هل يمكن أن تكون «البدانة» صحية؟
عند تقدم الإنسان في العمر تحدث عمليات فقدان كتلة العضلات وكثافة العظام ولذلك ففي الوقت الذي يكون وزننا هو نفسه أو حتى أقل فإننا في الحقيقة قد زدنا من كمية الأنسجة الدهنية .. ولهذا فعلينا أن نراقب أيضا محيط الخصر لدينا لا وزننا فقط خصوصا بعد عمر 50 سنة لأن هذه الأنسجة هي شحوم نشطة في عمليات التمثيل الغذائي تتسبب في حدوث أضرار صحية.
تفترض بعض الدراسات بأن الوزن الزائد يساعد الأشخاص الكبار في السن على العيش لفترة أطول، إلا أن نتائج هذه الدراسات تظل مثيرة للالتباس. فالوزن المعتدل يظل عاملا مهما للصحة، وكذلك رشاقة الخصر.
لقد زادت أوزان الأميركيين منذ أزمنة الحرب الأهلية، ويمكننا القول بثقة إن بعض الوزن المضاف يعكس التحسن العام في صحتهم.
فالتغذية الأفضل، وتحسين ظروف السكن، والسيطرة على الأمراض المعدية - كلها ساعدت على تدعيم البنية الجسدية للأميركيين وأضافت عددا من السنتيمترات إلى محيط أجسامهم.
إلا أننا وجدنا أنفسنا في فترة ثمانينات وتسعينات القرن الماضي في لجة السمنة التي انتشرت كالوباء.
وقد ظهرت أنباء جيدة عام 2010 الحالي، عندما أفاد باحثون في مؤسسات حكومية بأن التواتر المتزايد في نسبة المصابين بالسمنة قد انخفض إلى النصف منذ عام 2000 وخصوصا بين النساء.
وكان هذا من حسن الحظ، لأن دراسة جديدة نشرت في مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسن» نهاية عام 2009 تنبأت باستمرار تصاعد نسبة المصابين بالسمنة، كما كان الحال في سنوات انتشار وبائها، ولذا فإن كل الفوائد التي تم جنيها نتيجة انخفاض عدد المدخنين ستذهب هباء، لأن الإصابات ستزداد مرة أخرى بالنوبة القلبية والسكتة الدماغية، ومرض السكري وأمراض المفاصل الناجمة عن زيادة الوزن.
فوائد الوزن «الصحية»
إلا أن بعض الشكوك أثيرت حول ما إذا كان علينا حقا أن نتوجس خيفة من البدانة مع تقدم السن.
وقد أشار عدد من الملاحظات والدراسات المتفرقة عبر السنين إلى احتمال وجود بعض المنافع من البدانة - أي وجود فوائد ربما تكون مناسبة خصوصا أثناء حياة الإنسان في الأعمار المتقدمة.
كما أن الأشخاص من ذوي الأجسام الكبيرة عادة ما يمتلكون عظام الفخذ التي تمتاز بالكثافة العالية للمعادن فيها، وهو أمر يدل على قوة العظم.
وقد أظهر عدد من الدراسات أن حوادث كسر عظم الحوض تقل لدى النساء الأكبر وزنا، مقارنة بالنساء اللواتي لديهن وزن يعتبر واقعا ضمن النطاق الصحي للوزن.
كما أن بعض النتائج تفترض أن الشخص البدين، بل وحتى السمين يكون أفضل حالا من أقرانه الآخرين بعد الخضوع لعمليات جراحية لفتح مجاز وعائي مواز للشريان التاجي المسدود.
3 دراسات حديثة
وقد نوقشت الاحتمالات القائلة بأن القواعد المعتادة الخاصة بالوزن، لا تنطبق على فترات العمر المتقدم. فقد جاء في تقرير في مجلة جمعية الشيخوخة الأميركية (JAGS) نشر عام 2001، أن مؤشر كتلة الجسم الكبير لا يعتبر مؤشرا يمكن بواسطته التنبؤ على حدوث الوفيات بين الأشخاص الذين يبلغ عمرهم 70 سنة فأكثر. ويساوي مؤشر كتلة الجسم حاصل قسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر.
ثم وفيما بعد نشرت نفس المجلة نتائج إضافية حول نفس الموضوع. ففي عام 2008 أفاد باحثون بريطانيون بأن زيادة وزن الجسم لدى الأشخاص من أعمار 65 سنة فأكثر، لا ترتبط بازدياد الوفيات. إلا أنهم أضافوا أن السمنة تترابط بشكل ما مع ضعف الوظائف الجسدية.
وفي عام 2009 أعلن باحثون نتائج دراسة أجريت على سكان من مدينة القدس من أعمار 70 و78 و85 سنة. وظهر أن النساء من كل فئات الأعمار هذه - اللواتي كنّ إما بدينات أو سمينات - كن أقل تعرضا للوفاة خلال الفترة اللاحقة، وهي فترة متغيرة، مقارنة بالنساء اللواتي كان مؤشر كتلة الجسم لديهن يعتبر «اعتياديا» وصحيا، أي يتراوح بين 18 و24.9. ومن الطريف هنا أن مؤشر كتلة الجسم لم يؤثر على الوفيات بين الرجال.
ثم أضاف باحثون أستراليون نتائج دراستهم عام 2010 إلى النتائج السابقة. وقد أظهرت دراستهم على 9 آلاف أسترالي بين أعمار 70 و75 سنة أن خطر الوفاة خلال 10 سنوات لاحقة، كان الأقل لدى الأشخاص البدينين!
وزن غير صحي
والآن يطرح علينا هذا السؤال: هل يجب علينا أن نغير توجهاتنا ونتجه إلى أن نصبح أكثر بدانة في سبيل جني فوائد صحية؟ لا، على الإطلاق.
وذلك لسبب واحد، وهو أن الدراسات حول الوزن في العمر المتقدم تعاني من مشكلة، وهي أن الأشخاص يفقدون وزنهم عند المرض، وغالبا قبل تشخيص حالاتهم، ولذا فإن كون الشخص نحيفا يبدو وكأنه يتسبب في حدوث المرض، بينما أن العكس هو الصحيح! ولذا يقوم الباحثون بتصحيح نتائجهم ويأخذون في الاعتبار هذا «التسبب المعاكس»، الذي يظل موجودا كمشكلة واقعة.
وإضافة إلى ذلك فإن النتائج التي قدمتها هذه الدراسات الثلاث لا تبدو أنها قاطعة فيما يتعلق بموضوع العلاقة بين مؤشر كتلة الجسم، والوزن، والوفاة. فالدراسات الأخرى التي تضم تحليلات كبيرة من 57 دراسة نشرت عام 2006 في مجلة «لانسيت» قد أظهرت وجود ترابط ما بين ارتفاع قيمة مؤشر كتلة الجسم وبين ازدياد أعداد الوفيات، حتى بين كبار السن.
راقب محيط خصرك
وبدلا من تحبيذ فكرة زيادة الوزن، فإن هذه النتائج ربما تساعدنا في أن نوجه اهتمامنا إلى محيط الخصر لدينا، إضافة إلى الاهتمام بوزن أجسامنا.
ولغالبية الناس فإن الحقيقة البسيطة تتمثل في أن ازدياد الوزن لدى البالغين يعتبر مؤشرا على البدانة، التي تؤدي إلى ازدياد مخاطر المعاناة من قائمة طويلة من الأمراض.
إلا أن الأمر يصبح أكثر تعقيدا عند تقدمنا في العمر، إذ تحدث عمليات فقدان كتلة العضلات وكثافة العظام، ولذلك ففي الوقت الذي يكون وزننا هو نفسه، أو حتى أقل (ونزهو بأنفسنا لأننا فقدنا بعض الوزن)، فإننا في الحقيقة قد زدنا من كمية الأنسجة الدهنية.
ولهذا فعلينا أن نراقب أيضا محيط الخصر لدينا، لا وزننا فقط، خصوصا بعد عمر 50 سنة.
إن مقدار محيط الخصر هو انعكاس دقيق للمدى الذي تراكمت فيه الشحوم الأحشائية في منطقة البطن. وهذه الدهون الأحشائية شحوم نشطة تتداخل في عمليات التمثيل الغذائي (الأيض) مسببة الأضرار لصحة الجسم.