«فوبيا» المشاهير .. طرائف وأمراض بطعم الضحك والبكاء

الإسكندر وبونابرت وهتلر أرهبتهم القطط .. وهناك من ترهبه الأزرار والشموع .. وهتلر كان من بين أشهر مرضى رهاب القطط
الإسكندر وبونابرت وهتلر أرهبتهم القطط .. وهناك من ترهبه الأزرار والشموع .. وهتلر كان من بين أشهر مرضى رهاب القطط

على مدار سنوات كثيرة، وعلى الرغم من أنها أصبحت أما لطفلتين تجاوز عمرهما الـ 9 سنوات، لم تستطع رشا أن تنهي صراعها القديم مع القطط، وعلى نحو خاص مع الملمس الناعم، حتى أنها تبكي أحيانا حين تنهر ابنتيها بشدة: «لا تلعبا مع القطط.. إنها تجلب الأمراض».


ويزداد ألمها حين تتوسل ابنتها الكبرى: «يا ماما القطط لطيفة ومسلية، وأنا باحب ألعب معاها» .. بسرعة تستعيد رشا شريط الذكريات .. كان الوقت مساء وهي بعد طفلة صغيرة تحبو على درج السنوات السبع، طارت بالونتها الزرقاء وحطت فوق سطح الدولاب، بطفولية سحبت كرسيا وصعدت فوقه، بالكاد وصلت إلى سطح الدولاب، لكن ما إن مدت أصابعها حتى فوجئت بها تغوص في ملمس ناعم لحيوان سرعان ما انفزع، وقفز من فوق الدولاب مصطدما بوجهها، فسقطت رشا من فوق الكرسي، مصابة ببعض الخربشات البسيطة .. حين أفاقت عرفت أنها قطة البيت السيامي الرمادية التي جلبتها أمها لتسليتها هي وأخاها الصغير، وحتى يتعودا على التآلف مع الحيوانات .. يومها أصرت رشا على أن تغادر القطة المنزل، وأصبحت تتحاشى السير وحدها في الشارع حتى لا تداهمها قطة شاردة، كما أصبحت تتسلح بعصا أو حجر للدفاع عن نفسها من «غدر القطط»، على حد قولها.

الطريف أن رشا أصبحت أيضا تتحاشى الملمس الناعم حتى في ملابسها، فهو يذكرها بتلك الواقعة الأليمة .. تقول: «كنت طفلة وشعرت بأن ثمة وحشا ينقض عليّ، وصرخت وأنا أسقط: ماما ماما.. لكنها لم تسمعني، وحين أفقت كان وجهي ينزف.. وما زلت حتى الآن أصاب بالهلع حين تقترب منى قطة».

تشرد رشا للحظات وتروي أنه في العام الماضي كانت مدعوة هي وزوجها لحضور حفل زفاف ابنة أخته في أحد الفنادق الكبرى، وأثناء العشاء فوجئت بشيء ناعم يتمسح بقدميها، وفجأة اقشعر بدنها، وصرخت، وهي تتشبث بمفرش الطاولة، ثم سقطت على الأرض، وسقط معها كل ما فوق الطاولة..»، كنت محرجة وخجلة، خصوصا من زوجي الذي تقبل اعتذاري على مضض.

لكن ربما ما يخفف عن رشا «فوبياها القططية» أنها أحد أطرف صور الرهاب ((Gatophobia، الذي يضرب بجذور عميقة في التاريخ. وتكمن طرافته، ليس في لامعقولية الخوف من هذا الحيوان الأليف الصغير المعشوق من قبل الكثيرين فحسب، وإنما في أنه على ما يبدو يشكل قاسما مشتركا بين الكثير من العظماء!

فمن بين أشهر مرضى رهاب القطط الإسكندر الأكبر، ويوليوس قيصر، وجنكيز خان، ونابليون بونابرت، وموسوليني، وهتلر! ويقال إن نابليون كان يقشعر بدنه، ويشعر بالارتباك واللعثمة حين يشتم رائحة القطط. والمفارقة تبدو ساخرة بالفعل، حين تتخيل أن هؤلاء الجبابرة الذين شكلوا تاريخ الإنسانية في العصور القديمة والحديثة، كانوا يتداعون ويهرعون كالأطفال أمام أي قطة.

وتزداد المفارقة طرافة حين تتجاوز صور الألم والحزن، الإفراز الطبيعي لأي مرض وتصبح مدفوعا أو مرغما أمام أمراض «الفوبيا» إلى الضحك بشكل تلقائي، لشدة طرافتها. فرغم أن هذا النمط من الأمراض لا يخلو من جانب مؤلم وخطير، فإن طابعها الطريف يظل مهيمنا عليها.

تتنوع الظواهر المندرجة تحت مسمى الرهاب أو «الفوبيا»، وهو مرض نفسي من بين تعريفاته الكثيرة، أنه خوف مرضي غير مبرر من شيء أو موقف محدد. وتصاحب الرهاب أعراض تتباين في مستوى حدتها، تتمثل في التعرق، وتسارع نبضات القلب، والغثيان والإسهال، والشعور بالاختناق، واحمرار الوجه.. وصولا إلى حالة من الذعر الكامل، حسبما تقول الدكتورة تحية عبد العال، أستاذة علم النفس في كلية التربية جامعة بنها في مصر، مشيرة إلى أن رد الفعل تجاه الأشياء أو المواقف التي تعلق بالرهاب غالبا ما يكون قويا وعنيفا، على الرغم من أنها أشياء في الحقيقة لا تستدعي الخوف.

وتوضح عبد العال أن الرهاب أو «الفوبيا» غالبا ما يأتي من مصدرين: إما خبرات شخصية تعرض لها الطفل في سنواته الأولى، أو انتقل إليه الرهاب بواسطة أحد أفراد الأسرة القريبين منه، مثل الأم.

وحول علاج الرهاب توضح أستاذة الطب النفسي، أنه ممكن من خلال أسلوب يطلق عليه «التحصين التدريجي»، حيث يعرض المعالج على المريض مشاهد مصورة للشيء المثير لخوفه، حتى يألفه، ثم يصنع منه نموذجا أمامه، وأخيرا ينتقل إلى مرحلة جعل المريض يتعامل مع مصدر «الفوبيا» فعليا، وليس النموذج.

وتتفق دكتورة عبد العال مع الآراء القائلة بأن لدى كل شخص طبيعي نوع واحد، على الأقل من الرهاب، لكن ردود الأفعال الانفعالية تتباين من فرد لآخر.

وعلى المستوى الشخصي تعترف أستاذة الطب النفسي بوقوعها تحت وطأة الرهاب، وتقول: «لا يمكنني الجلوس في غرفة واحدة مع قطة أو كلب، وإذا تصادف وقابلت قطة أثناء صعودي الدرج ينتابني خوف شديد وأغمض عيني، وأشرع في قراءة آيات من القرآن الكريم، أما زوجة شقيقي فلديها خوف شديد يصل حد الرعب من الدجاج».

لكن التنوع الأكبر يكمن في أن أنواع الرهاب تكاد تشمل جميع عناصر الحياة، حتى الموت نفسه. ومن أشهر من عانوا رهاب الموت ((Thanatophobia في التراث العربي الشاعر ابن الرومي، حتى أنه يروى عنه أنه كان يخاف من النوم، لأنه كان يعتبره شكلا من أشكال الموت. ورغم أن بعض صور الرهاب قد تبدو منطقية إلى حد ما، مثل رهاب المرتفعات، ورهاب الطيران، ورهاب الأماكن المغلقة، وهي الأكثر شيوعا، فإن الكثير منها لا يخلو من غرابة طريفة.

ويوما بعد آخر ومع استحداث عناصر جديدة في حياة الإنسان، تستجد على الساحة أنماط جديدة لم يسمع بها العلماء من قبل، مثل رهاب الشموع المشتعلة، الذي يعاني منه الممثل المصري صلاح عبد الله، ولا يجد له تفسيرا. ورهاب الوحدة، الذي تعاني منه الممثلة الشهيرة نيللي، حيث إنها لا تستطيع الجلوس في مكان وحدها لفترة طويلة، حيث يقشعر جسدها حتى من نسمة الهواء.

وعلى سلم «الفوبيا» اعترف الكثيرون من نجوم هوليوود، بمعاناتهم من صور متنوعة من الرهاب، فالمطرب والممثل الشهير بي ديدي يشكو من معاناته من رهاب تجاه أصابع القدم، وتعاني النجمة جنيفر أنستون من رهاب الطيران (Aviophobia)، الذي كان يعانيه أيضا موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب.

أما الممثلة ميغان فوكس فتشعر بالخوف من أنفاس الآخرين، بينما تعاني الممثلة كارمن إلكترا، ومن قبلها ناتالي وود، من رهاب المياه (Hydrophobia).

أما النجم جوني ديب، الذي برع في أفلام الرعب والإثارة، فيعاني من خوف مرضي تجاه المهرجين (Coulrophobia)! وتعاني المذيعة الشهيرة أوبرا وينفري من رهاب طريف تجاه مضغ العلكة، بينما تعاني النجمة نيكول كيدمان من رهاب الفراشات.

بوجه عام، يعد مرض الرهاب أحد أكثر أنماط الخلل الذهني انتشارا في العصر الحديث، ويرى الكثير من الإخصائيين أنه يسود بين النساء بمعدلات أكبر. ومن بين أغرب أنواع الرهاب الخوف من الجاذبية والدجاج، ورهاب النجوم، والقمر، والموز، والرقص، والبالونات، بل رهاب سماع الأنباء الجيدة (Euphobia)، ورهاب الضحك، والحب. وهناك رهاب تجاه أفعال معينة، مثل النظر إلى أعلى (Anablephobia) والمشي أو الوقوف، وفتح العين، لكن يبقى الرهاب الأطرف على الإطلاق رهاب التصاق زبدة الفول السوداني بسطح الفم (Arachibutyrophobia)!

ولا تنتهي القائمة، فبين الحين والآخر تظهر صور جديدة لـ«الفوبيا»، من أغربها ما حدث في عام 2008، حين اجتذبت فتاة بريطانية تدعى غيليان لنكينز (22 عاما)، أنظار وسائل الإعلام لمعاناتها من نمط نادر من الرهاب، هو رهاب الأزرار، حيث لا تقوى على البقاء في غرفة واحدة مع أقاربها أو أصدقائها إذا كان أي منهم يرتدي ملابس بها أزرار!

كما يبرز الرهاب في صورة جماعية، فيسود بين شعوب الغرب رهاب «الجمعة 13» (Paraskavedekatriaphobia)، وهو خوف مرضي تجاه يوم الجمعة عندما يوافق الثالث عشر من الشهر، بناء على اعتقاد بأن مثل هذا اليوم يحمل الكثير من سوء الحظ. وتتضارب التكهنات حول منشأ هذا الاعتقاد، حيث يعزوه البعض إلى الاعتقاد المسيحي بأن صلب السيد المسيح كان يوم جمعة، بينما يرى آخرون أنه ربما يضرب بجذوره في الحضارة الفرعونية التي كانت تعتبر الرقم «13» رمزا للموت.

لكن الواضح أن هذا الرهاب يمثل مشكلة خطيرة بالفعل لدرجة دفعت دورية طبية عريقة مثل «بريتيش ميديكال جورنال» لتفحص الأمر، وخلصت إلى أن هذا اليوم تحديد، الذي يأتي على الأقل مرة سنويا، وربما يصل إلى ثلاث مرات في العام الواحد، يشهد زيادة واضحة في معدلات حوادث الطرق، رغم تعمد الكثيرين تجنب السفر في هذا اليوم.

كما أن هناك أنماطا من الرهاب ترتبط بجنس معين، مثل رهاب الرجال ورهاب النساء، وهناك رهاب طريف لدى بعض الرجال تجاه الجميلات تحديدا (Venustraphobia)! أما الأطفال، فيرتبط بهم عادة رهاب الظلام، والمدرسة، والبرق، والرعد، والاستحمام، ولا يعد الخوف من الاستحمام مرضا إلا إذا تجاوز عمر الطفل 6 أشهر.

أما إذا كنت ممن يكرهون الرياضيات وعانيت الأمرين في دراستها، فربما تعاني من رهاب الأرقام ((Arithmophobia. وهناك أنماط من «الفوبيا» ترتبط بأرقام بعينها، أبرزها بالطبع رهاب الرقم 13، وكذلك الرقم 666 Hexakosiohexekontahexaphobia)) الذي يسود بين بعض الشعوب الغربية.

وكان الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريجان أحد أشهر من عانوا الرهاب الأخير، فلدى انتقاله إلى لوس أنجليس عقب رحيله عن البيت الأبيض أصر على تغيير رقم منزله من 666 إلى 668! ومن القصص الطريفة الأخرى المرتبطة بهذا الرقم تبديل اسم طريق سريع في جنوب غربي الولايات المتحدة كان يطلق عليه «الطريق 666»، واتسم بارتفاع معدلات الحوادث عليه، مما جعل الناس يطلقون عليه «طريق الشيطان».

العجيب أنه بعد تغيير اسم الطريق إلى «الطريق 491» عام 2003، انحسرت معدلات الحوادث! وقد عزا بعض العقلاء ذلك إلى إصلاحات وتحسينات في الطريق، لكن ظلت القناعة السائدة في أوساط الأميركيين أن السبب الحقيقي هو تغيير الاسم.

ومن باب الممازحة، يقولون إذا كنت شابا تبحث عن عروس مثالية، ربما يسعدك الحظ بالزواج من فتاة تعاني رهاب الذهب أو المال.

وقبل تقديم زهور إلى الحبيبة، تأكد أولا أنها لا تعاني رهاب الزهور أو الألوان، أو رهاب تجاه ألوان بعينها، مثل الأبيض والأرجواني والأحمر والأصفر والأخضر والبرتقالي والأزرق.