الكستناء والبطاطا الحلوة والشمندر .. فاكهة للشتاء ذات قيمة غذائية وعائلية
على خلاف فاكهة الصيف الغنية بألوانها وأشكالها وأنواعها التي تنعش الروح والجسم، ترتدي فاكهة الشتاء رداءها الدافئ لتكون نجمة السهرات الشتوية العائلية في الليالي الباردة. وأهم أنواعها، الكستناء والبطاطا الحلوة والشمندر .. وهي فاكهة لذيذة المذاق لكل منها خصائصها التي تدعم الجسم بالفوائد الغذائية الطبيعية اللازمة بعيدا عن كل ما تحتويه الأنواع الصناعية الأخرى من مواد مضرة تترك آثارها السلبية على صحة الإنسان.
وفي لبنان، كما في معظم الدول العربية، لفاكهة الشتاء جلساتها الجبلية المميزة التي لا يمكن الاستغناء عنها في الليالي الباردة، وتبقى هي المؤنس الذي لا غنى عنه في السهرات الطويلة، لا سيما في عطلة نهاية الأسبوع حين يقصد اللبنانيون قراهم محملين بزادهم من الفاكهة الشتوية التي تنفرد بمذاق مميز إذا شويت في مدفأة الحطب.
مع العلم أن الكستناء لم تكن في ما مضى فاكهة معروفة في الجبال اللبنانية، وكان يستعاض عنها بـ«البلوط»، أي ثمرة شجرة السنديان. ويحكي الأجداد أن أبناء القرية كانوا يترصدون الشجرة التي تثمر بلوطا حلو المذاق ويبتعدون عن ذات الطعم المزّ، ويتسابقون لجمع ما تيسر منها للشي في الـ«وجاق» أو المدفأة التي تعمل على الحطب.
وربما تشابه مذاق البلوط بطعم الكستناء جعل الناس في القدم يطلقون عليها اسم «شجرة شاه بلوط»، قبل أن تصبح «شجرة الخير»، و«فاكهة الشتاء»، و«أبو فروة»، و«القسطل»، أو «القسطلة»، إلى أن استقر بهم الأمر على «الكستناء».
وشجرة الكستناء من الأشجار الجميلة التي تعمر طويلا، تثمر ثمرة شوكية خضراء اللون تحوي في داخلها ما بين بذرة واحدة إلى ثلاث بذرات من الكستناء ذات اللون البني الداكن.
وكانت الكستناء حتى بضعة قرون مضت الغذاء الأساسي في معظم البلدان القديمة منذ أيام الإغريق والرومان، حتى اكتشاف البطاطا التي مكان الكستناء في مكونات الأطباق.
وتؤكل الكستناء نيئة أو مشوية أو مسلوقة، وقد يستفاد من طعمها اللذيذ إذا أدخلت في بعض المأكولات، لا سيما التي تعرف في لبنان بـ«المحاشي»، كذلك في سلطة الخضار.
وفي موسم عيد الميلاد تحتل الكستناء المرتبة الأولى في تحضير الأطباق، إذ تدخل في تزيين الديك الرومي والمنسف، لا سيما حلوى العيد «buches de noel» المصنوعة من كريما الكستناء، بدلا من كريمة الشيكولاتة.
ولحلوى الكستناء المثلجة حضورها الأبرز والأثرى في عيد الميلاد أيضا، نظرا إلى ثمنها المرتفع وتحضيرها الدقيق الذي يحتاج جهد أيام متواصلة وتتطلب صناعته مهارة خاصة.
وتعتبر الكستناء مصدرا للطاقة والنشويات البطيئة الامتصاص، لكنها قليلة الدهون وفيها كمية معتدلة من البروتين والألياف، وهي مقوية للهضم ومسهلة له.
لكن لا ينصح بها لمن يتبعون حمية غذائية، بل على العكس هي مفيدة لمن يعانون من النحافة والمسنين والمصابين بفقر الدم.
ويقال إن ثلاثة أرباع كوب من الكستناء يوفر أكثر من 40% من الحصة الغذائية اليومية من فيتامين «D»، و35% من الحصة الغذائية من حمض الفوليك، و25% من الحصة الغذائية من فيتامين «B6»، وتعتبر الكستناء، نظرا لاحتوائها على المعادن والفيتامينات منشطة وقوية ومرممة للعضلات والأعصاب والشرايين.
ولا تختلف جلسة البطاطا الحلوة عن رفيقتها في السهرة الشتوية، الكستناء، بل إن كلا منهما مكمل للآخر، وإن كان البعض يعتبر البطاطا يجب أن لا تدخل لائحة الفاكهة، نظرا إلى ما تحتويه من مكونات غذائية غنية لا تقل عن البطاطا العادية، التي قد تشكل طبقا في حد ذاته.
لكن إضافة إلى طعمها الحلو اللذيذ تتميّز البطاطا الحلوة بغناها بالفيتامينات، لا سيما «A» و«C» و«الكاروتين بيتا»، وتعتبر مصدرا مهما لفيتامين «B6»، والبوتاسيوم، والألياف، وهي عناصر غذائية يصعب الحصول عليها من أي مصدر طبيعي آخر، وقد أثبتت بعض الدراسات الطبية أنها تساعد في الوقاية من السرطان وأمراض القلب، وبإمكان من يعانون من مرض السكري ومن يتبعون حمية غذائية تناولها، لأن سعراتها الحرارية منخفضة.
وللتمتع بالمذاق الأطيب تنصح المتخصصة في التغذية، كارلا يردميان الحاج، محبي البطاطا الحلوة باختيار النوع الصلب منها والخالي من التعرجات وذي اللون البرتقالي المائل إلى الأصفر من الداخل لأنه أغنى بـ«الكاروتين بيتا».
ويمكن تحضيرها عن طريق الشي أو السلق، أو حتى القلي على غرار البطاطا العادية، وقد تشكل طبقا في حد ذاته كالبطاطا البوريه.
وأيضا مع فاكهة الشتاء، لكن هذه المرة مع الشمندر أو البنجر، التي لا يمكن تناولها إلا مسلوقة ولكنها لا تقل أهمية عن الكستناء والبطاطا الحلوة، لا في المذاق اللذيذ ولا في الأهمية الغذائية.
وأبرز هذه الفوائد تلك التي أظهرتها مؤخرا دراسة بريطانية كشفت عن أن نصف كوب من عصير الشمندر يوميا، يخفض ضغط الدم بشكل ملموس، ويبدو أن العنصر المهم في عصير الشمندر هو النترات، وهي المادة التي تتوافر أيضا في الخضراوات الورقية الخضراء.
إذ اكتشف العلماء صلة واضحة بين هبوط ضغط الدم وظهور مستويات عالية من النترات في الدورة الدموية.
ويعتبر الشمندر أغنى من السبانخ في نسبة الحديد التي يحتويها، وكذلك في المعادن الأخرى، وهو مصدر لفيتامينات «B2»، و«A»، و«C»، ويساعد النيئ منه في التخفيف من مشكلات الأنيميا وتورم المفاصل والتخلص من سموم الأدوية، وينصح بتناول المسلوق منه من يتبع حمية غذائية لتخفيض وزنه، إذ لا تزيد قيمة كل 100 غرام منه على 31 (ك. كالوري)، وهي منخفضة مقارنة بطعمه الحلو.
والشمندر كان معروفا في الطب الشعبي القديم، إضافة إلى تصنيفه بأنه مفيد للذين يعانون من مشكلة السمنة وبعض أمراض القلب والكبد، فهو معروف بأنه مضاد للالتهابات ولتخفيف الأوجاع.
وتبقى الطريقة الأفضل للاستفادة من الشمندر والتلذذ بنكهته هي في سلقه وتناوله مع الملح أو تحضيره سلطة لذيذة إذا أضيف إليه الملح والحامض والثوم وزيت الزيتون، وقد يصنع منه مخللا على طريقة أنواع مخللات الخضار الأخرى.
ومن الممكن الاستفادة من أوراق الشمندر بإضافتها إلى الحساء كمصدر للعناصر المعدنية وكغذاء مفيد للكبد.