قفزات هائلة .. في أبحاث الخلايا الجذعية

توظف أبحاث الخلايا الجذعية لإنتاج أعضاء بشرية وتطوير علاج لأمراض مستعصية
توظف أبحاث الخلايا الجذعية لإنتاج أعضاء بشرية وتطوير علاج لأمراض مستعصية

 شهدت الآونة الأخيرة دراسات وتطورات مهمة في أبحاث وتطبيقات الخلايا الجذعية، ويتوقع العلماء تحقيق قفزات هائلة في مجالات «الطب الترميمي» (Regenerative medicine) من خلال التطبيقات العملية لتلك الأبحاث، بالإضافة إلى الكشف عن آليات حدوث الكثير من الأمراض المستعصية وتطوير الفحوصات التشخيصية والعقاقير ودراسة تأثير الدواء على المريض نفسه وهو ما يعرف بـ«الطب الشخصي» (Personalized medicine).
 
والمعروف أن خلايا المنشأ، أو الخلايا الجذعية، التي يتكون منها الجنين البشري في المراحل الأولى من التكوين يطلق عليها «الخلايا فائقة أو متعددة القدرة» لقدرتها الفائقة والمتعددة على الانقسام والتحول إلى أي عضو يحتاجه الجسم، وبعد تكون الجسم البشري تدخل هذه الخلايا في حالة تشبه «السبات».
 
ونظرا لأن الخلايا الجذعية المأخوذة من الأجنة كانت هي الممول الأساسي لأبحاث الخلايا الجذعية منذ بدايتها، فقد واجهتها اعتراضات تتعلق بالنواحي الأخلاقية والدينية، الأمر الذي أثار فضول العلماء للبحث عن مصادر أخرى للخلايا الجذعية في دم الحبل السري ونخاع العظم والعضلات والأنسجة الدهنية وغيرها.. «ورب ضارة نافعة».
 
تقنيات جديدة 
ولم تقف طموحات العلماء عند هذا الحد، بل ظهرت تقنيات جديدة تتعلق باستخلاص واستخدام الخلايا الجذعية إحداها تعرف باسم «تقنية الأغشية المتراصة» التي تعتمد على أخذ عينة صغيرة من جسم الإنسان وزراعتها وإكثارها في المختبر عن طريق بروتوكول خاص للحصول على أنسجة بشرية في شكل أغشية رقيقة يتم رصها بعضها فوق بعض للحصول على أنسجة أكثر سمكا يمكن استخدامها لإصلاح عطب في عضلة القلب أو التئام جرح أو ملء فراغ نسيج مثل الثدي أو ورم تمت إزالته جراحيا، وقد أكدت الأبحاث أن زراعة هذه الأنسجة لا تؤدي إلى حدوث رفض مناعي لتطابقها التام مع نسيج الجسم.
 
كما طفت على سطح الأبحاث العلمية مؤخرا تقنية جديدة تعتمد على «إعادة برمجة خلايا الجسم البالغة، مثل خلايا الجلد، للحصول على خلايا جذعية أشبه بالخلايا الجنينية متعددة القدرة»، أطلق عليها «الخلايا المستحثة فائقة القدرة» (Induced pluripotent stem cells – IPCS) وشبه الباحثون تلك التقنية بإعادة توظيف فرقة موسيقية اعتادت عزف الموسيقى الكلاسيكية لكي تعزف موسيقى الروك، فالخلية تمتلك نفس المادة الوراثية والمطلوب فقط تغيير نوع الموسيقى التي تعزفها، بمعنى الانتقال من عزف موسيقى البشرة مثلا إلى موسيقى الكبد والقلب والأعصاب وغيرها من خلايا الجسم المختلفة.
 
برامج التشغيل الجيني 
وفي إنجاز علمي غير مسبوق تمكن فريق بحثي بقيادة البروفسور شينيا ياماناكا الفائز بجائزة «كيوتو» اليابانية في مجال التطور التكنولوجي لعام 2010 من الكشف عن برامج التشغيل الجيني المسؤولة عن تحويل الخلية الجلدية البالغة إلى خلية جذعية جنينية، وكأنها مسؤولة عن تحويل شيخ مسن إلى طفل رضيع.
 
والجدير بالذكر أن الخلية هي المصنع البيولوجي للجسم، تقع في مركزه المورثات أو «الجينات»، وفي محيطه مصانع الخلية، وتحتوي المورثات على «برامج تشغيل» تسيطر على مصانع الخلية، وتحتوي خلايا الجسم البشري البالغ عددها نحو 60 تريليون خلية، على نحو 5 مليارات من برامج التشغيل الجيني.
 
علاج اعتلالات الشبكية 
وفي إطار الأبحاث المستمرة لمعالجة اعتلالات شبكية العين، أكدت دراسة نشرت خلال شهر مايو (أيار) 2011 في مجلة «PLos ONE» توصل فريق بحثي بمعهد «شيبينس» لأبحاث العيون لتجديد مساحة كبيرة من نسيج شبكية العين لفأر تجارب فاقد للبصر نتيجة إصابته باعتلال تنكسي في الشبكية وذلك عن طريق إعادة برمجة خلايا جلدية من ذيل الفأر إلى خلايا جذعية متعددة القدرة ثم تحويلها إلى أسلاف خلايا شبكية (precursor cells) قاموا بزراعتها في إحدى العينين، وفي غضون 6 أسابيع، أكدت النتائج أن الخلايا الجذعية أخذت مكانها في شبكية العين وبدت كنسيج شبكية طبيعي يصدر عنه نشاط كهربي من خلال قياس نشاط كهربية الشبكية (ERG)، وهذا يعني تحول الخلايا الجذعية إلى مستقبلات ضوئية ناضجة قادرة على الاستجابة للضوء.
 
كما أكد فريق بحثي في جامعة جونز هوبكنز في دراسة نشرت خلال شهر مايو 2011 في دورية (Science translational medicine) تمكنهم من استخلاص خلايا كبدية في المختبر من خلال إعادة برمجة خلايا جذعية تؤخذ من جلد المريض وتحويلها إلى خلايا جذعية جنينية ثم إعادة برمجة هذه الخلايا للحصول على خلايا كبدية سليمة يمكن أن تكون بديلا في المستقبل لزراعة عضو الكبد.
 
وفي خطوة هي الأولى من نوعها سوف تسهم في إيجاد علاج لملايين البشر الذين يعانون من مشكلات تنفسية بسبب تلف الرئتين، أشارت دراسة نشرت خلال شهر مايو 2011 إلى نجاح الباحثين بمركز الطب الترميمي في جامعة بريغهام من تحديد خلايا جذعية في رئة الإنسان من خلال دراسة عينات جراحية لأنسجة رئة أشخاص بالغين.
 
وأكد الباحثون أن الخلايا الجذعية الرئوية يمكنها التشكل والتحول لأنواع أخرى من الخلايا الرئوية، بالإضافة إلى خلايا القصيبات والحويصلات الهوائية بما يتيح الفرصة لتقديم خيارات علاج جديدة للمصابين بأمراض الرئة المزمنة أو تلف خطير في الرئة بسبب مرض أو حادث وذلك من خلال إحلال وترميم الخلايا المتضررة في رئاتهم، كما يفتح مجالات واسعة بديلة لعمليات زراعة الرئة الصعبة والباهظة التكاليف.
 
وفي سياق استخدام الخلايا الجذعية لمعالجة الإصابات الحادة في الرئة (Acute lung injury)، التي تتسبب في حدوث الوفاة بنسبة 40 في المائة لدى مرضى رعاية الحالات الحرجة، أشارت دراسة نشرت خلال شهر مايو 2011 في مجلة «Stem cell research and therapy» إلى تمكن باحثين في جامعة لويزيانا من النجاح في الإقلال من التأثيرات الخطيرة لإصابات الرئة الحادة خلال 48 ساعة بعد حقن فئران التجارب بخلايا جذعية متعددة القدرة تم الحصول عليها بعد إعادة برمجة خلايا جذعية من نخاع العظم.
 
وأكد الباحثون أن استخدام الخلايا الجذعية سوف يلعب دورا هاما في المستقبل القريب في معالجة إصابات الرئة الحادة.
 
علاج الشلل الرعاش 
أما الشلل الرعاش أو مرض باركنسون، أحد الأمراض المرشحة بقوة للعلاج باستخدام الخلايا الجذعية، فقد أكدت دراسة نشرت خلال شهر مايو 2011 في مجلة «Journal of clinical investigation» تمكن فريق بحثي مشترك في جامعتي هان يانغ الكورية وهارفارد الأميركية من إعادة برمجة خلايا جذعية بالغة للحصول على خلايا جذعية مستحثة متعددة القدرة يمكن تحويلها إلى خلايا عصبية منتجة للناقل العصبي (دوبامين).
 
كما نشرت دراسة مثيرة خلال شهر مايو 2010 في الدورية العلمية «Cellular and molecular medicine» أكدت تمكن فريق بحثي في جامعة يل الأميركية من استخلاص خلايا جذعية من أرحام نساء أصحاء، وقاموا بتحويلها في المختبر إلى خلايا عصبية منتجة للناقل العصبي (دوبامين) وعندما قاموا بحقنها مباشرة في مخ فئران تجارب مصابة بحالة مماثلة لمرض الشلل الرعاش، تحولت إلى خلايا منتجة لمادة «دوبامين».
 
والجدير بالذكر أن مرض «باركنسون» ينجم عن تدمير خلايا المخ المنتجة للناقل العصبي (دوبامين) وهي مادة كيميائية تحمل الرسائل المعنية بالحركة والتوازن، لذا يعاني المصابون بالمرض من رجفات وارتعاشات تتدهور بشكل تدريجي وقد يصابون بالشلل، ولا يوجد له علاج حتى الآن.
 
خلايا من الأنسجة الدهنية 
وفي دراسة نشرت خلال شهر مايو 2011 في النشرة الدورية لجامعة كوينز أكد الباحثون استخدام الخلايا الجذعية المستخلصة من النسيج الدهني أثناء عمليات شفط أو استئصال الدهون أو تصغير الثدي في ترميم فراغات الأنسجة الرخوة (Soft tissues) بعد استئصال الأورام أو الثدي أو استخدام هذه الخلايا في تطوير أنسجة مهندسة لترميم عضلة القلب وجدران الأوعية الدموية.
 
وقد استطاع الباحثون تفريغ النسيج الدهني من كافة الخلايا الموجودة به للحصول على «نسيج دهني خال من الخلايا» (Decellularized adipose tissue) يكون بمثابة «سقالة» تسمح بنمو الخلايا الجذعية المستخلصة من النسيج الدهني عليها، مكونة نسيجا متكاملا في المختبر يمكن استخدامه بديلا للنسيج البشري.
 
جراحة نادرة كما نشر على الموقع الإلكتروني لجامعة غوتنبرغ السويدية خلال شهر مايو 2011 تمكن فريق من الباحثين لأول مرة من «تصنيع وعاء دموي باستخدام الخلايا الجذعية» لإجراء جراحة نادرة لطفلة تبلغ من العمر 10 سنوات تعاني من جلطة في الوعاء الدموي الناقل للدم من الأمعاء إلى الكبد، مما أدى إلى معاناتها المتكررة من النزيف الدموي منذ عامها الأول.
 
قام الباحثون بإجراء معالجة كيميائية لوعاء دموي تم الحصول عليه من متوف، وبعد عدة عمليات معقدة حصلوا على نسيج وعاء دموي من دون خلايا، ثم قاموا بزراعة خلايا جذعية استخلصت من نخاع الفتاة على النسيج الوعائي، وخلال 4 أسابيع حصل الباحثون على وعاء دموي جديد متطابق مع أنسجة الجسم ثم قام فريق الجراحين بزراعته لتوصيل الدم من الأمعاء إلى الكبد، وأكد الفريق البحثي أن الفتاة تتمتع بصحة جيدة بعد مرور أكثر من 3 أشهر على إجراء العملية، وأنها لن تحتاج مستقبلا إلى عقاقير مثبطة للمناعة.