أسبوع إسطنبول للموضة الجاهزة .. يقول أن الأتراك قادمون
قد تكون تركيا المصدر الأول للفواكه المجففة في العالم إلى جانب الإسمنت والمسلسلات التلفزيونية التي غزت بيوت الملايين، لكن لم يعد هذا يكفيها، فهي تريد أن تكون أيضا عاصمة أزياء تناطح الكبار في ميلانو ونيويورك وباريس ولندن، بكل ما تقدر عليه من إبداع وابتكار وجهد.
فيوم أول من أمس انطلق الموسم الثاني لأسبوع إسطنبول للموضة الجاهزة، الذي جاء واعدا بالجديد والمبتكر، متحديا الطقس البارد الذي هجم عليه من دون سابق إنذار.
فالثلوج، على ما يبدو، أصرت أن تحل ضيفا عليه، رغم أنفه، مما سبب تأخير وصول الضيوف إلى المدينة، بل حتى طائرة وزير التجارة، زفير زاغلايان، التي أقلعت في الصباح الباكر من أنقرة، تأخرت لعدة ساعات بسبب سوء الأحوال الجوية، مما حال دون وصوله في الوقت لافتتاح الأسبوع، كما كان متوقعا.
وطبعا لأنها إسطنبول، التي تعاني عادة من ازدحام حركة السير، فقد زادت تساقطات الثلوج من هذا الازدحام.
لكن كما قال الوزير بعد وصوله، بلهجة مليئة بالتحدي، لا الجو السيئ ولا كل الأزمات العالمية ستوقف زحف الأسبوع وتقدمه، لأن الرغبة في تزويج القوة الإنتاجية بالقوة الإبداعية أكبر من أي شيء.
المثير هنا أن الأتراك ليسوا مصرين فقط على أن يكون لهم أسبوعهم الخاص، فهذا أمر طبيعي ولا يثير الاستنكار بعد أن أصبح لكل عاصمة في العالم تقريبا أسبوعها الخاص، بل كونهم مصممين على الدخول في منافسة قوية مع العواصم العالمية الكبرى مثل نيويورك وباريس وميلانو ولندن، عوض مدريد أو برشلونة أو نيودلهي أو غيرها من العواصم التي دخلت المنافسة حديثا.
السبب كما شرح الوزير أن الأتراك لا يقلون شأنا وقدرة عن غيرهم، «فهؤلاء مجرد بشر بعقل، ونحن أيضا كذلك»، فضلا عن الإمكانيات المتوفرة في تركيا، التي تخول لها دخول المنافسة من أوسع الأبواب.
فهي أحسن حظا من غيرها من حيث إنها تمتلك القدرة على إنتاج الأنسجة والجلود، كما لديها اليد العاملة القادرة على تنفيذ أزياء أنيقة بحرفية عالية، وأخيرا وليس آخرا تحتضن شبابا واعدا يمكن أن يترجم أفكاره وخياله بلغة سلسلة ومفهومة من خلال تصميمات عملية وباهرة في الوقت ذاته.
وما أكده المشرفون على الأسبوع أنهم ليسوا مستعجلين على النجاح، ولا يتوقعون تحقيق نتائج باهرة في وقت قصير، المهم بالنسبة إليهم أن يتحقق ذلك في عام 2023، وهو تاريخ مهم لأنه سيتزامن مع احتفال تركيا بمرور 100 عام على تأسيس جمهوريتها.
لهذا ليس غريبا أن تتجند كل القوى والإمكانيات لإنجاح الأسبوع والترويج له، إلى درجة أن صورته الرسمية طبعت على أوراق اليانصيب هذا الشهر، بالإضافة إلى الدعم المعنوي والمادي الذي تقدمه الحكومة وقطاعات خاصة، بما فيها قطاع صناعة الأنسجة ومنظمة المصممين الأتراك وغيرهم من القطاعات الخاصة، التي تنوي أن تقضم ولو قطعة من هذا النجاح في يوم ما.
أمس تجلى هذا الدعم في قدرة الأسبوع على جذب مشترين من كل أنحاء العالم يقدر عددهم بـ213 مشتريا، بالإضافة إلى عدد لا يستهان به من وسائل الإعلام العالمية.
كما تجلى في عروض تجمع بين الابتكار والخيال وبين فهم السوق ومخاطبتها بلغة أنيقة وذكية.
كان شرف افتتاح الأسبوع من نصيب دار «جيزيا» التي تعود بدايتها إلى 1986، وتعتبر من بيوت الأزياء المهمة في تركيا.
والحق أن عرضها كان مثيرا ومفاجأة سارة للحضور، جعل الكل يفكر أنه إذا كانت النهاية مثل البداية، فإن تفاؤل وثقة تركيا بأسبوعها الإسطنبولي في محلهما.
بدأ العرض بمجموعة جد مبتكرة وحداثية تشرئب للمستقبل بكل تقنياتها وتفاصيلها، باستثناء الأقمشة التي تباينت بين الصوف والكشمير والشامواه.
البداية كانت وقوف مجموعة من العارضات على خشبة مسرح معتمة لا يخترق ظلمتها سوى قليل من الضوء، كان يطل علينا مما كن يلبسنه من تصميمات.
الإحساس أخذ البعض منا إلى الثمانينات والتسعينات، وبالتحديد إلى عروض حسين تشالايان، لكن بشكل أكثر بساطة وتواضعا.
بعدها أنيرت الأضواء لتظهر العارضات بشكل أوضح وكأنهن كائنات غريبة نزلن للتو من مركبة فضائية تريد أخذنا في رحلة إلى عالم غريب وبعيد، سواء بتسريحة شعرهن المرفوعة من الأمام أو ماكياجهن.
لحسن الحظ إن هذه المقدمة المستقبلية لم تدُم طويلا، حيث توالت قطع الأزياء، التي رغم لمستها الحداثية والمستقبلية تناسب الحاضر بتصميماتها المبتكرة، سواء في ما يتعلق بالياقات المستديرة العالية من الأمام والمفتوحة على شكل V من الخلف، أو الجيوب الضخمة التي تمنح الخصر نحولا.
بعد المجموعة الأولى التي غلب عليها الرمادي والصوف والكشمير، قدم المصمم مجموعة ثانية لا تقل ابتكارا، لكن هذه المرة من الصوف المحبوك مع قطع من القطن.
وكان لهذه الازدواجية مفعول السحر، إذ منحت المظهر ككل حيوية، ربما لأن القطن لا يلتصق بالجسم مثل الصوف مما يخفي بعض عيوبه أو تضاريسه البارزة.
المجموعة الثالثة والأخيرة كانت الحلقة الضعيفة في هذا العرض، مما يشير إلى أن التصميمات المنسابة ليست مكمن قوة المصمم، حيث جاءت الفساتين الملونة التي تخاطب شاطئ البحر بألوانها وأقمشتها وانسدالها غير جديدة، ورأينا مثلها كثيرا من قبل، وليس ببعيد أن تكون لدى كل واحدة منا قطعة تشبهها.
الاستثناء الوحيد هنا كان فستانا على شكل جلابية، مطرزا عند منطقة الخصر بأحجار الكريستال تبدو وكأنها حزام، بينما زينت حواشي الأكمام بقطع من الفرو، مما أعطاه تميزا.
«جيزيا» بلا شك تعني في قاموس الموضة التركية تصميمات مفصلة ومبتكرة تخاطب امرأة قوية وشابة عصرية أكثر من مخاطبتها امرأة رومانسية.
الأمر نفسه لاحظناه في عرض دار «كوزو»، التي استغلت الجلود التي تشتهر بها تركيا إلى أقصى حد، إلى جانب الفرو. فكل شيء هنا يعتمد على هاتين الخامتين.
مرة تقدمهما لنا بالأبيض ومرة بالأسود، وفي قطع معدودة بالفضي.
وما يحسب للمصممة هنا أنها روضت هذه الخامات بشكل رائع بحيث تبدو في عدة حالات وكأنها حرير أو ساتان، بالنظر إلى خفتها وسمكها، فجاءت كل القطع تخاطب امرأة نخبوية، تريد التميز وتعيش حياة مرفهة.
حياة تتطلب منها حضور مناسبات عدة، وهذا يستدعي قطعا مترفة وخاصة.
وهذا ما ستحصل عليه هنا، فبعض المعاطف تبدو وكأنها فساتين كوكتيل أو سهرة بالنظر إلى التفاصيل البراقة التي أدخلت عليها، سواء على شكل سلاسل متدلية أو أحزمة تلمع بلون الذهب وأحجار الكريستال، بل حتى سحابات الجيوب الذهبية الكثيرة في بعض القطع كانت من التفاصيل اللافتة والطريفة.
لكن هذا لا يعني أن كل التشكيلة كانت للمناسبات والسهرة، فهناك قطع، صحيح أنها في غاية الترف، لكنها تصلح لامرأة أنيقة في النهار أو المساء، لا سيما أن خفة وزنها تجعلها عملية.