رحلة كريستيان ديور مع الزهور والعطور
نشأ كريستيان ديور محاطا بالروائح التي تفوح من حديقة منزل عائلته في غرانفيل، بحيث شكلت مصدر إلهام مهما في حياته، وتكررت كثيرا في أزيائه كما في عطوره.
ورغم أنه اشتهر أكثر بالأزياء وبثورته «ذي نيو لوك» التي أطلقها في عام 1947 لتحرير المرأة من تقشف سنوات الحرب، فإن للسيد ديور جولات وصولات في مجال العطور، عززت مكانة الدار عالميا وتجاريا. فهو، كالكثير من أبناء جيله من المصممين، كان يكرر أنه لا يتصور الأزياء الراقية من دون لمسة نهائية من الأنوثة تتمثل في العطر.
وتجسد هذا الإحساس منذ مجموعته الأولى عام 1947، التي أطلق فيها ثورته «ذي نيو لوك» ورافقها بإطلاق عطره الأول، «ميس ديور». فاحت رائحته في كل أنحاء العالم، وكان نجاحه دافعا قويا لإنتاج المزيد مع بقاء الهدف واحدا وهو تعزيز جاذبية المرأة.
هذا الجانب من حياته ومسيرته برز أكثر في العاصمة البريطانية، بعد أن شهدت مؤخرا افتتاح أحدث متاجر عطور كريستيان ديور المتخصصة في محلات «سيلفريدجز» اللندنية تحت اسم «بيت العطور».
يشبه المتجر الجديد المتجر الواقع في جادة مونتين الفخم، ومثله سيركز على جوهر الخبرة والمعرفة، التي ستمكن الزبون من التعرف على الإرث الغني لعطور ديور بالحديث مع متخصصين وذوي الخبرة عن كيفية تحضير هذه العطور الخاصة وتركيبها بأسلوب الـ«هوت كوتير» الذي اشتهرت به الدار، أي ابتكار خلطات على المقاس وحسب المزاج.
ما إن تصل إلى هذا القسم في محل «سيلفريدجز» حتى تنتقل إلى العالم الرائع والسحري لكريستيان ديور من الألوان الناعمة التي يغلب عليها الرمادي مع تصميمات العاشق والمعشوق، وتلعب على أهمية «حدائق ديور» التي ألهمته بعض أهم عطوره، وشكلت أزهارها خلاصات مهمة فيها.
وسيتوفر القسم على مجموعة «لا كوليكسيون بريفي» الحصرية الخاصة بالمملكة المتحدة، وهي مجموعة مكونة من عشرة عطور أبدعها فرانسوا ديماكي، أنف الدار، احتفالا بإرثها العريق. فكل عطر مستلهم من مكان ومن شخصية كانت لها قصة أو تأثير على السيد ديور، أو يختزل لحظة عزيزة على نفسه أو على الدار.
يقول فرانسو ديماكي «الزهور هي ديور، وديور هو الزهور»، وعلى هذا الأساس ولدت المجموعة المكونة من عشرة أنواع مختلفة، اختارنا منها:
العطر النسائي «ميلي لا فوري» (Milly- La- Foret)
الاسم مشتق من طاحونة ماء سابقة محاطة بالغابات، كانت بالنسبة لكريستيان ديور واحة سلام. فقد كان يعشق الهدوء الشديد في هذا المنزل الرومانسي، الذي كان يتوجه له بعد عروض الموضة. لهذا جاء العطر ناعما ورقيقا مغلفا بالمسك، ويتراقص على خلاصات البتلات العليا المتلألئة بنكهة اليوسفي الحمضية الطازجة والبرغموث، فيما يطلق قلب العطر روائح من أزهار البرتقال والياسمين والسوسن. لكن لم يتم تجاهل خشب الصندل ولمسة من الطحالب التي تثير الرائحة الندية للقشرة التحتية والمسك بالغ التركيز.
العطر الرجالي «غرانفيل» (Granville)
في لمسة وفاء للمنزل الذي شهد طفولة كريستيان ديور، المعروف باسم «فيلا لي رومبس» في غرانفيل بمقاطعة نورماندي، ولد هذا العطر، كما ولدت الكثير من قطع المجوهرات والأزياء.
فبالنسبة للسيد ديور كان هذا المنزل استثنائيا من كل الجوانب، حيث بني على حافة جرف، ويطل على القنال الإنجليزي من جهة، ومحاط بالأشجار من الجهة الأخرى «حياتي وأسلوبي يدينان بكل شيء تقريبا لهذا الموقع والتصميم المعماري».
تركيز الليمون واضح في العطر، إلى جانب رائحته الراتينجية ورائحة أوراق الزعتر وإكليل الجبل المنعشة التي تغذي الإحساس بالقدرة على التنفس بصورة أفضل. وقد عززه فرانسوا ديماكي بأوراق زهور مثل نبات الرتم الذي ينبت في حدائق غرانفيل، لتضفي على أساسه العمق والكثافة بفضل خلاصة الفلفل الأسود القادم من مدغشقر وخشب الصندل الهندي.
العطر الرجالي «ليذر أود» (Leather Oud)
سافر كريستيان ديور إلى مناطق عدة بحثا عما يلهمه في الأزياء كما في العطور. وأكد مع الوقت قدرته على اكتشاف الأخشاب المتميزة وعلى رأسها أشجار العود.
ويحظى خشب العود بجودة خاصة تتمثل في أنه، حسب فرانسوا ديماكي «يطلق رائحة الجلد عند حرقه، وهو مذهل.. وقد ألهمني في أن أجعله محل تركيز عطر الجلد الخشبي المكثف، وهو عطر ذكوري يفيض بالتميز».
أما مكونات الهيل والقرنفل فتساعد على منح الإحساس بالانتعاش ليخلق توازنا مع الكثافة والقوة التي تنبعث من رائحة خشب العود. إلى جانب هذه الخلاصات هناك خشب الصندل الراتنجي وخشب البتولا الفرنسي الذي يحسن من رائحة الحرق، وأخيرا زهرة القريضة واللابدانيوم الذي يعطي العطر صبغته الكهرمانية.
«لا يمكنك تخيل مدى المعرفة والدقة التي يتطلبها إنتاج عطر. فهذه العملية الإبداعية تستغرق وقتا طويلا، وتتطلب مني الشعور بذاتي كصانع عطور بقدر ما تتطلب مني كمصمم ملابس» .. كريستيان ديور