التحكم بالوزن .. حقيقة أم معركة ضد طواحين الهواء
رغم اختلاف الثقافات والاهتمامات، يظل هاجس الشكل هو العامل المشترك الأعلى بين نساء العالم شرقا وغربا.
فما بين الرغبة في التخلص من نحافة شديدة، وساعيات نحو إنقاص الوزن، تتراوح أولويات معظم النساء.
لكن يظل إنقاص الوزن هو الهدف الأكثر مطاردة بعد أن تمكنت صناعة الموضة العالمية من فرض النحافة، المفرطة في أحيان كثيرة، باعتبارها المعيار المقبول لجمال جسد المرأة.
ففي كل مكان، تطارد صور عارضات وممثلات ومطربات رشيقات نحيفات يتمايلن بخفة كأعواد البامبو مخيلة النساء، تحاصرهن ما بين شاشات السينما والتلفزيون، وعلى صفحات الجرائد والمجلات، مما يضع على عاتقهن ضغوطا هائلة تدفعهن لمحاولة الوصول إلى مثل هذا «النموذج الجسدي المثالي» المزعوم.
إلا أن النحافة لم تكن دائما معيار جمال الجسد، ففي العصور الفائتة، خاصة في أوساط العرب، كانت البدانة من مظاهر جمال المرأة التي يتغنى بها الشعراء، ربما أشهرها قول الأعشى في معلقته واصفا محبوبته:
غراء فرعاء مصقول عوارضها / تمشي الهوينى كما يمشي الوجي الوحل وحتى الآن، لا تزال الأذواق في المناطق الريفية تفضل المرأة البدينة، ولو قليلا.. إلا أن وسائل الإعلام، المرئية والمقروءة، تضافرت بالتعاون مع صناعة الموضة لفرض النحافة كقيمة جمالية لجسد المرأة.
دفع هذا الجو المشحون جماعات الدفاع عن حقوق المرأة لصب جام غضبها على صناعة الموضة، متهمين إياها بالتسبب في اختلاق نماذج جسدية من المتعذر تحقيقها على أرض الواقع، بالنظر إلى تلاعبهم في صور العارضات في الإعلانات، وعلى صفحات المجلات ببرنامج «فوتوشوب».
ودفع ذلك الكثير من النساء إلى سعي محموم لإنقاص الوزن، أتى في بعض الحالات بنتائج مأساوية وصلت إلى حد الموت.
وعانت الكثيرات من تدني تقدير الذات والاكتئاب لعجزهن عن الوصول بأجسادهن إلى «النموذج المقبول» لجسم المرأة، وظهرت أمراض نفسية، على رأسها فقدان الشهية العصبي (Anorexia nervosa) الذي ينتشر بوجه خاص بين الفتيات (بين 14 و20 عاما)، حيث يصاب المريض برغبة جامحة في إنقاص الوزن، ويتولد لديه هوس بحجم جسده، وبالتالي يمتنع عن الطعام لفترات طويلة لدرجة تؤدي إلى الوفاة في بعض الأحيان.
لكن ربما آن الأوان كي ترحم حواء نفسها من هذا الصراع الذي تشير إليه بعض الدراسات العلمية الحديثة على أنه أشبه بمعركة ضد طواحين الهواء، حيث توصلت إلى أن أوزان الأجساد تتنوع تبعا للتركيب الجيني للمرء، بمعنى أنها تتنوع من فرد لآخر مثل مقاييس القدم واليد.
من بين هؤلاء دكتور رودي ليبيل، من جامعة كولومبيا، الذي خلص إلى نتيجة مفادها أن كل منا يولد بوزن محدد بيولوجيا سلفا، وستحاول أجسامنا رغما عنا الإبقاء عليه، والعودة إليه حتى بعد اتباعنا حمية غذائية.
وفي عدد لها عام 2008، أوردت دورية «نيتشر جينيتيكس» نتائج دراسة علمية أجريت على أكثر من 26.000 شخص، توصلت إلى عشرة جينات جديدة، بجانب اثنين آخرين معروفين بالفعل، يعتقد أنها تتحكم في حجم الجسم، وتفسر التباين في أحجام الجسم من شخص لآخر.
إلا أن دكتور ماجد زيتون، المتخصص في مجال التخسيس وأمراض السمنة، أعرب عن رأي مخالف، حيث أوضح: «علميا، هذا الكلام صحيح، لكنه أشبه بمقولة حق يراد به باطل.
فرغم دور الجينات في تحديد الوزن، فإنه يبقى للإرادة والعزيمة والمحافظة على نظام غذائي صحي اليد العليا في التحكم في الوزن.
لقد أشرفت على إنقاص وزن أشخاص بمعدل تجاوز 100 كيلوغرام، ولا يزالون بعد مرور عشرة أعوام محافظين على الوزن النموذجي الذي اكتسبوه».
وتتفق معه الفنانة هالة صدقي، التي تحدثت من واقع تجربتها الشخصية: «عانيت طيلة عمري من مشكلة الوزن الزائد.
وعادة ما تتطلب الأدوار المعروضة على الفنانات الإنقاص من وزنهن. لكنني أؤمن أن المرء بمقدوره، حال توافرت الإرادة واتباع الخطوات السليمة، تحقيق هذا الأمر.
المسألة أشبه بمرض السكري، فرغم صعوبته، فإن هناك من ينجحون في السيطرة عليه. شخصيا، أؤمن بالتخصص، وأحرص على استشارة طبيب متخصص في أمراض الغدة الدرقية لأنها سر مشكلتي.
ولا ينبغي أن يتحرك الشخص الراغب في إنقاص وزنه دون توجيه طبي، وإنما عليه الاستعانة بمشورة المتخصصين، وهذا لا يقتصر على أطباء التخسيس فحسب».
استشارة المتخصصين أمر أكد عليه دكتور زيتون، حيث شرح أن «بعض الأشخاص شديدي البدانة قد يشكون من أنهم لا يتناولون سوى كميات قليلة للغاية من الطعام، ومع ذلك يعانون من زيادة الوزن.
لكن الحقيقة أنهم غالبا يتبعون سلوكيات خاطئة، ويتناولون أطعمة ذات سعرات حرارية مرتفعة، وإن كانت بكميات قليلة، وأحيانا يتناولون قطع حلوى وشوكولاته بين الوجبات الرئيسية، ولا يمارسون رياضة، وهي أمور تسهم جميعها في زيادة الوزن».
ومع ذلك، يبدو أن التوجه العام يميل للإيمان بأن الوزن أمر يصعب التحكم فيه، وعلى المرء أن يتصالح مع وزنه ويتقبله.
حيث انتشرت في الآونة الأخيرة مدونات ومواقع على شبكة الإنترنت معنية بالموضة، عمدت إلى الترويج لأوزان كبيرة بين النساء، وصولا إلى الأجساد البدينة.
وأعربت سوزي أورباتش، عالمة النفس المهتمة بقضايا المرأة، عن اعتقادها بأن هذه المدونات والمجلات بمقدورها إحداث تغيير ملموس في الفكر السائد حول الشكل النموذجي للجسد.
موضحة أنه: «لأننا نتطلع دوما إلى صور نساء شديدات النحافة، يجري التعامل مع الكثير من صورهن باستخدام برنامج «فوتوشوب»، نقضي حياتنا في السعي وراء الوصول إلى هذا النموذج الجسدي المتعذر الوصول إليه في الواقع، في سعي محموم وعقيم في الغالب.
لكن هذا الوضع كان سيختلف لو كنا نتطلع ليس إلى صور نساء بدينات فحسب، وإنما من مختلف الأوزان والأحجام. حينها، لن نضطر إلى السعي باستمرار لتبديل أحجام أجسادنا».
ومن بين أبرز المؤشرات على حدوث تغيير في هذا الاتجاه، الخطوة الجريئة التي اتخذها المصمم الكندي مارك فاست، في سبتمبر (أيلول) 2009، خلال عرضه لخطوط الموضة للربيع في إطار فعاليات أسبوع لندن للموضة، وأثارت ضجة كبيرة باستمراره في تحدي الثقافة السائدة في صناعة الموضة باستعانته بعارضات يتسمن بوزن زائد.
في الوقت الذي تعرض فيه فاست لانتقادات باعتباره يرمي لمجرد جذب الدعاية والأنظار لنفسه، دافع عنه مقربون بتأكيدهم أن هذه الخطوة تأتي انطلاقا من رغبته في رد الادعاءات التي تتهمه بأنه يصمم ملابس موجهة إلى النساء النحيفات الرشيقات فحسب.
ويرى مؤيدو هذا النهج أنه من المنطقي أن يسعى أي مصمم أزياء للاستعانة بعارضات أقرب شبها إلى عميلاته. ورغم هذه الضجة، حقق العرض نجاحا كبيرا.
جدير بالذكر أن أسابيع الموضة الأوروبية خلال عام 2008 هيمنت عليها مناقشات حول مدى ملاءمة الاستعانة بعارضات مراهقات شديدات النحافة.
وفي وقت سابق، أصبحت إسبانيا أول دولة في العالم تحظر الاستعانة بعارضات مفرطات في النحافة خلال أسبوع مدريد للموضة، في خطوة أثارت غضب الوكالات المعنية بتوفير عارضات الأزياء، خوفا من تكرارها في دول أخرى، بينما لاقت ترحيبا من قبل آخرين باعتبارها خطوة صحية داخل صناعة الموضة.
وجاء القرار استجابة لشكاوى من أن الشابات يحاولن تقليد العارضات المفرطات في النحافة، مما يصيبهن باضطرابات غذائية ويعرضهن لمخاطر صحية.
وامتدت الثورة ضد النحافة إلى مجلات الموضة، ففي عددها الصادر في ربيع 2010، خصصت مجلة «في» الشهيرة المعنية بالموضة العدد لتناول قضايا أحجام الجسد.
ويعرض العدد صورا لعارضات بأوزان أكبر من المعتاد في محاولة للقضاء على فكرة أن العارضة لا بد أن تتمتع بوزن معين كي تسمح المجلات بنشر صورها.
وقد تكون هذه الخطوة إجراء استباقيا ذكيا من المجلة لتجنب التعرض لما تعرض له مصمم الأزياء الشهير رالف لورين، في أواخر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، عندما ثارت ضده مظاهرة تطالب شركته بالتوقف عن استخدام صور لعارضة جرى التلاعب في مقاييس جسدها بها باستخدام برنامج «فوتوشوب» بحيث باتت تروج لمقاييس جسدية مستحيلة.
وبرر المتظاهرون غضبهم بأن مثل هذه الصور تؤثر على قطاع عريض من النساء، وتثير في نفوسهن شعورا بعدم الرضا عن النفس.
وعلى ما يبدو، بدأت الثورة تؤتي ثمارها، ففي نبأ لا بد أنه يسعد الكثير من النساء اللائي يساورهن قلق شديد حيال حجم أجسادهن، جاءت الممثلة البريطانية كيت وينسليت (34 عاما) في المرتبة الأولى بين النساء صاحبات القوام الأكثر جاذبية في إطار استطلاع للرأي أجري خلال عطلة عيد الميلاد.
وكشف الاستطلاع، الذي أجرته منظمة «يوغوف» (YouGov) البحثية عن احتلال النساء صاحبات القوام الممتلئ نسبيا مع استدارة (مثل وينسليت التي ينتمي جسدها إلى نمط يطلق عليه الساعة الرملية) المراتب الأولى، بينما تراجع ترتيب النحيفات أمثال فيكتوريا بيكام.