغذائي الذي ابتكره كيز وزملاؤه لا يحمل أوجه تشابه كبيرة بما يريد البحر متوسطيين أن يتناولوه. فيقول جوزيف شميدهوبر، الاقتصادي بمنظمة الأغذية والزراعة بالأمم المتحدة: «لست متأكدا إذا ما كان مثل ذلك النظام الغذائي سيروق العديد من الشرق أوسطيين، لأنهم يحاكون النظام الغذائي الغربي الذي يعتقدون أنه يرتبط بالمكانة والثروة».
في العام الماضي، أضافت «اليونيسكو» النظام البحر متوسطي إلى قائمتها للكنوز الثقافية منقطعة النظير التي تحتاج إلى الحماية. واليوم، فإن أكثر من نصف سكان إيطاليا والبرتغال وإسبانيا يعانون البدانة.
وفي دول شرقي البحر المتوسط مثل لبنان، تتزايد معدلات البدانة خاصة بين الشباب الذي يمكن أن يشعر عدد كبير منهم بالسعادة لمبادلة الباذنجان بالبطاطس المقلية واللبن المخفوق في مطاعم رودستر.