المضادات الحيوية ولحوم الحيوانات .. قضية لا تزال تتفاعل
بالتقرير الأخير لإدارة الغذاء والدواء الأميركية، تكون قد تحركت خطوة إلى الأمام قضية التحذيرات الطبية من العواقب الصحية الوخيمة للانفلات في إعطاء الحيوانات كميات من المضادات الحيوية أثناء تربيتها.
وكانت إدارة الغذاء والدواء الأميركية قد قالت، في 28 من يونيو (حزيران) الماضي: «إن الاستمرار في استخدام أصناف المضادات الحيوية لتحسين إنتاج الدجاج والأبقار وغيرها من أنواع الثروة الحيوانية، له علاقة مباشرة بتنامي رصد حالات مقاومة البكتيريا لفاعلية تلك المضادات الحيوية عند تناول البشر لها. وبالتالي فإنه يجب التوقف عن هذا السلوك الإنتاجي لأجل هذا الأمر».
وتعتبر مشكلة تزايد قدرات أنواع مختلفة من البكتيريا على مقاومة فاعلية المضادات الحيوية في القضاء عليها (antibiotic resistance) إحدى المشكلات الصحية ذات التداعيات الخطيرة، التي تلاحظ الأوساط الطبية أن ثمة توسعا في انتشارها.
وتحاول تلك الأوساط الحد منها، عبر توجيه الأطباء نحو عدم وصف تناول المضادات الحيوية إلا عند الضرورة، ونصيحة عموم الناس بعدم اللجوء إلى استخدام المضادات الحيوية إلا تحت الإشراف الطبي، والبحث عن الأسباب الأخرى لتنامي انتشار هذه المشكلة، التي أحد أمثلتها استخدام المضادات الحيوية في تربية الحيوانات.
وإلى وقت قريب، لم تكن لدى إدارة الغذاء والدواء الأميركية القناعة الكافية للتحذير من عواقب هذا السلوك الإنتاجي التجاري، ولكن الأمر تغير تماما وفق التصريح الأخير القوي، عندما قال الدكتور جوشيو شارفيستين، مساعد مفوض الأدوية والأطعمة في الإدارة: «تعتقد إدارة الغذاء والدواء الأميركية أن محصلة الأدلة العلمية تدعم النتيجة القائلة إن استخدام أنواع مهمة من المضادات الحيوية لغايات إنتاجية تجارية، هو أمر لا يخدم تحسين وحماية صحة عموم الناس».
وأضاف: «المضادات الحيوية تُستخدم في الطب بنجاح منذ أكثر من 50 عاما، ولكن لأن البكتيريا طورت قدراتها على مقاومة تلك الأدوية، فإن من الحكمة استخدام أنواع المضادات الحيوية بطريقة تمنع إعطاء الفرصة لنشوء تلك المقاومة البكتيرية.
وسوء استخدام المضادات الحيوية والإفراط في ذلك، هما ما أدى إلى تفشي هذه المشكلة الطبية. وتطوير استراتيجيات لتقليل تفاقمها هو أمر ذو أهمية فائقة لحماية صحة عموم الناس ونجاح علاجهم».
وتعمل إدارة الغذاء والدواء الأميركية في الوقت الراهن على إعداد الإرشادات الخاصة بالحد من استخدام المضادات الحيوية في معالجة الحيوانات، وأن يكون ذلك فقط تحت إشراف الأطباء البيطريين.
وسيكون هناك فترة شهرين من بعد صدورها، كي تتم مراجعتها وإضافة تعديلات عليها من قبل عموم الأطباء البشريين والبيطريين، ومن قبل أرباب صناعة إنتاج اللحوم وتربية الدواجن.
وتواجه هذه المحاولة الحديثة لإدارة الغذاء والدواء الأميركية مقاومة من قبل منتجي اللحوم.
وفي تصريح مباشر أعلن المجلس القومي لمنتجي الخنازير في الولايات المتحدة، ألا ضرورة في الوقت الحالي لإصدار إرشادات جديدة تضبط الانفلات الحاصل في استخدام المضادات الحيوية، وقال إن الإرشادات القديمة كافية في هذا الشأن.
وهو ما دفع الدكتورة بيرناديت ديونهام، مديرة مركز الطب البيطري في إدارة الغذاء والدواء الأميركية إلى التصريح بالقول: «المحاولات السابقة لمنتجي الأطعمة واللحوم في العمل على الحد من استخدام المضادات الحيوية لم تكن كافية، ولم تُطبق بالشكل المطلوب.
ونحن نعتقد بأن ثمة ضرورة لخطوات إضافية للتغلب على هذه المشكلة الصحية».
ومما يُثير الاستغراب هو تلك المقاومة التي يُبديها أرباب صناعات إنتاج اللحوم والدواجن في محاولة منع وضع ضوابط صارمة في تفشي الاستخدام العشوائي للمضادات الحيوية، وغير المبني على أسس طبية.
خاصة أن الأدلة العلمية، التي أشارت الإدارة إليها صراحة، تقول إن هناك أضرارا على صحة عموم البشر من هذا السلوك التجاري البحت.
ناهيك عن الأضرار التي لا تزال تتحدث عنها الأوساط العلمية على صحة الحيوانات نفسها ومستقبل إنتاجها خلال العقود القادمة.
والأكثر الغرابة هو لماذا التعامل بطريقة تجارية بحتة مع المضادات الحيوية والانفلات في استخدامها بنمط عشوائي في تكثير إنتاج اللحوم، دون النظر إلى أنها وسيلة علاجية يحتاجها البشر وتحتاجها الحيوانات لمعالجة الأمراض البكتيرية؟ ولماذا هذه اللامبالاة التي يبديها أرباب إنتاج الحيوانات إزاء مشكلة صحية حالية خطرة تعاني منها المستشفيات، ويعاني منها الأطباء، وضحيتها الأطفال وكبار السن والمصابون بأمراض مزمنة؟
والأهم، إذا كان البشر عليهم ألا يستخدموا المضادات الحيوية إلا عند الضرورة، وتحت الإشراف الطبي المباشر، لماذا لا يكون هذا الأمر نفسه مطبقا على الحيوانات، وما الضرر في ذلك على أرباب إنتاج اللحوم؟