«الباروك» .. عالم من الرسم والنحت يعود الى عالم الموضة بقوة
«الباروك» مصطلح ارتبط في فترة من الفترات بالطبقات الأرستقراطية، لا سيما في القرنين السابع والثامن عشر وخلال العصر البيزنطي، لكنه عاد اليوم من باب الموضة، ليؤكد للجميع أن القديم لا يموت ولا يفنى.
فموجة العصرنة التي اجتاحت العالم وأجبرته على التنحي لفترة من الزمن لكي يفسح المجال لإبداعات جديدة ومختلفة هي التي أعادته إلينا مرة أخرى، بحيث أصبح اليوم يفرض نفسه بكل ما يحمله من زخرفات وهندسات وخطوط من ذهب. مؤكدا ما أصبح متعارفا عليه، وهو أن عالم الأزياء جزء من الفن، يتداخل معه ويستوحي من تفاصيله الكثير من الخطوط والأفكار.
لكن عندما عاد المصممون للغرف من هذا الفن، فكانت المرأة الأنيقة والمقتدرة التي تعشق البريق ولون الذهب في الوقت ذاته، نصب أعينهم. وهذا ما شجعهم على إطلاق العنان لخيالهم لطرح تصاميم لم يبخلوا عليها بأغلى المواد، لكي تظهر إبداعاتهم في أجمل صورة، وبالتالي أدخلوا عليه كل ما يمكن أن يوحي بالرقي والفخامة بدءا من الأقمشة غالية الثمن إلى الأحجار وخيوط الذهب لترصيعها، من دون أن ينسوا الإكسسوارات.
وفكرة الباروك منسوجة من عالم الرسم والنحت الذي شهد نقلة نوعية في القرنين السابع والثامن عشر وارتبط هذا الطراز بثقافة العصر الذي ظهر فيه والتي تميزت بكثرة الزخرفات والمنحنيات مع استخدام وإضافة عناصر أخرى إليه.
وانطلاقا من هنا ألقت إبداعات رسامي هذه الحقبة بظلالها على مخيلة المصممين وبدأوا من خلالها في استلهام أفكار جديدة لمجموعاتهم، والتعبير عما يختلج بداخلهم من رغبة في إطلاق العنان لمخيلتهم وأدواتهم.
وهذا ما انعكس على ما تم طرحه في هذا الموسم، خصوصا أن كل مصمم عمد إلى إضفاء بصماته الخاصة، وهكذا تجاوز عالم الباروك الفن والعمارة وأضحى جزءا من عالم الموضة والأزياء.
ولعل اللافت فيه حاليا إجماع عدد كبير من الدور والمصممين العالميين على اعتماد هذه التصاميم ولموسمين متتاليين. فمجموعة الراحل ألكسندر ماكوين تضمن الكثير من الإيحاءات الباروكية بزخرفاتها الدقيقة، خصوصا أن ماكوين ومنذ بدايته كان من أنصار هذه المدرسة، وفي كل موسم كان يعود إلى هذا الطراز يغرف منه بنسب متفاوتة حسب الموسم. وبعد رحيله حافظت خليفته سارة بيرتون، التي كانت أيضا يده اليمنى، على هذا النهج.
من جهته، خصص روبرتو كافالي أيضا حيزا كبيرا لهذه الصيحة، معتمدا على تصميم مجموعة بألوان جريئة وطبعات مليئة بجنون الزركشة.
أما دار «شانيل»، فخصصت تشكيلة كاملة لهذا الفن في تشكيلتها السنوية التي تحتفل بها بالحرفية الفنية metiers d›art، بحيث طبعت كل جزئية فيها بشكل رائع يترك في النفس حنينا إلى هذه الحقبة ورغبة قوية في الغرف منها كل ما طاب ولذ من أزياء وإكسسوارات.
فكارل لاغرفيلد استعمل ألوانا داكنة الذهبي، كأرضية لزخرفات على الرغم من سخائها لم تقع في مطب التكلف والمبالغة لجمالها. كما أسهب في زركشة الأحذية والصنادل التي تعيد إلى الذهن جماليات تلك الحقبة، ناهيك عن باقي الإكسسوارات.
ولم ينس مصمم دار «بالمان» كريستوف ديكارنين بدوره، أن يهدي امرأته ذهبا وزخرفات، فصمم لها مجموعة مثيرة تلفت الأنظار بقوة لشدة تركيزه على الهندسات التي أدخلها ومزجها مع الأحجار والخرز والترتر، سواء في الجاكيتات أو بنطلونات الجينز.
في حين فضل الأميركي فيليب ليم، عدم الغوص العميق في متاهات وتفاصيل هذا العالم الشائكة، وابتكر مجموعة منقوشة بأسلوب ناعم وبسيط مقارنة بأقرانه الفرنسيين والإيطاليين.
فحتى دار «فيرساتشي» قدمت مجموعة بأسلوب جديد عليها، شملت فساتين وجاكيتات وتنورات بطبعات ونقوشات غلب أيضا عليها اللون الذهبي بمختلف تدرجاته.
وطبعا لا يمكن أن ننسى الإكسسوارات التي أخذت أيضا طابعا باروكيا هذا الموسم، كما في بيوت مجوهرات مثل «بولغاري» وستيفن ويبستر وغيرهم ممن أدخلوها في سلاسل وأساور، فضلا عن بيوت أزياء أخرى مثل «كلوي» أدخلتها في حقائب وأحزمة وأحذية.
وحملت هذه المجوهرات والإكسسوارات نوعا من المبالغة في شكلها سواء في المواد التي أدخلت إليها أو في شكلها الضخم والمعقد، لكنها بالنتيجة مغرية.
في هذا الصدد يؤكد المصمم اللبناني فادي الصايغ أن الباروك هو أكثر التصاميم رقيا ولفتا للنظر، لأنه مادة دسمة، مضيفا أن كل من ستتبنى هذه الموضة تدرك جيدا الهدف الذي تصبو إليه، ألا وهو الرقي والفخامة بعيدا عن الهدوء.
فهذه التصاميم كانت أكثر ما ميز المرأة منذ القرون الماضية وحتى اليوم وسلط الضوء على أنوثتها ورغبتها في إبراز أناقتها أو استعراض جاهها ومكانتها الاجتماعية.
ففي البدء، مثلا، كنا نلاحظ دخول الباروك ومفرداته في العباءات التقليدية التي اشتهرت بها المرأة الشرقية، وبدأ تدريجيا يتطور ليدخل في الملابس اليومية والخاصة بالمناسبات.
ويؤكد أن «هذه الموضة ستزدهر سنة بعد سنة وستفرض نفسها حتى للذين يرفضونها اليوم، بعد أن أثبتت التجارب أن القديم لا بد أن يعود يوما، إلى الساحة، بشكل أو بآخر، والأغلبية تقبل، لا بل رحبت، بما أنتجه المصممون المعاصرون، مما يؤكد حنينهم إلى البريق والفخامة»، وفي ما يخص تصميم هذه المجموعات، يشير فادي إلى أن التحضير لها يحتاج إلى الكثير من الوقت، لأنها تحتوي على تفاصيل دقيقة يجب مراعاتها، كما أنها تحتاج إلى درجة ابتكار عالية، نظرا لأن تصميمها يجب أن يتضمن أفكارا وابتكارا، ولا يمكن الاعتماد على الفخامة والبريق وحدهما.
وفي ما يخص مدى قدرة المرأة على ارتداء موضة الباروك في حياتها اليومية والعملية، يعتبر الصايغ أن عالم الموضة شهد تغييرا كبيرا خلال السنوات القليلة الماضية، واندمجت التصاميم الكلاسيكية مع العصرية وباتت المرأة ترتدي في النهار ملابس لماعة وبراقة مخصصة للسهرات.
ونوه بأن هذا النمط لقي ترحيبا من قبل أغلبية النساء اللاتي رحبن بهذه الفكرة في ظل ضيق الوقت وعدم قدرتهن على تغيير وتبديل أزيائهن لحضور المناسبات الخاصة، تبعا للجو الذي توجد فيه.
وبالتالي فإن موضة الباروك ليست حكرا على المناسبات الخاصة والكبيرة فحسب، بل أيضا على كل الأوقات والمناسبات، لما تعكسه من تميز تحتاجه المرأة في كل الأوقات، بما في ذلك عملها.
وفي الختام ينوه فادي الصايغ بأن المرأة تسعى عموما إلى إبراز نقاط القوة والجمال التي تمتلكها واليوم جاء الباروك ليساعدها على تحقيق مهمتها. عندما تقررين اعتماد النمط الباروكي في أزيائك، احرصي على أن تكون كل التفاصيل الأخرى بسيطة وناعمة حتى تخلقي تناغما بين ملابسك وإكسسواراتك.
لذا اتبعي النصائح التالية:
- اتركي شعرك على طبيعته ولا تصففيه بطرق متكلفة أو مبالغ فيها إلا إذا كانت المناسبة كبيرة.
- اعتمدي ماكياجا ناعما جدا وبسيطا. إذا كانت العيون مدخنة، مثلا، فإن أحمر الشفاه يجب أن يكون طبيعيا جدا، أو العكس إذا تركت العيون بماكياج خفيف وطبيعي، فلا بأس من أحمر شفاه فاقع يكون هو مركز الجذب.
- لا تضعي الإكسسوارات كبيرة الحجم والمتضاربة الألوان والأحجار إذا كان زيك مزركشا في الأساس.
- انتقي حقيبة ناعمة تحمل باليد.
- إذا كان بنطلون الجينز مثلا مرصعا ومطبوعا بلمسات باروكية، يفضل أن تكون باقي القطع والإكسسوارات هادئة ومن دون تفاصيل أو زخرفات.