متلازمة التقيؤ الدوري .. اضطراب نادر ومهلك وليس لها أي سبب أو علاج معروف
بدا لكل من ليزا وبرايان بيليتر أن ابنتهما الصغرى ولدت وهي تعاني من حساسية غير عادية في المعدة. وكانت الطفلة برينا، التي تعرف أيضا باسم بري، تتقيأ وجبتها الكاملة إذا تناولت ملعقة زائدة فقط من طعام الأطفال، حسب ما قالت ليزا. وعندما وصلت إلى سن 18 شهرا، كانت تستيقظ مرة أسبوعيا بين الساعة الثانية والخامسة صباحا وتتقيأ مرة واحدة، وبعد ذلك تعود إلى النوم، ولم تكن تظهر عادة أي إشارة على التعرض لمرض أو ألم.
وبدت طبيبة الأطفال المعالجة للطفلة بري غير قلقة، حيث عزت أسباب تقيؤها إلى شيء كانت قد تناولته، أو فيروس حمله أحد أخوتها الثلاثة إلى المنزل أو عدوى في الأذن. وعندما زادت حدة حالات التقيؤ في الصباح الباكر بعدما وصلت بري إلى الثانية من عمرها، أمر الطبيب بإجراء فحص التصوير الطبقي للمخ لفحص إمكانية وجود ورم في دماغها.
وتذكرت ليزا أن طبيبة الأطفال المعالجة لابنتها، حاولت طمأنة الأبوين بيليتر، اللذين يعيشان في قرية بارنستيبل بولاية ماساتشوستس، بعدما لم تعثر على أي شيء بقولها: «لا تقلقوا إزاء هذا الأمر. إنها تنمو بشكل طبيعي».
حالة مخيفة
ولكن مع تقدم بري في السن، أصبحت حالات التقيؤ أكثر حدة ومخيفة بشكل أكبر. وكانت الفتاة الصغيرة تتقيأ بشكل تشنجي، أحيانا لدقائق معدودة فقط، وفي أوقات أخرى كانت هذه الحالات تستمر لعدة ساعات، وهو ما كان يهدد بتعرض الطفلة الصغيرة للجفاف، وأحيانا يدفع الأبوين إلى الإسراع بزيارة المستشفى. بدأ والداها يعرفان وقت بداية هذه الحالات. وتقول والدتها: «كانت بري تشكو من حالة غثيان حادة وتتثاءب بشكل متكرر ثم تبدأ في التقيؤ. وخلال هذه النوبة، كانت بري تبدو غير مدركة للأشياء المحيطة بها وغير قادرة على التحدث».
ولكن بعد ساعات قليلة من انتهاء حالات التقيؤ، كانت بري تعود إلى الوضع الطبيعي، وتتناول وجبة كاملة بشراهة كما لو أن شيئا لم يحدث.
وتذكرت بري، التي بلغت الآن الثامنة عشرة من عمرها، وهي طالبة جامعية حديثة متخصصة في تصميم الأزياء بكلية ماساتشوستس للأدب والتصميم في مدينة بوسطن: «لقد كان مجرد أسلوب حياة». واستغرق الأطباء أكثر من خمس سنوات لاكتشاف الخطأ، وهو عملية طويلة ومؤلمة أحيانا ترتبط بإجراء عدد ضخم من الفحوصات والكثير من البدايات الخاطئة.
وكان أسوأ ما في الأمر بالنسبة لليزا هو الدخول في جدال مع أطباء غير متعاطفين بدوا وكأنهم يقللون من مشكلة طفلتها المربكة، وكان لديهم قدر محدود من المعلومات التي يمكن أن يقدموها. وتذكرت ليزا هذه المواقف بقولها: «لم يكن لدينا أي معلومات عن مثل هذه الحالات».
حادثة مروعة
بين سن الثانية والسادسة، كانت بري تتنقل بين طبيبة الأطفال وأخصائية الأنف والأذن والحنجرة، وأحيانا غرفة الطوارئ المحلية بحثا عن تفسير لحالتها.
وفي البداية، بدا أن سبب حوادث التقيؤ هو حالات العدوى المتكررة التي كانت تصيب أذنها؛ وأسهم مركب من دواء أموكسيسيلين وبيبتو بيسمول مبدئيا في وقف التقيؤ، ولاحظ والدا بري أن المشكلة كانت نادرا ما تحدث خلال فصل الصيف، عندما تميل حالات عدوى الأذن إلى التراجع.
ولكن بعد أن تم وضع أنابيب بشكل جراحي في أذنيها، وهو علاج شائع لحالات عدوى الأذن المتكررة لدى الأطفال، انخفضت حالات العدوى ولكن حالات التقيؤ لم تقل؛ واستبعد أخصائي الأنف والأذن والحنجرة أن تكون مشكلة في الأذن هي سبب هذه الحالات الغريبة. وأظهر فحص بالأشعة السينية عدم وجود سبب تشريحي واضح.
ولم يعرف أي شخص سبب عدم تعرض بري، أحيانا لأسابيع وشهور، لأي حالة تقيؤ، ولماذا كانت هذه الحالات تبدأ في ساعات الصباح الباكر، ولماذا كانت الأحداث العاطفية مثل حفلات أعياد الميلاد أو أحد الاختبارات في المدرسة تبدو وكأنها عامل مثير لحالات التقيؤ. وأشار بعض الأقارب إلى أن بري ربما تعاني من عصبية زائدة فقط.
تقيؤ دموي
كان من أكثر هذه الحالات إثارة للرعب تلك التي وقعت في شهر يناير (كانون الثاني) عام 1999، عندما بدأت بري، التي كان سنها قد وصل -في ذلك الوقت - إلى خمس سنوات وشهر ويومين، في تقيؤ الدماء. وأخذتها أمها التي كان قد أصابها الذعر إلى غرفة طوارئ قريبة، ودخلت مسرعة من الباب وهي تحمل ابنتها الضعيفة، التي كان وجهها ملطخا بالدماء.
وأمر الأطباء بوضعها على محاليل التغذية الوريدية لعلاج الجفاف، وأجروا بعض الفحوصات وأعطوها دواء مضادا للحموضة وعقارا مسكنا، هدأ التقيؤ. وخلال ساعات قليلة، كانت حالة بري أفضل كثيرا. وشك طبيب غرفة الطوارئ في أنها قد يكون لديها قرحة، واقترحت أن يذهب الأبوان بيليتر لاستشارة أخصائي لعلاج أمراض المعدة والأمعاء للأطفال.
وقالت ليزا إنها أرادت الحصول على إحالة إلى طبيب في مستشفى الأطفال الشهير على المستوى العالمي في مدينة بوسطن، ولكن طبيبة الأطفال الخاصة بأسرتها عارضت إحالتها إلى أخصائي. وتذكرت ليزا هذه الواقعة بقولها: «لقد كنت أبكي، لذا أحالت طبيبة الأطفال بري إلى أخصائي لعلاج أمراض المعدة والأمعاء في مستشفى مختلف».
وبدأ الأطباء في إجراء سلسلة من الفحوصات؛ حيث أجروا فحوصات للدم والبول وبعض الفحوصات الإشعاعية الإضافية، إلى جانب إجراء فحص بالمنظار لاكتشاف وجود قرحة من عدمه، وفحص مخطط كهربائية الدماغ (رسم المخ) لاكتشاف وجود صرع من عدمه. واكتشف الأطباء وجود قدر بسيط من الارتجاع المعدي وعدوى بسيطة في الجيب.
وكتب أخصائي أمراض عصبية للأطفال يقول: «السبب الدقيق لحالات التقيؤ الدورية لبريانا تبقى غير واضحة بالنسبة لي»، وأشار إلى احتمال وجود اضطراب «أيضي» (في التمثيل الغذائي) غير محدد أو صداع نصفي بطني، وهو مرض يتميز بحدوث ألم في البطن بدلا من آلام الرأس.
وقالت ليزا: «لقد كان واضحا حقا أننا لم يكن لدينا مفتاح لحل هذا اللغز».
وفي الوقت نفسه، بدأ برايان، الذي كان قد اقترب من إنهاء دراسته والحصول على شهادة في التمريض، العمل لدى طبيب أطفال آخر. وغيرت الأسرة من ممارساتها، وحصلت على خطاب إحالة إلى مستشفى الأطفال الشهير في بوسطن وأخذت بري إلى ألان ليشتنر، أخصائي علاج أمراض المعدة والأمعاء للأطفال.
نقطة تحول يقول ليشتنر، الذي يشغل الآن منصب مساعد رئيس قسم أمراض المعدة والأمعاء والتغذية في مستشفى بوسطن للأطفال، إنه كان لديه شك قوي في أنه عرف سبب المشكلات الصحية لبري عندما فحصها للمرة الأولى في عام 1999. ولكن قبل التمكن من التوصل لتشخيص محدد، كان لا بد من استبعاد أكثر من عشرة أمراض يمكن أن تسبب حالات التقيؤ والأعراض المرتبطة بها في البداية.
وبعد إجراء القليل من الفحوصات الإضافية والحصول على تقييم لحالة بري من أخصائي أمراض عصبية للأطفال في مستشفى بوسطن للأطفال، أخبر ليشتنر الوالدين بيليتر بأن بري كانت تعاني من متلازمة التقيؤ الدوري، وهو اضطراب غير معروف ومفهوم بشكل محدود يمكن أن تتراوح حدته من بسيط إلى منهك.
وقال ليشتنر، أستاذ طب الأطفال المساعد في كلية الطب بجامعة هارفارد الذي عالج أكثر من عشرين طفلا مصابين بمتلازمة التقيؤ الدوري: «لقد عرفت سبب مشكلات بري بسبب تعرفي على النمط المرضي. وكانت حالة بري تناسب هذا النمط».
وليس لمتلازمة التقيؤ الدوري، الذي تم التعرف عليه في عام 1882 بواسطة الطبيب البريطاني صامويل غاي، أي سبب أو علاج معروف، حسبما ذكر مقال في كتاب «إيميديسين» الطبي.
وهناك رابط وراثي قوي بين هذه المتلازمة وبين حالات الصداع النصفي الدماغية - حيث إن لدى الكثير من الأشخاص الذين يعانون من هذا المرض أقارب بتاريخ من التعرض لحالات الصداع النصفي، كما هو الحال بالنسبة لبري - والأطفال الذين يعانون من متلازمة التقيؤ الدوري غالبا ما يتعرضون لحالات الصداع النصفي في مرحلة البلوغ.
ولكن متلازمة التقيؤ الدوري تختلف عن الشقيقة البطنية لأن العرض الأكثر شهرة لها هو التقيؤ، وليس آلام البطن.
ويبدأ التقيؤ عادة في الصباح الباكر أو عند المشي، وأحيانا في الوقت نفسه من كل شهر أو ما شابه ذلك. ويمكن أن يكون التقيؤ بالغ الضرر، حيث يحدث بمعدل ست مرات أو أكثر في الساعة ولا يقدم أي شعور بالراحة، كما هو الحال بالنسبة للتقيؤ الذي يحدث بسبب فيروس أو تسمم غذائي.
وتشمل العوامل المثيرة للتقيؤ العدوى والتوتر والإثارة. وغالبا ما تستمر الحالات لمدة تتراوح ما بين 24 إلى 48 ساعة، وأحيانا تكون أطول، ويمكن أن يبدو المرضى في غيبوبة تقريبا خلال المرحلة الأكثر حدة.
وغالبا ما يكون تسكين الألم جزءا من العلاج لأنه يسمح للمرضى بالتعافي واستعادة كمية من المياه التي فقدها. ويظهر هذا الاضطراب عادة لدى الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 إلى 7 سنوات، رغم أن هناك تقارير أوردت حدوث هذا الاضطراب لطفل عمره 6 أيام وللبالغين أيضا.
ومعدل حدوث هذا الاضطراب غير معروف في الولايات المتحدة. وتوصلت دراسة أجريت في آيرلندا إلى أن ثلاثة من أصل كل 100 ألف طفل يعانون من متلازمة التقيؤ الدوري، التي تؤثر بشكل غير متناسب على القوقازيين.
وأشار ليشتنر إلى أن علاج هذا الاضطراب يكون في توفير الدعم إلى حد كبير ويهدف إلى الحيلولة دون حدوث الجفاف وتقليل خطورة حالات التقيؤ أو تجنبها. وبين نوبات التقيؤ، تكون حالة مرضى متلازمة التقيؤ الدوري، مثل بري «رائعة بشكل مثالي».
وذكر أن الكثير من الحالات الأقل خطورة لا يتم تشخيصها على الإطلاق، ويعزى سبب هذا الاضطراب بشكل خاطئ في الغالب إلى فيروس في المعدة. وأضاف ليشتنر: «يحتاج هذا الاضطراب بكل تأكيد إلى المزيد من الاهتمام الواضح بين الأطباء، الذين قد لا يكونون على دراية به».
ويصنف ليشتنر حالة بري، التي تعقدت بفعل حدوث ارتجاع معدي، بأنها متوسطة الحدة. وقال ليشتنر، الذي لا يزال مستمرا في علاج بري: «تكمن فرحتي في رؤيتها وهي تكبر من سن السابعة إلى أن أصبحت طالبة في الكلية، وطورت مهارات المواجهة هذه».
وتقول بري إن حالتها تحسنت وأصبحت قادرة على التحكم في نوبات التقيؤ، رغم توضيحها بأن الاضطراب لا يزال صعبا. وكانت بري قد أمضت أحد الأعوام دون التعرض لأي نوبة تقيؤ، وتقول إن النوبات تحدث الآن على فترات أكثر تباعدا بشكل واسع، حيث تحدث كل عدة شهور قليلة في المتوسط.
وتحمل بري خطابا من ليشتنر يوضح متلازمة التقيؤ الدوري ويحدد العلاج الذي يجب أن تتلقاه. وتشعر بري بالراحة لأن حرم جامعتها يقع بالقرب من مستشفى بوسطن للأطفال، حيث كانت قد تعافت هناك مؤخرا من نوبة تقيؤ.
وذكرت ليزا بيليتر أن ترك ابنتها تذهب إلى كلية على بعد ساعتين من منزلها كان أمرا صعبا. وقالت: «لقد كنا مذعورين بالفعل، ولكن كل هذه التطورات حدثت فجأة وبشكل متزامن، وتبدو بري سعيدة جدا».
وقالت بري: «في البداية، لم أكن متأكدة إزاء كيف ستكون حالتي في الكلية، ولكنني في حالة جيدة بالفعل. وقد كنت مصممة على أن لا أدع هذا الأمر يعترض طريقي في الحياة».