مؤلم هو فراق الأحباب .. لكن لدينا الدواء
خاص الجمال - إيناس مسعود
الفراق كأس لابد أن يتجرع قطراته كل إنسان على وجه الأرض، فهو حقيقة لا يمكن إنكارها، وقدر حتمي. من المؤكد أن كلا منا مر عليه وقت فقد خلاله حبيباً، وذاق مرارة الفراق وعذاباته التي ليس لها دواء.
نجد من فارق الأب أو الأم، ومن فارق الابن أو الزوج وفقد معنى الحياة، وكانت رغبته الوحيدة في ذلك الوقت أن يلحق بمن يحب إلى العالم المجهول، لكن قدر الله سائر على العباد ولا يتحدد بما نتمنى؛ إنما هو كتاب طبعت سطوره من قبل الميلاد.
فلكل إنسان القدر الذي لا مفر منه، والشيء الوحيد الذي يمكن لنا فعله هو محاولة التعايش مع ما نواجه من آلام، ومحاولة إضافة بعض السكر إلى الحقيقة المرة.
أقصد هنا بالفراق - أصعب نوع منه- وهو الموت؛ لذا قدمت لك - عزيزي القاريء - بعض النماذج لأشخاص فقدوا أغلى الأحباب لديهم ووجد كل واحد منهم سلوته ودواءه في القيام بعمل ما ليخفف عنه بعض من عذابه.
تعالوا نتعلم من هذه التجارب الواقعية، ونحاول الاستفادة منها إذا ما حدث يوم وأخذت منا قرة عين.
أرسلي له رسالة: "أنا أحبك"
التجربة الأولى للسيدة "ليزا نايمي" زوجة الفنان "باتريك سوايز":
على متن الطائرة، أخرجت "ليزا" هاتفها الجوال وكتبت رسالة نصية إلى زوجها المتوفى تقول له بها: "أنا أحبك"، وكان هذا العمل دليلاً على رقة مشاعرها وحبها الذي تشاركت به مع زوجها الراحل لمدة 34 عاما من الحب.
وحتى بعد أن خسر معركته الضارية مع مرض سرطان البنكرياس منذ عام، لم تتوقف عن إرسال تلك الرسالة له، وتقول هذه الزوجة المحبة: "بالرغم من أن الموت فرقه عني؛ إلا إنه سيتسلم رسالتي في أي مكان تذهب روحه إليه"، وهذا ما قالته تلك السيدة في حوار لها مع مجلة (الناس).
بينما يعتبر إرسال رسالة نصية إلى حبيب فقيد شيء غير معتاد ضمن طقوس الحداد، لكنها طريقة رائعة ومخففة للآلام، وتشعرك أن الفقيد قد ذهب في رحلة ما وسوف يعود إليك مرة أخرى، وهذه حقيقة فالموت ليس إلا رحلة سيتقابل الناس بعدها.
ويخبرنا الطبيب "كلير بيدويل" أخصائي تعزية لمن فقد حبيباً قائلاً: "هناك من لم تغلق تليفون زوجها بعد وفاته؛ حيث تجد راحتها وتهدئة نفسها في الاستماع إلى رسالاته الصوتية"، ويصرح أن مثل هذه الوسائل لها فوائد كبيرة تتمثل في:
العناية بالحديقة أو نبتة كان يحبها
وهنا الفنانة "ميشيل وليامز" التي عبرت عن عاطفتها بعد وفاة "ليدجرز".
وقالت حينها في مقابلة مع مجلة (فوج)؛ إنها تتمنى لو استمرت العصور الفيكتورية؛ حيث يمكن للإنسان المرور من اللون الأسود إلى اللون الرمادي، ثم إلى اللون البنفسجي، حتى يصل إلى الوردي، ويصنع حلقات من الشعر بها " أي أن يحاول تغيير الحزن الذي يرمز له باللون الأسود إلى الفرح الذي يرمز له باللون الوردي".
وبدلا من ذلك أو من الاستمرار في الحزن وجدت سلوتها في حديقتها الخاصة، وقالت إن هناك صديق نصحها بالاعتناء بحديقتها في فصل الربيع، وهذا هو الوقت الذي بدأت خلاله التحرك .. وتعلن أنها تذكرت عندما كانت راكعة على يديها وركبتيها وكانت الأرض مبتلة ووحلة، ثم قامت بمعالجة الأوراق الميتة وبعدها رأت ألوان الربيع الخضراء ذات البريق، وتحت كل هذا الضعف وجدت شيئاً نامياً، وأشارت أن اعتنائها بالحديقة ذكرها بأن تعتني بنفسها".
وهذه الخطوة كانت شيئاً توقفت عنه "وليامز" في الأسابيع التي تلت وفاة "ليدجرز"، حيث تعرضت لحادث حاد عندما سقطت من على السلالم وكسرت إصبع قدمها، ووضعت بإصبع يدها داخل خلاط، واعترفت أنها كانت تربط أصبعها بخيط ودبوس ولم تعرف إذا كانت ستتمكن من الشفاء.
بالصلاة تطمئن القلوب
هذا ما قامت به الفنانة "جينيفر هادسون" التي عانت أصعب الآلام عندما فرق الموت بينها وبين أمها، وأخيها وأبن أخيها، الذين لقوا حتفهم في حادث أليم عام 2008، وتحولت حياتها إلى مشهد ضبابي وكأن أحدا أخذ منها روحها بعيدا عنها.
قص الشعر
فقدت الفنانة "غوينيث بالترو" والدها الغالي على قلبها عام 2002.
استخدمت شعرها وسيلة لنسيان ألم خسارة والدها، فقالت إنه عندما توفى لم ترغب في قص شعرها؛ لأنه كان في الشكل الذي تعود أن يراها والدها به.
ولكن ذات يوم كانت في تصوير، وفجأة قالت لنفسها "أنا بحاجة لقص شعري الآن لأنه كان جزءاً من حدادي وحزني".
الطهي قد يخفف من ألم الفراق
عانت السيدة "سميث" - وهي مختصة في معالجة آلام الحزن - من آلام الفراق حيث فقدت والدتها التي كانت طاهية ماهرة، وكانت تواسى نفسها من خلال تعلم وصفات الأم الرائعة، وقالت "إن الطهي كان له دور كبير في إشعارها بوجود امها معها"، وكانت تلك الروائح الشهية تذكرها بها؛لأن فقدان أمها بمثابة فقدان أحد حواسها.
استخدام حاجيات الفقيد
وجدت الكاتبة المسرحية الكبيرة "برووك بيرمان" عزاءها عند فقدان أمها؛ في الاحتفاظ بكل متعلقاتها من ملابس، أحذية، وإكسسوارات، ووضعت كل شيء في مكانه المناسب وحفظته داخل صناديق خاصة مع الاعتناء الجيد بهم ليظهروا فى أبهى صورة، بالإضافة إلى ذلك كانت ترتدي كل ما تركته والدتها من ملابس، مجوهرات، وإكسسوارات وغيرها.
استمرت في هذا العمل لمدة عام كامل بعد وفاة أمها، وقالت إنها ارتدت نظارة أمها لتحمي عينيها من الشمس الحارقة، وجواربها، وقفازاتها لتدفئها في البرد القارس.
لم تكن تعتبر أن ما ترتديه مجرد أشياء جامدة، إنما كانت تستشعر من خلالها أن أمها هي التي تحميها من الحرارة والبرودة وكأن متعلقاتها كانت بمثابة الأم، وبهذا اكتملت العلاقة بين الأم وابنتها حتى بعد الوفاة.
النوم في فراش الفقيد
في أعقاب وفاة "بريتاني مورفي" قامت والدتها الحزينة بالنوم في سرير الزوجية الخاص بالابنة الفقيدة كل ليلة بجوار زوجها "مورفي"، قد يبدو هذا شيء غريب وغير مقبول لدى ثقافتنا العربية، لكنه حدث لدى الثقافة الغربية التي تقبل بأي شيء مهما كان غريباً.
هناك ما هو أغرب من ذلك .. حيث كانت السيدة "بيرمان" تنام في دولاب الملابس الخاص بوالدتها بعد وفاتها؛ بالرغم من أن الشخص الحزين يقوم بأعمال جنونية وهو في حالة عدم إدراك لما يفعل؛ لأن ما يقوده هو الحب أولا، والحزن والحسرة على من فقد ثانيا، إلا أن مثل هذه الغرائب يتم انتقادها بشدة على مواقع الإنترنت وغيرها عندما يعلم بها الآخرون.
الفضفضة بحرية على موقع: ( online grief forum)
إنه موقع يتكون من مجموعة من الأشخاص والخبراء الذين يساعدون أهل الفقيد على التعايش مع الفاجعة، وتقديم النصائح العملية؛ ويتم تبادل المشاعر والتحدث بحرية عن ما حدث، والشعور الذي ينتاب من يتألم مع جميع الأعضاء ثم يقوم كل عضو بتقديم نصيحته لهذا الشخص المفجوع.
كما يقترح البعض بحل الأحجيات والألغاز كوسيلة للنسيان وتخفيف الآلام، والعمل كنوع من الدواء، ويقص كل شخص التجارب الغير معتادة من طقوس الحزن مع العلم أن الحزن دائما شيء غير طبيعي.
يجد البعض أن نشر قصة حزنهم على كثير من المشاهدين شيء مريح ومواس لهم، ويجعلهم يشعرون أن هناك من يشاركهم الأحزان ويشعر بما يعانون.
بث فيديو للفقيد على اليوتيوب
وهذا ما فعلته الفنانة "أنجلينا جولي" وأخوها "جيمس هافن"، حيث قاما بإنشاء فيديو لوالدتهما على النت بعد وفاتها بثلاث سنوات، حتى يظل وجودها بالصوت والصورة أمام الناس أجمع، وهذا نوع من الحب على طريقة الفنانين.
كلها طرق تلقائية عبر بها أناس عاديون مثلي ومثلكم عن مشاعر الحزن التي سيطرت عليهم بعد فقد حبيب، ولا أتمنى أن يصاب أي منكم ولو بلحظة حزن، لكن إن شاء القدر وحدث ما نخشى حاولوا الوقوف أمام هذا الحزن وإيجاد الوسيلة المناسبة التي تواسي حزنكم.