المطبخ الصيني .. غرابة في المكونات ودقة في الإعداد
تعد الحضارة الصينية القديمة إحدى أقدم الحضارات في العالم، ما انعكس إيجابا على المطبخ الصيني الذي يعتبر جزءا لا يتجزأ من هذه الحضارة، فأسلوبه الفريد والمميز جعله معروفا في كثير من بلاد العالم، حيث استطاع الطهاة الصينيون المنتشرون في مختلف هذه البلاد إدخال طرقهم في الطهي، وقد يعود ذلك إلى استعمال مواد صحية فيه أولها الخضراوات وفول الصويا، وإلى طريقة الطهي الصحية، التي تحافظ على الفيتامينات الكاملة للمأكولات، وأسباب أخرى متنوعة، فكيف قدرت هذه الدولة البعيدة جدا جغرافيا أن تصل بمطبخها إلى بلادنا؟
سر الطعام الصيني الصحي
لأسباب اقتصادية وتاريخية عدة، ركز المطبخ الصيني التقليدي على الأرز والخضراوات والحبوب وزيوت الصويا، مع القليل من اللحم والسمك، ما جعله مميزا عن غيره من المطابخ التي تعطي الأهمية لقطعة اللحم التي تتوسط أطباقها، فما يهم الصيني بالدرجة الأولى هو الخضراوات، وكمية اللحوم التي تطهوها ربة المنزل الصينية لستة أشخاص لا تكفي وجبة لأميركي واحد.
أمر آخر يجعل المطبخ الصيني صحيا، وهو طريقة تحضير الطعام المعتمدة على القلي السريع للخضراوات من دون سلقها، التي تحافظ على الفيتامينات القابلة للانحلال في الماء كالفيتامين A والفيتامين C، أما إذا احتاج الطبق إلى عملية تبخير للماء أو تجفيف للخضراوات، فيتم ذلك على نار هادئة للتقليل ما أمكن من فقدان هذه المواد الفعالة، ويعتبر التنويع بين الفواكه والحبوب هو ميزة خاصة في الوقاية من أمراض السرطان، كل هذا جعل من بعض القرى والبلدات الصينية لا تعرف الكثير من الأمراض المزمنة، ونسبة الإصابة بداء السكري الثانوي، وهشاشة العظام فيها هي أقل بكثير من النسب المحصاة عالميا.
مواد مميزة ومفيدة
تختلف المواد الأولية التي تستعمل في المطبخ الصيني عن تلك التي في المطبخ العالمي أو الأوروبي، وهي متعددة جدا، والبداية من الصويا، فمنذ أكثر من 5000 عاما والصويا تزرع في الصين، بأنواعها التي تقارب الـ1500 نوع، حيث تعد بمثابة اللحم والحليب والبهار، وتستعمل في إعداد الأصباغ والألوان، وتدخل صلصة الصويا المستخلصة من فول الصويا في جميع الأطباق الصينية، وتعد من أكثر المواد الأولية استعمالا في إعداد الطعام.
ومن أنواعها صلصة الصويا الحارة، الحلوة، البحرية، صلصة الصويا السوداء مع الثوم، وصلصة الصويا السوداء بالطماطم، وتشبه هذه الصلصة في طعمها العسل الأسود المخفف بالماء والخل، حيث يستغرق إعدادها سنوات طويلة. ولا يخلو أي طبق من «التوفو» المصنوع من حليب الصويا.
وللنودلز حضور لافت في هذا المطبخ، وهو الذي يصنع من نشاء الأرز، ويسلق قليلا ليغسل جيدا، والذي يمكن إضافته إلى الحساء، أو قليه بالزيت مع الخضراوات، ومن المواد المستعملة بوفرة كالخل الصيني القوي المصنوع من الأرز، والخردل الصيني الشبيه بالخردل الفرنسي، والممزوج بالخل والزيت.
أما الفطر الأسود الذي ينصح بتركه منقوعا في الماء البارد فيعد مكونا أساسيا في معظم الأطباق، ولا يمكن أن يكتمل هذا المطبخ من دون بهار الكاري المميز والزنجبيل الطازج والسكّر الثوم وأوراق الخيزران الذي يباع معلبا في الأسواق، كذلك الحال مع البهارات المتنوعة مع الشيلي الناشف، وهو عبارة عن فلفل أحمر حارّ صغير الحجم مجفف ويستخدم في الأطعمة إما مدقوقا وإما موضوعا مع الزيتون، ومسحوق البهارات الخمسة الصينية المؤلفة من اليانسون والفلفل والشمر والقرنفل والقرفة التي تستخدم مع اللحوم ومعظم الأطباق الدسمة.
وفي أنواع الزيوت «القائمة لا تنتهي»، وأبرزها زيت السمسم وزيت الفول السوداني، وزيت الزنجبيل، وزيت الثوم، وزيت الفلفل الأحمر الحار وزيت الذرة، وزيوت الصويا، التي تتميز غالبيتها بأنها غير مشبعة بنكهتها القوية. في غياب شبه كلي للزبدة، والمارغرين، وزيت الزيتون.
واللافت أن الكثير من الخضراوات المعروفة في بلادنا العربية موجودة في المأكولات الصينية، كالفلفل الرومي الأحمر والأصفر والقرنبيط والكرنب والخيار والبازلاء.
أما الأسماك فهي من الأطباق المفضلة والشهيرة، التي تعود وفرتها إلى كثرة الأنهار والبحيرات في الصين، ومهارة الطهاة الصينيين جعلتهم يستعملون السمك كاملا بطبخه مع الرأس والعظام لصنع ألذ أنواع الحساء.
وأحيانا يطبخ الصينيون السمك خاليا من العظم والجلد ومقطعا إلى شرائح، وكذلك يستفاد من أحشائه بطرائق مختلفة. وفي الغالب يقدم مع الأرز، مع إضافة قليل من صلصة الصويا الباردة.
الطهي المرتبط بالخريطة الجغرافية
إن لكل مقاطعة في الصين أسلوب طهي يميزها، فالـ«شيو شو» هو أشهر طرق الطهي في هونغ كونغ حيث تغلب عليه نمط الصلصات الحارة، ويعتبر البط والإوز الباهر مع صلصة الثوم والخل من الأطعمة المفضلة في هذا المطبخ، أما النكهات الحلوة المذاق والغنية والحادة فتجدها في المطبخ الشنغانيزي (نسبة إلى شانغهاي) الذي يقدم الخضراوات المحفوظة والمخللات واللحوم المملحة.
من أكثر الأطعمة شهرة في شنغهاي البيض بنكهة الدبق والزنجبيل، أما أشهر أنواع المطابخ الصينية عبر العالم فهو المطبخ الكانتونيزي الذي يتميز بمواده الطازجة والطبيعية التي تشترى وتعد في اليوم نفسه، وتطبخ قبل التقديم باستخدام القليل من التوابل، ومنها زعانف الأسماك والإسكالوب الجاف.
في حين أن أطباق العاصمة بكين تبقي الجسم دافئا كونها ذات نكهة قوية غنية بالفلفل والثوم والزنجبيل والكراث والكزبرة، والأشهر على الإطلاق هو البط البكيني، والنكهات الحارة والقوية موجودة أيضا في مطبخ هونان وزيشوان الغني بالفلفل الأحمر والثوم والأرز والصلصات الغريبة غير التقليدية.
كذلك تستخدم صلصات العسل على الحلويات مثل الكستناء مع الماء وتقدم فيه مجموعة من الحساء كالنودلز وشوربة الحمص المملحة. وللنباتيين حصة مع المطبخ الصيني الفريد بخواصه الغذائية العالية، على رأسها فول الصويا والفطر.
الروايات الصينية .. صدق أو لا تصدق
غرابة المطبخ الصيني لا تقتصر على أسماء أطباقه مثل معلب اللحم من الكلاب، أو رأس الأسد، أو معدة السمك على شحم السلحفاة التي قد لا تمت إلى محتوى الأطعمة بصلة، والتي تقول الرواية إنها جاءت نتيجة منع أحد القياصرة الصينيين أن يقدموا له الطعام نفسه طوال حياته، مما اضطرهم إلى اختراع أسماء مختلفة للأطعمة، على الرغم من تشابهها في المحتوى، ليبهر بها القيصر، بل أيضا تكمن هذه الغرابة في أن لدى الصينيين فلسفة خاصة في الطعام تؤكد أن أنواع المذاق مرتبطة بفصول السنة، ويجب أن تبقى متناغمة معها، وفي المطبخ الصيني خمسة أنواع من المذاق: المالح، المر، الحامض، الحاد أو الحار، والحلو.
ولقد عرف الصينيون خمسة أنواع من العناصر: الخشب، والنار، والمعدن، والماء، والأرض. التي يرمز إليها بخمسة ألوان: الأزرق، والأصفر، والأحمر، والأبيض، والأسود. ويجب على العناصر والألوان والمذاق أن تكون متفقة مع مواسم السنة! واللافت أن لكل مناسبة أيضا طعامها، فلرأس السنة الصينية هناك حلوى غنية بنكهتها وتدعى «نين غو» التي يتفاءل بها الصينيون لأنها تمثل النجاح بالنسبة إليهم. وفي احتفال منتصف الخريف يقدم كيك القمر المحشو بالبلح والمكسرات ومعجون بذور اللوتس ومعجون الفول أو حتى النقانق الصينية.