التمارين الرياضية .. توازن الأمور بتحفيزها النظام الطبيعي المقاوم للأكسدة في الجسم

من الواضح أنه عندما ينشط نظام مقاومة الأكسدة الطبيعي في الجسم، تزداد قدرته على التعامل مع الإنسولين. وينتج عن وقف حاجة الجسم إلى التعامل مع الجذور الحرة بمفرده
من الواضح أنه عندما ينشط نظام مقاومة الأكسدة الطبيعي في الجسم، تزداد قدرته على التعامل مع الإنسولين. وينتج عن وقف حاجة الجسم إلى التعامل مع الجذور الحرة بمفرده

اعتدنا جميعا على سماع أن كل ما كنا نعتبره مفيدا لنا لم يعد كذلك. ويدخل في هذا الإطار أيضا ما توصل إليه العلم بشأن مضادات الأكسدة، والجذور الحرة، والتمارين الرياضية.


وكما يعلم كثيرون منا، فإن الجذور الحرة عبارة عن جزيئات تنتج عن تفكك الأكسجين أثناء عملية التمثيل الغذائي. فكل منا ينتج باستمرار جذورا حرة طوال حياته. ولكن هذه الجزئيات تفاعلية ومتقلبة بدرجة كبيرة للغاية، وأحيانا ما تهاجم الخلايا الأخرى وتضر بالأنسجة.

وقد تم الربط بين الجذور الحرة الجامحة وعدد من الأمراض، وكذلك الشيخوخة. ونظرا لأن القيام بالتمارين الرياضية يتطلب حرق المزيد من الأكسجين، فهي أيضا تزيد من إنتاج الجذور الحرة. لذلك، بدأ الكثير من الخبراء في حث المهتمين بالرشاقة على تناول جرعات كبيرة من مكملات الفيتامينات المضادة للأكسدة مثل فيتامين «سي» و«إي» لإبطال التأثير الضار للجذور الحرة. وبما أن الأطعمة وحدها لا تمد بكميات كافية من مضادات الأكسدة الضرورية، فيجب تناول تلك المكملات.

الرياضة
ولكن منذ عدة أعوام، أجرى باحثون من جامعة فالنسيا في إسبانيا وجامعة ويسكونسين في ماديسون بحثا لما قد يحدث إذا حاولت منع العضلات التي تمارس التمارين الرياضية من إنتاج الجذور الحرة. وجعلوا فئران التجارب تجري على أجهزة جري صغيرة حتى أصابها الإرهاق.

وتم حقن بعض من الفئران بمادة دوائية مضادة للأكسدة قوية المفعول تعمل في الجسم على وقف إنتاج الجذور الحرة. وبعد أن ركضت الفئران، قام الباحثون بقياس مستويات عدد من المواد في عضلات سيقانها. ولم يكن مفاجئا أن الفئران التي تعرضت للحقن لم يظهر فيها تقريبا أي نشاط للجذور الحرة. فقد كانت محصنة ضد ما اعتبره العلماء نوعا من الضرر الذي يصيب الجسم.

وكانت سيقان الفئران الأخرى التي مارست تمارين الجري مليئة بالجذور الحرة. ولكن في الوقت ذاته، كانت تجري فيها تفاعلات بيولوجية كيميائية غير متوقعة. ففي سيقانها كانت الجينات تشهد نشاطا في عناصر النمو، مما رفع بدوره من مستوى «الإنزيمات المهمة المرتبطة بدفاع الخلية»، و«التأقلم على التمرين»، كما أورد العلماء.

ولم تكن هناك أي تفاعلات مشابهة في الفئران التي كانت فيها مستويات الجذور الحية متدنية. وبطريقة ما، تكهن العلماء بأن الجذور الحرة تطلق إشارة البدء لعملية تسمح، مع مرور الوقت، لعضلات الفئران بالتأقلم على التمارين الرياضية. وتوصلوا إلى أن قمع إنتاج الجذور الحرة يمنع «تنشيط ممرات إشارات مهمة»، وأنه يغير من قدرة العضلات على التأقلم على التمارين.

وكتب العلماء أن نتيجة لذلك، «ربما يجب إعادة تقييم فكرة تناول مضادات الأكسدة» للتصدي لضرر الجذور الحرة المفترض أن تسببه ممارسة الرياضة.

دفاع طبيعي
وقد نشر العلماء اكتشافهم في عام 2005، ومنذ ذلك الحين تكررت دراسات أخرى وتوسعت بناء على نتائجهم، حيث حفزهم البحث على التفكير. ألحقت إحدى التجارب التي كان لها انعكاس قوي، ونشرت في العام الماضي، مجموعة من الشباب ببرنامج تمرينات رياضية لمدة شهر. وتناول بعضهم جرعات كبيرة معتدلة من فيتامينات «سي» و«إي» المضادة للأكسدة.

ولم يتناولها آخرون. وفي نهاية الشهر، أظهرت المجموعة التي لم تتناول الفيتامينات نشاطا أكبر من المتوسط في النظام الفطري المقاوم للأكسدة في الجسم. بينما لم يكن المشاركون الذين تناولوا الفيتامينات كذلك، وهو أمر منطقي، حيث كانت الفيتامينات المضادة للأكسدة تقاوم الجذور الحرة بالنيابة.

ولكن في الوقت ذاته، كانت نسبة حساسية الإنسولين مرتفعة للغاية في المشاركين الذين لم يتناولوا الفيتامينات، وهو مقياس أساسي للفوائد الصحية الناتجة عن ممارسة التمارين الرياضية، بينما لم تكن كذلك في أجسام الذين تناولوا مضادات الأكسدة.

ومن الواضح أنه عندما ينشط نظام مقاومة الأكسدة الطبيعي في الجسم، تزداد قدرته على التعامل مع الإنسولين. وينتج عن وقف حاجة الجسم إلى التعامل مع الجذور الحرة بمفرده، توقف لوسائل تأقلم أخرى تجعل من التمارين الرياضية ممارسة صحية.

وما زال العلماء يدرسون أهمية هذه الاكتشافات بالنسبة لهؤلاء الذين يمارسون الرياضة بانتظام. ولكن تتضح رسالة واحدة. كما يقول لي جين، أستاذ علم وظائف الأعضاء وعلم التغذية في جامعة ويسكونسن وأحد المشاركين في بحث الفئران: «تشير الأدلة إلى أنه لا توجد حاجة إلى مضادات الأكسدة» التي يتناولها معظم الرياضيين، حتى أولئك الذين يمارسون تمارين قاسية. وقال إن «الجسم يتأقلم»، وهي العملية التي يبدو أنه من الممكن تغييرها من خلال تناول مضادات الأكسدة.

وأضاف أن الدرس الآخر المستفاد هو: «تناول غذاء جيد». ويستطرد قائلا إنه على الرغم من أن هذا لم يثبت بعد، فإنه يبدو من المرجح، أن مضادات الأكسدة التي يحتوي عليها الطعام مثل التوت والشاي الأخضر والجزر، قد تعمل إلى جانب مقاومات الأكسدة الطبيعية في الجسم بصورة أفضل من المكملات الخارجية.

ولكن ربما يكون أهم درس يقدمه لنا العلم الحديث عن التمارين الرياضية ومضادات الأكسدة بسيط للغاية: «اترك الجسم كما يكون». ويقول دكتور جي: «إن الجسم يعرف كيف يستجيب» لضغوط مثل الجري المرهق، من دون الحاجة إلى تناول أقراص مضادة للأكسدة.