برامج الطبخ تشجع النساء على دخول المطبخ بأناقة
الصورة التقليدية المتداولة عن المرأة العربية في المطبخ،لا تسر العين ابدا، فهي في الغالب سيدة بدينة تلف شعرها بمنديل بطريقة عشوائية،وترتدي مريلة متسخة، ولا تكف عن التذمر من الطبخ كل يوم.فهذه الصورة وان كانت ما زالت سائدة في كثير من البيوت، الا انها اهتزت وتغيرت كليا بفضل برامج الطبخ على القنوات التلفزيونية التي تقدمها نساء،حيث المفاهيم قلبت رأسا على عقب،واصبح دخول المرأة الى المطبخ يتم وهي في كامل زينتها، وبمظهر مرتب ونظيف، واكثر من ذلك فهي تتمتع برشاقة تحسد عليها. هذا المظهر الجديد هو ما ينطبق تماما على معدة ومقدمة برامج الطبخ المغربية الشهيرة شميشة الشافعي.
فقد اصبحت القنوات التلفزيونية تسوق برامج الطبخ في شكل مبهر ينافس برامج المنوعات،وان كانت الامكانات المرصودة لهذه البرامج تتفاوت من محطة تلفزيونية الى اخرى، فبرنامج «مطبخ منال العالم» على قناة «ابو ظبي» او برنامج الشيف اسامة السيد، ومطبخه الفاخر في قناة «دبي»، لا يمكن مقارنتهما مع برنامج «شهيوات شميشة» البسيط على قناة «دوزيم» المغربية، الا ان القاسم المشترك بينها هو إيلاء أهمية قصوى للتفاصيل، فالاستوديو الذي يأخد شكل مطبخ يتحول الى مكان مبهر بالألون الجميلة للأواني مثل الصحون والفناجين والكؤوس، التي اصبحت تلقى رواجا في السوق بسبب هذه البرامج.
الى جانب احدث الالات الكهربائية التي تساعد في اعداد اصعب الاطباق، بمرونة وخفة، وهو ما ساهم بدوره في تغيير الفكرة السائدة عن طرق اعداد الاكل التي كانت تتم يدويا بطرق تقليدية تتطلب الكثير من الجهد والعضلات، الى حد تصبب العرق على جبين النساء أثناء تدليك عجين الخبز على سبيل المثال، او طحن التوابل يدويا في المهراز النحاسي الذي كان يصدر صوتا مزعجا.
لقد شجعت هذه البرامج الكثير من النساء على دخول المطبخ، وإعداد الحلويات في المنزل، تشبها بمقدمات تلك البرامج اللواتي لا تغيب الابتسامة عن وجوههن،فرشاقة شميشة واناقتها اثناء اعدادها الوصفات في مطبخها الصغير، دفعا الكثير من النساء الى تقليدها، فالطبخ لم يعد تلك العقوبة اليومية التي تواجهها المرأة بكثير من التأفف والتذمر، بل اصبح هواية وابداعا وفنا، والحرص على تقديم مائدة غنية بالاطباق الشهية.
ويبقى الفرق كامنا في ان معدات هذه البرامج يتقاضين رواتب عالية جدا عند نهاية كل شهر، بينما سيدات البيت، لا ينتظرن سوى كلمة اطراء من الزوج او الاولاد، او الضيوف، اعترافا لهن بمهاراتهن، لعل ذلك ينسيهن ساعات الوقوف الطويلة في المطبخ، في مواجهة الحرارة المتصاعدة من افران الغاز المنزلية.
وبما ان المظهر الخارجي اساسي وضروري لجذب اكبر نسبة من المشاهدين والمشاهدات، تظهر شميشة كل يوم في برنامجها، بلباس تقليدي مغربي بسيط، وهي تعد الطعام من دون ان يبدو عليها أي تضايق من الاكمام الطويلة للقفطان، وهو ما لم تعد أي امرأة قادرة على تحمله في هذا العصر، فاللباس التقليدي لم تعد ترتديه النساء الا في المناسبات، مثل حفلات الزفاف.
لكن دخوله الى المطبخ كان بمثابة استعادة جريئة لايام زمان، حيث النسوة لم يكن يتخلين عن زينتهن الكاملة في البيت، فيرتدين القفطان الطويل، اثناء قيامهن بأشغال البيت،طوال النهار،بينما في الوقت الراهن، استبدلت المرأة العصرية القفطان بالبدلة الرياضية حتى تتحرك بسهولة وراحة في أرجاء البيت.
وحتى وان ارتدت شميشة او منال العالم، ملابس عصرية فهي تظل مختارة بعناية، والاهم فيها هو تناسق لون المريلة مع لون ملابسها، وهو آخر شيء ممكن ان تفكر فيه امرأة وهي في المطبخ، فالاناقة والتناسق مهمة تقوم بها بالكاد اذا ما فكرت في الخروج من البيت الى العمل او التسوق او لزيارة عائلية.
لم تشغل مقدمات برامج الطبخ النساء بالاواني الجميلة المعروضة في برامجهن وازيائهن، واطباقهن، ومطابخهن الراقية، بل شغلتهن ايضا بكتبهن التي يصدرنها، والتي تصبح مع اصدار كل طبعة جديدة حديث المجالس، ويتم التهافت على شرائها، او اعارتها من بعضهن بعضا، من اجل تجريب وصفاتها بكثير من الحماس والفضول، والتي قد تنجح احيانا وتفشل احيانا اخرى، ونظرا لهذا الاقبال يتم قرصنة هذه الكتب، وعرضها على الانترنت لتحميلها بكل يسر، فتضيع حقوق اصحابها.
نجاح هذه البرامج لا يقتصر بطبيعة الحال على الاطار الباهر الذي تعرض فيه، بل لتمكن اصحابها من الطبخ بشكل جدي، حيث لا تخفى مهارتهن وحرفيتهن على المشاهدين، لذلك اذا كانت مقدمة البرنامج لا تجيد الطبخ ولا علاقة لها به، كما هو الحال في بعض البرامج، فمصيره يكون الفشل، حتى وان كانت مجرد مساعدة للطباخ الرئيسي، فارتباكها وجهلها احيانا بأبسط الامور يفضحها، فتتأثر مصداقية البرنامح، تقول شميشة «كانت لدي قناعة منذ البداية، اني اذا اردت الدخول الى قلب المشاهد،عليّ الابتعاد ما أمكن عن التصنع، ومخاطبته بتواضع، وبلغة بسيطة ومفهومة، لأني أحترم عملي وأقدره، وأحترم الناس الذين يشاهدونني».
الطبخ هو قدر المرأة منذ الازل، ورغم ان اشهر الطهاة في العالم هم رجال، مثل غوردون رامزي، وجيمي اوليفر،اللذين ينافسان نجوم الفن والرياضة، الا ان ذلك لم يؤثر على سلوك الرجال العرب على الخصوص، ولم يساهم في تغيير موقفهم من الطبخ في المنزل الذي يتركون مهمته للمرأة في البيت متحججين بجهلهم المطلق بهذا المجال، الى حد ان بعضهم يدعي عدم معرفته بطريقة سلق البيض! وكان الراحل عبد الرحيم بركاش، يعد اشهر مقدم برامج الطبخ في المغرب، بدأت شهرته من عام 1986 الى عام 2000 أي لمدة 14 عاما قدم خلالها برنامجين هما وليمة ومائدة على القناة التلفزيونية المغربية الاولى، بحرفية عالية جعلت منه نجما بامتياز،ولم يوجد خليفة له منذ ذلك الوقت، سوى شميشة التي تؤكد بأن بركاش كان له دور كبير في نجاحها المهني.
اما على المستوى العربي فيتصدر الشيف المصري اسامة السيد قائمة اشهر مقدمي برامج الطبخ، ويتذكر المشاهدون كيف ارتقى السيد في عمله وتطور ليصبح برنامجه الحالي «مع اسامة اطيب» من اهم برامج الطبخ على القنوات التلفزيونية العربية، بالنظر الى حجم الاستوديو والتجهيزات التقنية والفنية المرصودة له.
لكن لا يمكن الاكتفاء بالاطراء فقط على هذه البرامج بالرغم من نسبة المشاهدة العالية التي تعرفها، فما هو العيب الموجود فيها؟
يشتكي عدد من المشاهدين من ان ما يزعجهم في برامج الطبخ المفضلة لديهم، هو ثرثرة مقدميها الذين لا يتوقفون عن الكلام المسترسل والسريع منذ البدء في تقديم مقادير الوصفة، وحتى اظهار شكلها النهائي للجمهور،ناهيك عن بعض البرامج التي تتلقى مكالمات هاتفية من مشاهدين غالبيتهم نساء،لتصبح الثرثرة هي القاسم المشترك لهذه البرامج، التي يود المشاهدون ان يتم تخفيف الكلام فيها .
وربما يلجأ مقدمو البرامج للكلام من دون توقف اعتقادا منهم انها طريقة مثلى لشد انتباه المشاهد، دون ان يفقد تركيزه،وشخصيا اضطر احيانا الى الضغط على زر كاتم صوت التلفزيون لأكتفي بمشاهدة مراحل تحضير بعض الوصفات من دون الحاجة الى سماع تعليقات المذيعة او المذيع، لانه ربما ينسى اصحاب هذه البرامج انها تقدم صوتا وصورة، وليس على محطة اذاعية! دون ان ننسى ايضا ان بعض المذيعين يقدمون معلومات مفيدة،عن اصناف الخضراوات والفواكه او غيرهما، لكن احيانا يكون الكلام لمجرد الكلام. والشيء الذي اذا زاد عن حده انقلب الى ضده، كما يقال.