الموضة .. أحدث وسائل التفاعل الإيجابي بين الهند وباكستان
ربما تتسم العلاقات بين الهند وباكستان بالتوتر، ولكن يبقى شيئان يربطان بين البلدين هما «بوليوود» والموضة.
وتظهر قصة الود الحذر هذه عندما تتحدث امرأة باكستانية عن شغفها العارم بالساري الهندي، في مقابل إقبال هندي على لباس «الشالوار قميص» (السروال والقميص) الباكستاني.
ويظهر هذا الاتجاه، بدرجة أكبر، مع تدافع مصممي الأزياء عبر الحدود تجاه الأسواق الهندية، وبالعكس.
وعلى الرغم من أن نجوم الموضة في الهند مثل ريتو كومار، وساتيا سابارتشي، وتارون تاهيلياني يحظون بشهرة بين النخبة الباكستانية، فثمة إقبال كبير حاليا على بعض الأسماء المعروفة داخل سوق الموضة الباكستانية مثل نادية لاكداوالي، وفايزة سامي، اللتين أصبحتا تتلقيان طلبات من عملاء من الجانب الآخر من الحدود.
ويقال إن منتجات بعض العلامات التجارية الباكستانية مثل «سانا سافينز» تتبخر من أرفف متاجر مدينة مومباي الهندية خلال ساعات.
ويعد حسن شهريار ياسين أحد مصممي الموضة البارزين داخل باكستان، إن لم يكن المصمم الأول، ويتصدر مبيعات الملابس الرسمية وأزياء حفلات الزفاف داخل الكثير من المتاجر الهندية.
وحاليا، تبيع محلات التجزئة داخل الهند مثل «كيماي» و«إنسمبل» و«أيسثاتيك» و«لوخاندوال» و«آر جي آي» و«شوبرز ستوب» و«بيبا» تصاميم ومنتجات العديد من الأسماء المعروفة في عالم الموضة الباكستانية.
في حين صار المواطن الباكستاني العادي يتذوق الموضة الهندية منذ أعوام قليلة عندما وزعت مؤسسة «إيه آر واي» الباكستانية، ومقرها دبي، ملابس هندية مصنوعة من أنسجة غير منقوشة خلال تغطيتها لأسابيع الموضة الهندية.
وفي عام 2004، بدأت زيبا حسين، وهي دائمة السفر إلى الهند، استضافة «كرنفال الأزياء الراقية»، وهو عرض موضة راق، شاركت فيه بيوت الموضة الهندية وشخصيات بارزة كـ«سفراء موضة» إلى باكستان، التي تتسم بالمحافظة من حيث الملابس بالمقارنة مع الهند. من هذا المنطلق، توجه نجما تصميم الموضة في الهند تارون تاهيلياني، وروهيت بال إلى كراتشي لعرض تشكيلات أقبل عليها الأثرياء والمشاهير.
ومهد ذلك الطريق أمام متاجر التجزئة للموضة الهندية، فافتتحت زيبا حسين متجرها «إنسمبل» في كراتشي ولاهور، حيث تعرض أعمال مصممين هنود مثل تاهيلياني، وبال، وريتو كومار.
وفجأة غدا من السهل الوصول إلى الموضة الهندية التي تحظى برواج كبير. في الوقت نفسه، أخذت العلامات التجارية الباكستانية تباع من دون توقف داخل مدينة مومباي ودلهي.
واليوم تمثل الموضة الهندية، بألوانها البراقة الحمراء والبرتقالية، مصدر جذب لا يقاوم عند العديد من الباكستانيات.
على صعيد آخر، لا تزال الأسعار تمثل قضية مهمة، فالعلاقات التجارية بين الهند وباكستان ضعيفة، ولذا تجري كثير من العمليات التجارية من خلال «الحقائب» - أو تجارة الشنطة - التي دائما ما تواجه خطر الغارات التي تنفذها الجمارك، أو من خلال التجارة غير المباشرة عبر دبي.
ولأن المحلات الباكستانية تدفع بالدولار الأميركي، ومع ارتفاع سعر الدولار بالمقارنة مع الروبية الباكستانية، يصعب على المواطنين شراء منتجات العلامات التجارية الهندية الفاخرة.
ويؤكد كثيرون من التجار الباكستانيين أن عنصر التكلفة العالية هو العنصر الوحيد الذي يمنعهم من جلب أعمال مصممين هنود واسعي الشعبية إلى باكستان.
في حين تقول حينا أنجوم، وهي مصممة باكستانية أقامت أخيرا معرضا في العاصمة الهندية دلهي، إن عددا من المصممين الباكستانيين يرون أن ثمة مستقبلا أفضل داخل الهند، ولذا تأتي نسبة عالية منهم إليها لإقامة معارض، والبحث عن زبائن.
وهي خلال جولاتها الأربع في الهند نجحت بالفعل في كسب رضى عدد كبير من الزبائن، لا سيما الساسة، مضيفة: «تعد الاستمرارية عنصرا آخر يأتي في المعادلة هنا»، وتتابع حينا: «إن هذا الاتجاه يمكن رصده من خلال الطلبات التي وصلتني خلال المعرض الأخير داخل دلهي، والتي تجاوزت بمراحل تلك التي تلقيتها قبل شهرين».
ثم قالت: «لقد استضفنا (في باكستان) العديد من المصممين الهنود الذين يتمتعون بشهرة كبيرة عندنا، أمثال تارون تاهيلياني، وروهيت بال، ومانيش مالهوترا الذين تنتشر تصاميمهم داخل المتاجر الراقية الشهيرة في عموم باكستان. كذلك فإن «تصميمات ريتو كومار الخاصة بالعرائس لاقت نجاحا كبيرا في كراتشي والمناطق المحيطة».
من جهة ثانية، دعت المجلة الهندية البارزة «فيمينا»، المرتبطة بمسابقة ملكات جمال الهند الشهيرة، ستة من المصممين الباكستانيين لعرض تصاميمهم خلال فعاليات «أسبوع فيمينا للعرائس»، هم بونتو كاظمي، وسنا صافيناز، ونيلوفر شهيد، وماريا بي، وميمونة منان، وسهير سايغول.
الجدير بالذكر أنه ينظر إلى ساتيا ساران، رئيسة تحرير «فيمينا»، على أنها إحدى أعظم الشخصيات نفوذا في مجال الموضة الهندية، وهو نفوذ قد يدفع مصممين للقمة، أو ينهي مستقبلهم المهني.
وحقا جاءت مشاركة مصممين باكستانيين في «أسبوع فيمينا للعرائس» بمثابة مفاجأة سارة. وعن ذلك، علقت ساران: «أعتقد أن عملهم، في ما يخص الصور المختلفة لقص الأقمشة والتفصيل والتوليفات المختلفة للألوان والقياسات والتصميم والزخارف المصنوعة يدويا، كان متقنا ورائعا.
لقد دهشت من مستوى الجودة والحرفية في المعروضات، والإحساس بالموضة المتدفق منها»، وهو ما دفعها للتعهد بمواصلة دعوات المشاركة للمصممين الباكستانيين مستقبلا.
هذا، وقد شعرت سيدة الأعمال ومصممة الأزياء الباكستانية فايزة سامي، التي صممت فستان زفاف رئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة بي نظير بوتو، عام 2006 بوجود سوق طيبة لبيع الملابس بالتجزئة داخل دلهي، وبالفعل كانت أول مصممة باكستانية تقدم على هذه الخطوة داخل الهند.
واليوم تبيع سامي تصاميمها عبر متجر «كارما» في مهرولي ديلهي. كما سافرت بنفسها إلى دلهي في الفترة الأخيرة لعرض منتجاتها، وللتواصل مع مصممين هنود مستعدين لطرح منتجاتهم في باكستان.
وعلقت على هذا الأمر بقولها: «رغبتي في الحضور إلى دلهي انطلقت في الأساس من اعتقادي بأن أذواق الهنود والباكستانيين في الملبس متشابهة.. بل متطابقة».
وتؤكد سامي - التي تسافر إلى الهند بصورة منتظمة منذ عام 1995 - أن باكستان يمكن أن تمثل سوقا كبيرة للمصممين الهنود. وتضيف: «أتطلع لاستيراد ملابس من مصممين هنود.
وأعتقد أن غالبية الملابس التي شاهدتها يمكن ارتداؤها داخل باكستان أيضا. في الواقع، هناك قدر بالغ من التشابه بين البلدين، وأنا على ثقة من أن الملابس الهندية ستنجح عندنا، وقبل فترة أقيم عرضان للأزياء في باكستان شارك فيهما مصممون هنود وحققا نجاحا كبيرا».
وتعرب سامي عن أملها الكبير في أن «تزداد سهولة النشاط التجاري بين الهند وباكستان. فمن المنظور الاقتصادي، سيكون الوضع أفضل بكثير للبلدين.
المهم أنه في الوقت الذي نتطلع نحو مشترين أجانب، علينا أن ندرك أهمية أن نتطلع عبر الحدود، إذ يتميز كلا الجانبين بالكثير من الإمكانات. ونظرا لوجود الكثير من التشابهات، ستلقى الملابس رواجا سريعا».
وعلى الجانب الآخر من الحدود، تقول رينا داكا، مصممة الأزياء الهندية، إن «غالبية المصممين الهنود يراودهم شعور بتقدم الهند على باكستان من الناحية التجريبية في الموضة والفن والثقافة.
ومع أن الباكستانيين يقدمون تصاميم جريئة، فإنها لا تزال تعد تقليدية مقارنة بتلك الموجودة في بلادنا. لكن هذا لا ينفي أن بعض تصاميمهم تعكس خيالا خصبا».
ومع هذا فإن أول «سفير باكستاني» للموضة لم يظهر في الهند سوى العام الماضي، عندما شاركت هوني وقار، المصممة الباكستانية البارزة، خلال عرض أزياء في دلهي.
ومما يذكر أن هوني تعمل في مجال الموضة منذ 25 سنة، ولديها الكثير من الزبائن في الهند.