الألمان مغرمون بخبزهم .. من الشاعر غوته إلى لاعبة التنس جراف
أنواع من الخبز البافاري تقدم لبوتين
وصفت المفوضية الأوروبية الخبز الألماني في قرار لها بأنه «غير صحي» بالنظر إلى نسبة الملح العالية فيه، وأثارت بذلك ضجة في المجتمع الألماني لم يثِرها حتى الشاعر الروماني القديم يوفينيل الذي اشتهر بكتاباته التحريضية الساخرة التي تنتقد السياسة والفقر في المجتمع الروماني القديم.
إذ كانت موضوعه «الخبز والألعاب» من أشهر مقولات الشاعر التي سخر فيها من تخدير سكان روما بالألعاب رغم الجوع والفقر والأزمات السياسية. ولا يتفوق على يوفينيل، في ما نقلته الموسوعة الألمانية عن الخبز، غير الفرنسية ماري أنطوانيت وتعليقها الشهير حول الشعب والخبز والتورتة.
فالألمان فخورون جدا بخبزهم الذي يتنوع ويتعدد ويختلف مذاقه مثل اختلاف الأجبان الفرنسية وخلطات الزيتون اليوناني. ويتحدث الألماني بقناعة عن ألذ وجبة طعام تجمع بين مختلف أنواع الخبز الألماني والأجبان الفرنسية والزيتون اليوناني، وإذ تتحدث الموسوعة الألمانية عن أكثر من 600 نوع من الخبز، يتحدث اتحاد منتجي الخبز الألماني عن 1200 نوع، ويشير أحد كتب الطبخ إلى 1001 خبزة.
وكتب شاعر ألمانيا العظيم غوته عن الخبز: «من لم يأكل الخبز مجبولا بالدموع، ولم يقضِ الليل باكيا على حافة سريره، لا يعرفك أيتها الآلهة».
وإذا كانت لاعبة التنس الدولية السابقة شتيفي غراف، المقيمة مع زوجها أندريه أغاسي في فلوريدا، تشتاق إلى الخبز الألماني قدر شوقها إلى ملاعب التنس، فإن شاعر ألمانيا الرومانسي هاينريش هاينه عبر عن افتقاده الخبز من منفاه الفرنسي في القرن التاسع عشر.
المفوضية الأوروبية لم تهتم بنكهة الخبز الألماني ولا بما كتبه الشعراء، وإنما قاست نسبة الملح في الخبز فوجدته 1.8 - 2.2 غرام في كل كيلوغرام، وحكمت عليه بالضار صحيا لأن المعدل المطلوب أوروبيا يقترب من 1.4 غرام كمعدل. واستشهدت المفوضية بدراسات أوروبية وأميركية تتحدث عن فوائد تقليل ملح الطعام في الغذاء، وخصوصا في الخبز.
وكانت جامعة سان فرانسيسكو الأميركية نشرت إحصائية عن تناول ملح الطعام تكشف أن الأميركي الذكر يتناول 10.3 غرام من ملح الطعام يوميا، ويعرض نفسه بالتالي إلى مخاطر السكتات الدماغية مرتين أكثر من المعدل.
وجاء في الدراسة التي نشرت في مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميديسين» أن تقليل تناول ملح الطعام بمقدار 3 غرامات يوميا يعني 100 ألف جلطة قلبية أقل. ويمكن لمثل هذا الإجراء أن يمنع الوفاة المبكرة لأكثر من 50 ألف أميركي سنويا.
كما نشر البروفسور الألماني هاينر جريتن تقريرا في مجلة الطبيب الألماني يقول إن تقليل غرام واحد يوميا من ملح الطعام يمكن أن يقلل معدل الوفيات بسبب ضغط الدم والجلطات إلى حد كبير. وحسب إحصائية جريتن فإن تقليل تناول ملح الطعام بكمية غرام واحد يوميا يمكن أن يقلل الوفيات جراء ضغط القلب والجلطات بمقدار 10 - 20 ألف حالة في ألمانيا سنويا.
إن التشكيك في ملاءمة الخبز الألماني للصحة العامة سيعني أيضا أن الاتحاد الأوروبي سيفرض على منتجي الخبز وضع قطعة صغيرة بمحتوياته بما فيها نسبة الملح، وهو ما يرفضه أصحاب المخابز الصغيرة. ووصف بيتر بيكر، رئيس اتحاد منتجي الخبز الألمان، القرار الأوروبي بـ «المجحف»، وقال إن الاتحاد الأوروبي يحاول النَّيل من سمعة الخبز الألماني الطيبة. وقال بيكر إن بعض أنواع الخبز الألماني لا تطيب للناس إلا بفضل نسبة ملوحتها العالية مثل «البريتزل».
وينشر الاتحاد إحصائية تشي بأن أكثر من 82 في المائة من الألمان يرفضون تقليل نسبة الملح في خبزهم، وبنسبة 64 في المائة تفضل الخبز الأسود وخبز الشعير على الخبز الأبيض.
علما بأن الدستور الألماني يعرف الخبز ويعدد محتوياته، ومن ضمنها الملح، دون أن يتطرق إلى نسبة الملح في الكيلوغرام الواحد المخبوز منه. ويعرف الدستور الألماني الخبز على أنه «مادة تصنع كلها، أو جزء منها، من الحبوب، أو خلاصتها، ويضاف إليها الماء أو السوائل، تعجن، تخمر ثم تخبز بطرق مختلفة».
وينبغي أن لا تزيد نسبة الدهن في الخبز عن 10 في المائة. ويبلغ وزن قالب الخبز المصنوع من الحنطة السمراء (الجاودار)، وهو أشهر أنواع الخبز الألماني، 1.5 كيلوغرام، يشكل طحين الجاودار كيلوغراما كاملا منه، والماء 850 سم مكعب، و30 غراما من الملح. ويفقد القالب 10 في المائة من وزنه بعد الانتهاء من خبزه.
وتوصي جمعية التغذية الألمانية بضرورة تناول 5 - 6 شرائح من الخبز الأسود، أو 150 - 250 غراما، يوميا لسد حاجة الجسم من فيتامين «ب» والمواد المعدنية الموجودة في الخبز.
وقبل صدور القرار بأيام نجح اتحاد منتجي الخبز الألماني في توحيد كلمة 93 نائبا في البرلمان من مختلف أحزاب الحكومة والمعارضة، وهو ما قد تفشل فيه المستشارة أنجيلا ميركل نفسها، حول قضية الخبز. ووقع النواب، من اليسار واليمين، مذكرة احتجاج إلى المفوضية الأوروبية وضعوا لها عنوانا جميلا هو «بروتيست».
وواضح أن الكلمة ألمانية تمزج بين كلمة الاحتجاج (بروتيست) والخبز (بروت) وكلمة (تيست) التي تعني اختبار. وقال النواب في المذكرة إنهم يرفضون وضع علامة أضواء المرور (الأخضر والأصفر والأحمر) على الخبز بهدف توجيه عناية المستهلك إلى جودة أو رداءة المنتج، فكل الخبز الألماني بالنسبة إليهم جيد. وجاء في المذكرة أن تقليل الملح في الطعام أمر صحي وجدي، لكنه يتعلق بوعي المريض وبإرشادات طبيبه، وليست مهمة بائعي الخبز.
وأثار بيتر بيكر موضوع تأثر أسعار الخبز بالقرار الأوروبي، مشيرا إلى أن أسعار الخبز بقيت ثابتة حتى الآن. ويعمل في قطاع الخبز في ألمانيا نحو 290 ألف إنسان، يتوزعون على أفران الخبز الصغيرة والكبيرة، ويحقق القطاع مداخيل سنويا ترتفع إلى 12.9 مليار يورو سنويا.
وحاول أحد ممثلي المفوضية الأوروبية «تكحيل القرار فعماه» حينما قال إن القرار يشمل صناعة الخبز الكبيرة ولا يشمل المخابز الصغيرة في الأحياء. وزاد المفوض كارست ليتز الطين بلّة حينما أضاف: «يستطيع الخباز في زاوية الشارع أن يدعي بأن خبزه (صحي) ويتحمل المسؤولية».
فمن المعروف أن الألمان يفضلون شراء الخبز طازجا من المخابز الصغيرة ولا يثقون كثيرا بالمنتجين الكبار.
وتنفرد ألمانيا بإقامة «متحف الخبز العالمي» الذي يؤرخ الخبز ويؤرشف أنواعه وأشكاله منذ تعرف البشرية عليه قبل أكثر من 6000 سنة. ويوجد المتحف في مدينة زالسشتادل قرب أولم (جنوب)، وتأسس عام 1955 بجهود من العالمين فيلي ايزلين (1896 - 1981) وابنه هيرمان (1926 - ).
ويحتوي المتحف على 14 ألف قطعة، يعرض 700 منها بشكل دائم، ويتم تجديد البقية بالنظر إلى سرعة فساد الخبز. ويؤرشف المتحف تاريخ الخبز بـ6000 مجلد ضخم، كما يحتفظ بأفلام علمية عن كيفية اكتشاف الحبوب وزراعتها ومن ثم اكتشاف الخبز من قبل الإنسان.
وحينما أسس أحد الأميركان في لوس أنجليس مخبزا لإنتاج الخبز الألماني أطلق عليه اسم «ديليشيوس بورنبروت» (تعني خبز الفلاحين اللذيذ)، يحضره على الطريقة الألمانية ويخبزه في أفران حجرية، شكل النادي الألماني في المدينة وفدا لتجربة الخبز. وكتب رئيس النادي سيباستين جليسر تحذيرا للأميركان من هذا الخبز «المتأمرك» على صفحة النادي يقول فيه: «تحمل المسؤولية الشخصية عما يلحق بك من أضرار جراء تناول هذا الخبز».