جدل علمي حول القدرات الشفائية لعلاج المفاصل بالصفائح الدموية
الزمن قد تغير منذ أيام انتشار الحجامة، عندما كان الأطباء يعالجون مرضاهم بواسطة سحب الدم من جسمهم، أما الآن فتظهر طريقة تسمى «العلاج بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية» platelet - rich plasma therapy، التي تشمل حقن جزء من الدم نحو المفصل المتضرر للمريض. ويمكننا وصف هذه الطريقة بأنها «حجامة معكوسة».
العلاج ببلازما الدم
ويعرض عدد أكثر من الأطباء طريقة العلاج بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية، على مرضاهم بهدف علاج المفاصل المتضررة لديهم التي نجمت عن تلف الأوتار أو التهابها.
وتستخدم الطريقة حاليا كبديل للجراحة في بعض الحالات، وكوسيلة مساعدة لتسريع الشفاء في حالات أخرى.
وحتى الآن فإن الأبحاث حول استخدام هذه الطريقة انصبت على الأوتار، إلا أن مشكلات العضلات والعظام ربما يمكن معالجتها بواسطتها أيضا.
وقد يكون مشجعو الرياضة من المطلعين أكثر من غيرهم، على طريقة العلاج بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية هذه، لأن عددا من اللاعبين قد خضعوا لها، كما أن وسائل الإعلام قد تطرقت لها بشكل واسع.
كما كتبت جينا كولاتا محررة الشؤون الصحية في صحيفة «نيويورك تايمز» مقالة عن تجربتها الشخصية نفسها في عام 2009.
وبما أن المريض، سواء كان رياضيا رفيع المستوى أو محاربا ضعيفا، يظل يحس بآلام المفصل أو أضراره لفترة طويلة، فإن آفاق علاجها تصبح مثيرة. فبساطة العلاج بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية تضفي الجاذبية على الطريقة، إضافة إلى خلوها من الأخطار المحتملة، حتى الآن.
لكن هناك أيضا سبب جيد لوجود بعض التحفظات. فعلى الرغم من أن النتائج من مختلف التجارب في المختبرات وعلى الحيوانات، تشير إلى فاعلية العلاج بالصفائح الدموية، فإنه لم تنفذ سوى دراسات قليلة على الإنسان.
كما تظل طريقة العلاج بالصفائح الدموية جديدة، ولذلك لا يوجد سجل حقيقي طويل حولها. كما يمكن للبعض القول إنها ليست إلا طريقة تبدو وكأنها طبية في توجهاتها، لا تقود إلا إلى زيادة النفقات الصحية على الرغم من عدم وجود برهان على فائدتها.
طريقة بسيطة
البلازما هي الجزء السائل من الدم الذي تعوم فيه خلايا الدم البيضاء والحمراء والأملاح والفيتامينات والمواد الأخرى العالقة. ويكوّن الماء غالبية تركيبه.
وحينما تزال منها خلايا الدم الحمراء فإن لونها يصبح مائلا للصفرة. والصفائح الدموية من بين المركبات العالقة في البلازما.
وهي شظايا خليوية صغيرة جدا (حجمها نصف حجم خلايا الدم الحمراء) ومهمتها الرئيسية مساعدة الدم في التخثر عند حدوث جرح أو ضرر في الأوعية الدموية.
إلا أن الصفائح الدموية تعجل أيضا من الشفاء بإفرازها لعوامل النمو، التي كما يفترض اسمها، تحفز الخلايا على النمو والتكاثر.
وتطبق طريقة العلاج بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية حاليا، بسحب الدم أولا بحجم يتراوح بين 30 و60 مليلترا، أي ما يعادل نحو 2 إلى 4 ملاعق أكل. ثم يوضع الدم في آلة دوّارة بهدف فصل عناصره.
ويوفر هذا الفصل عدة مليلترات (نحو ملعقتي شاي) من البلازما الغنية بالصفائح الدموية، التي يزيد تركيز الصفائح فيها بـ3 إلى 10 مرات عن تركيزها في كل الدم.
ثم تصور المنطقة المطلوبة، بالموجات فوق الصوتية لكي يتم تحديد موقع إبرة الحقن، التي تخدر بمخدر موضعي، وأخيرا يقوم الطبيب بحقن البلازما الغنية بالصفائح ببطء.
ويمكن إجراء كل الطريقة في عيادة الطبيب، ثم يعود المريض إلى منزله بل حتى إلى موقع عمله.
قدرات شفائية
تتصف أنسجة الأوتار بمعدل بطيء في الأيض (التمثيل الغذائي)، وهو الأمر الذي يجعلها بطيئة الشفاء.
ومن الناحية النظرية، فإن حقن البلازما الغنية بالصفائح الدموية يمكنها أن تعوض هذا الأمر الطبيعي، وبذلك يتم توظيف قدرات الدم الشفائية.
وقد توصل بعض الباحثين فعلا إلى نتائج إيجابية بعد حقنهم للدم بكل مكوناته، وليس فقط بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية (فقد حصلت الصحافية جينا مثلا، على حقنة من كل الدم ، وليس كما كان مفترضا أصلا، وهي حقنة من البلازما الغنية بالصفائح الدموية). كما طور فريق بحث إسباني طريقة خاصة به لتحضير الصفائح الدموية، حيث تمت معالجتها مع سترات الصوديوم وكلوريد الكالسيوم.
وقد صرح الباحثون أن طريقتهم أنتجت عوامل نمو أكثر، وأطلقوا عليها اسم «وصفة تحضير غنية بعوامل النمو» «preparation rich in growth factors» أو «PRGF» اختصارا.
وبقول مناصري العلاج بالبلازما الغنية بالصفائح الدموية، فإن هناك فرصة ضئيلة لحدوث رد فعل التهابي أو مناعي من قبل الجسم عند حقنه، لأن مصدر الدم في الحقنة هو دم الشخص نفسه.
كما أنهم يؤكدون على أفضلية العلاج مقارنة بالجراحة؛ إذ إنها لا تؤدي إلى حدوث أي آلام أو إلى ألم ضئيل، كما تؤدي إلى الشفاء السريع، من دون حدوث أي ندوب.
وقد يكون ذلك صحيحا، إلا أنه لم يتم إجراء أي دراسة لمقارنة كل جوانب العلاجين: الحقن بالدم، والجراحة. كما أن الجراحة بالطبع، ليست البديل الوحيد للعلاج بالصفائح الدموية.
دراسة مثيرة للشبهات
ويشار مرارا وتكرارا إلى واحدة من أكثر الدراسات، وهي تلك التي أجريت حول اختبار الحقن بالصفائح الدموية لعلاج «مرفق التنس» tennis elbow أي مرفق الذراع المتأذي من لعبة كرة المضرب. وتنجم هذه المشكلة عن تضرر الأوتار في عضد اليد التي تتصل بمرفق الذراع.
فقد تلقى 15 شخصا حقنا بالصفائح الدموية، بينما تلقى 5 آخرون في مجموعة مراقبة، حقنا من «بابوفاكائين» bupivacaine وهو من الأدوية المخففة للألم.
وبعد مرور شهرين من العلاج قال الأشخاص الذين تلقوا حقن الصفائح الدموية إن الألم في «مرفق التنس» انحسر بنسبة 60 في المائة، فيما انحسر الألم لدى أفراد مجموعة المراقبة بنسبة 16 في المائة.
وفي تلك الدراسة التي نشرت نتائجها عام 2006 في «المجلة الأميركية للطب الرياضي»، تكررت الإشارة إلى اسم الدكتور ألان ميشرا الاختصاصي في المفاصل في كاليفورنيا، وذلك يعود جزئيا إلى أن هذه الدراسة هي واحدة من قليل من الدراسات التي درست فيها مجموعة مراقبة.
ومع هذا، فإن من الصعب الاعتماد على نتائجها: فـ20 متطوعا ليسوا بالعدد الكبير، وفترة شهرين لا تعتبر فترة طويلة (وقد جرت متابعة الأشخاص الذين تلقوا العلاج بالصفائح الدموية لفترة أطول، إلا أن العديد من أفراد مجموعة المراقبة تشتتوا، ولذا فقد كان من الصعب متابعتهم).
وإضافة إلى ذلك، فإن الدراسة كانت مدعومة ماليا جزئيا من قبل شركة تعمل في مضمار العلاج بالصفائح الدموية، وكان الدكتور ميشرا مستشارا لتلك الشركة!
دراسات قليلة
إلا أن تلك النتائج لم تكن وحدها الإيجابية. فقد وجدت دراسة سابقة نشرت عام 2003 في «المجلة الأميركية لجراحة اليد» أن الألم زال من 22 من أصل 28 مريضا بـ«مرفق التنس» بعد العلاج بالصفائح الدموية.
كما أفاد باحثون بريطانيون عام 2007 أن تركيبة من عمليات الوخز الجاف بالإبر - أي الوخز بإبرة من دون حقنة في مكان الألم ـ والحقن بالدم، ساعدت الأشخاص المصابين بالأوتار الرظفية patellar tendons المتأذية في الركبة (هذه الأوتار تربط رظفة الركبة مع القصبة، أي عظم الساق الأكبر).
كما أفاد الباحثون الإسبان بأن طريقتهم في تحضير الصفائح الدموية قد قدمت نتائج جيدة في إصلاح وتر أخيل وكذلك الركبة المصابة بالتهاب المفاصل.
وإن تجولت في ما حولك، فبمقدورك الحصول على نتائج جيدة أكثر. إلا أن أجود النتائج تأتي من أبحاث أولية تجريبية شملت دراسات على الحيوانات، وتقارير عن علاجات فردية.
ولأن العلاج بالصفائح الدموية لا يحتاج إلى استخدام أي دواء، فإن إجازته من قبل إدارة الغذاء والدواء تمت بسرعة، بوصفه أداة طبية؛ فالجهاز الدوّار وإبرة الحقنة تعتبر أجهزة طبية.
والضوابط المتعلقة بإجازة الأجهزة الطبية ليست صارمة بالقدر نفسه، مثل تلك المتعلقة بإجازة الأدوية، ولذلك فإن الشركات لا تحتاج لإنفاق أموال طائلة لإجراء دراسات عالية التكلفة لكي تنجح في إجازة إدارة الغذاء والدواء لها، وطرحها إلى الأسواق.
موقف حذر
وقد اتخذت الأكاديمية الأميركية لجراحة تقويم الأعضاء موقفا حذرا حول العلاج بحقن الصفائح الدموية، ونادت بضرورة إجراء الأبحاث حول أفضل وسائل استخدام هذه الطريقة، وحول التركيز الأمثل للصفائح الدموية في الحقنة.
ويوجد في السوق العديد من أجهزة الحقن بالصفائح الدموية، وهي توفر تركيزات مختلفة للصفائح.
وتوجد بعض التوجهات التي تنادي بأن يكون تركيزها، وكذلك خلطها مع عوامل النمو، مختلفين باختلاف موقع الضرر. إلا أن أحدا لا يعرف بالتأكيد ما تلك المقادير.
آمال وبراهين
إن الصفائح الدموية وعوامل النمو يمكن أن يكونا عتلة أثناء إجراء عمليات نقل الأعضاء والعمليات الجراحية الأخرى.
ويبشر بعض الباحثين بقدوم يوم يمكن فيه غمس نسيج غريب قبل زرعه في الجسم، في «كوكتيل» من عوامل النمو بهدف منع الجسم من رفضه، ولتسريع الشفاء.
وهذا ما يقدم آمالا واعدة للأضرار المتعبة للأربطة المتصلبة الأمامية anterior cruciate ligament في الركبة، التي يتم إصلاحها عادة باستخلاص أربطة من الجثث أو من وتر العرقوب hamstring tendon الخاص بالمريض.
وقد جرب بعض الجراحين وضع مواد مشبعة بالصفائح الدموية في المناطق المتأذية بهدف تسريع الشفاء.
أما عن مواقع وأوقات استخدام الحقن بالصفائح الدموية، فما زال من المبكر إعطاء أي تقييمات حولها بسبب غياب الأبحاث.
إلا أنه من المتوقع أن تقدم دراسات كبيرة جارية حاليا نتائجها خلال السنوات القليلة المقبلة.
وقد يتأثر بعض الناس بالنتائج الجيدة لبعض الرياضيين لأن الرياضيين من أكثر المتضررين عادة، كما أنهم يتطلعون إلى أفضل أنواع العلاج الحديث.
إلا أنه من المضحك تعميم بعض النتائج الفردية أو الجماعية لأن الرياضيين عادة يكونون في أفضل لياقتهم البدنية ولهذا فإنهم يشفون أسرع.
كما أن من المهم القول إن العلاج بالصفائح الدموية قد يعتبر غير مقبول بوصفه غير متطابق مع الضوابط الدولية المضادة للمنشطات التي تحظر العلاج بعوامل النمو.
كما أن قلة الدراسات وانعدام المواصفات والمقاييس فتح الباب أمام تطبيقات مشبوهة. فقد تحدثت تقارير عن قيام أطباء بوصف حقن من جرعات كبيرة، من دون تقديم تفسيرات مرضية حولها.
وعموما، يمكنك أن تسأل الطبيب عن العلاج بالصفائح الدموية إن لم تكن العلاجات الأخرى مجدية، خاصة إن كانت الأوتار متأذية لديك.