تقرير لمنظمة اليونسكو: 4 آلاف طن من الأدوية تتسلل سنويا إلى البيئة
أشار تقرير لمنظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة إلى انقراض 3 أنواع معروفة من النسور في الهند وباكستان بسبب الأدوية التي تتسلل إلى البيئة، وخصوصا إلى المياه الجوفية والأنهار والمزروعات. ويقول خبراء المنظمة الدولية إن هذه النسور ماتت بسبب تغذيها على جثث الأبقار الميتة التي يعالجها الإنسان بعقار «دكلوفيناك» الذي يستخدم في معالجة التهابات المفاصل عند الإنسان.
وليس هذا سوى دليل واحد على مخاطر تلوث البيئة بملايين الحبوب والعقاقير السائلة التي تتسلل إلى دورة الحياة العامة من خلال التخلص منها في المراحيض، أو تسربها من إفرازات الإنسان إلى دورة المياه. وهو دليل على تفاقم مشكلة التخلص من الأدوية وضرورة معاملتها كما تعامل النفايات الخاصة مثل النفايات الكيماوية والإلكترونية.
وتحدث ريكاردو أماتو، من دائرة حماية البيئة الألمانية، عن جانبين في مشكلة التخلص من الأدوية الزائدة والقديمة والفائضة عن الحاجة. فهناك جانب وعي يتعلق بوعي الإنسان الألماني، لأن المواطن الألماني تعلم فرز النفايات بين ورقية وزجاجية وبيولوجية وإلكترونية، لكنه، في الغالب، لا يعرف بعد طرق فرز والتخلص من الأدوية. وهناك جانب قانوني يتعلق بعدم وجود قانون ألماني، أو اتحادي أوروبي، ينظم عملية التخلص من الأدوية.
وأجرت منظمة «ستارت» (مختصر اسم «استراتيجيات التعامل مع الأدوية في مياه الشرب»)، استطلاعا للرأي بين الألمان، فتوصلت إلى أن 16% من الألمان يرمون بحبوب الأدوية الزائدة في التواليت أو في النفايات. وترتفع هذه النسبة إلى 50% حينما يتعلق الأمر بالأدوية السائلة والمساحيق، مع نسبة 10% يفعلون ذلك دائما ومن دون أي رغبة بإعادة هذه الأدوية إلى الصيدليات.
دأب الواعي من المواطنين على إعادة هذه الأدوية إلى الصيدليات القريبة. وكان اتحاد شركات إنتاج الأدوية قد ربط 75% من الصيدليات الألمانية بنظام للتخلص من الأدوية الزائدة والقديمة عن طريق تجميعها وإعادتها إلى مصدرها. إلا أن النظام غير ملزم قانونيا، وتراجعت حاليا معظم هذه الصيدليات عن تقبل إعادة الأدوية بعد أن وضعت الشركات ضريبة على صناديق الأدوية المعادة. وصار على الصيدليات أن تدفع جزءا من كلفة التخلص من الأدوية للشركات المنتجة منذ يناير 2009، وهو ما دفع معظمها للامتناع عن استلام الأدوية الزائدة من الزبائن.
المشكلة الأخرى هي أن معظم شركات الأدوية لا تقوم بتحليل الأدوية إلى عناصرها الأولية، ومن ثم تدويرها واستخدامها في صناعة الأدوية الجديدة، وذلك بسبب ارتفاع الكلفة. وتتولى الشركات، في الأغلب، حرق هذه الأدوية في أفران خاصة، وتقوم بالتالي بتلويث الجو بالأبخرة.
ويقدر خبراء البيئة الألمان تسلل نحو 4 آلاف طن من الأدوية والعقاقير ومركباتها سنويا إلى دورة المياه العذبة في الطبيعة. ويكون تلوث مياه الشرب بليغا في حالة احتساب تسلل الأسمدة الكيماوية والأصباغ والمواد الكيماوية وغيرها إلى التربة ومنها إلى المياه الجوفية.
وفي إحصائية لدائرة البيئة في ولاية راينلاند بفالس (4 ملايين نسمة) فإن الأدوية التي تم التخلص منها عام 2006 بلغ ثمنها 1.4 مليار يورو، وتتألف من نحو 64 مليون علبة.
وقدرت دراسة خاصة عن الموضوع، أقامها معهد دايملر ـ بنز في العاصمة الألمانية برلين وحضرها عشرات الباحثين في شؤون تلوث البيئة، تسلل 95% من الأدوية أو مركباتها التي يتعاطاها الإنسان إلى مياه المراحيض، عبر الإدرار والغائط، وبلوغها بالتالي إلى دورة المياه في الطبيعة.
وطبيعي فإن نسبا أخرى من هذه المواد تتسلل إلى دورات المياه بسبب التخلص من الأدوية الزائدة والمستهلكة في التواليتات أو في برميل القمامة. وسجلت دراسة أخرى، واصلت البحث عن آثار الأدوية والعقاقير في مياه الأنهر منذ السبعينات، احتواء الماء على أكثر من 100 مادة كيماوية تدخل في صناعة العقاقير المختلفة.
ووجهت العالمة تامارا غرومت، المختصة بالمواد السامة من دائرة البيئة الاتحادية، أصبع الاتهام إلى العقاقير الهرمونية وحبوب منع الحمل التي ثبت تأثيرها على الأحياء المائية. وقالت العالمة إن الأبحاث لا تستبعد تأثير هذه الهرمونات على البشر من خلال تواجدها بكميات ضئيلة في مياه الشرب.
وبالنظر لوجود نسبة واضحة من المضادات الحيوية في مياه الأنهر، فقد طالبت غرومت بفرض رقابة مشددة على مياه مجاري المستشفيات حيث تتركز إفرازات المرضى ومياه الغسيل ويكثر استخدام المضادات الحيوية.
وعرضت وزارة البيئة في ولاية راينلاند بفالس 6 دراسات عن مياه نهري النيكر وكورش قرب شتوتغارت، تشي بوجود 28 مادة علاجية في المياه. وتبدو مواد تلوين الأشعة والأدوية القاتلة للألم والمضادات الحيوية وحبوب منع الحمل وأدوية معالجة الروماتيزم في مقدمة المواد المتواجدة في مياه النهرين.
ووصفت وزيرة البيئة في الولاية تانيا غونر تلوث مياه الأنهر بـ«الخطير»ن وأعلنت عن تخصيص مليوني يورو لبناء وحدات تنقية مياه التصريف من الأدوية باستخدام الفحم النشط. واستعرضت غونر معطيات جديدة حول الموضوع تكشف تركز المواد المضادة للصرع وعقار دكلوفيناك، المستخدم بكثرة في علاج الإصابات الرياضية وعلاج آلام المفاصل، في مياه النهرين المذكورين.
يشير رولف ويتكن، رئيس معهد الدراسات المائية، إلى أن الإنسان يحتاج إلى شرب ألف لتر من الماء كي يتأثر جسمه بالكميات الضئيلة من العقاقير المتواجدة في مياه الشرب والمياه الجوفية.
إلا أن هذه الكميات الضئيلة قادرة على التأثير في الحيوانات الصغيرة والنباتات الممتدة بين القواقع والأسماك والطيور.. إلخ، وهو ما يجعلها خطرة على الإنسان والبيئة.
فازدياد نسبة الهرمونات الأنثوية في الماء، والناجم عن إفرازات الحبوب المانعة للحمل أو عن إلقائها في التواليتات، أثر على الحياة الجنسية لبعض الأسماك، وقلل من قدرتها على التكاثر. عموما يذهب 6 ـ 8% من الأدوية المنتجة في ألمانيا إلى الأزبال والحمامات حسب تقدير منظمة «ستارت»، إلا أن دائرة البيئة الاتحادية ببرلين تتحدث عن نسبة 30%.
ويمكن أن تكون النسبة أعلى لو أخذنا في حسباننا الأدوية غير المسجلة لدى دائرة إجازة الأدوية. فوزارة الصحة تتحدث عن آلاف الأدوية التي نزلت إلى السوق قبل أن تصدر إجازتها، وهذا بسبب تراكم العمل والفحوصات في دائرة الإجازات نتيجة لكثرة إنتاج الأدوية.
ويقول ريكاردو أماتو إن أزمة التخلص من الأدوية ستتفاقم بسبب تحول المجتمع الألماني، والمجتمع الأوروبي عموما، إلى مجتمع مسنين، إذ لا بد أن إنسان المستقبل العجوز سيحتاج إلى المزيد من الأدوية لإطالة حياته.
وفي مبادرة منها للتخلص من أضرار الأدوية الزائدة والقديمة، أصبحت العاصمة برلين أول مدينة ألمانية تضع في الشوارع صناديق قمامة «مغلقة» لجمع هذه الأدوية، على أمل حرقها لاحقا، وهي أرخص الطرق، لكن الباحث رولف ويتكن يطالب بتخصيص المزيد من الأموال لدعم البحث في أحدث الطرق للتخلص من الأدوية. واستشهد ويتكن بفوز سارا شوت (19 سنة) بجائزة البيئة للمخترعين الشباب بسبب توصلها إلى طريقة لفصل الأدوية المستخدمة في علاج مرض الإيدز عن ماء الشرب.