التقرح الجلدي الاصطباغي .. مرض خطير يقتل من يتعرض للنور
التقرح الجلدي الاصطباغي مرض نادر يقتل من يتعرض لاي نوع من النور، وقد اصاب زوجة المستشار الالماني السابق هلموت كول التي انتحرت بسببه.
وهذا المرض مرض غريب ربما لم نسمع به من قبل، وذلك لندرته فعدد المصابين به في العالم لا يتعدى بضعة الاف، ويوجد في المانيا 40 حالة واصاب زوجة المستشار الالماني الاسبق هلموت كول، الا انها لم تتحمل الامه فوضعت حدًا لحياتها وانتحرت في شهر يوليو عام 2001.
ويصيب هذه المرض عادة الاطفال ويرافقهم طوال حياتهم، وفي حالات نادرة يصيب البالغين ايضا، وبالنسبة للاطفال فان حياتهم لا تكون طويلة عادة.
وهذ المرض يسمى Xeroderma pigmentosum واختصاره XM ويسمى بالعربية التقرح الجلدي الاصطباغي، واعراضه هي ان الاطفال المصابين به يصعب عليهم التعرض لاشعة الشمس لانها تحتوي على الاشعة ما فوق البنفسجية UV بنوعيها الف وب، ونفس الصعوبة بالنسبة لبعض الاضواء الاصطناعية مثل ضوء النيون.
ففي حال تعرضهم لاي من هذين الخطرين تظهر على الجلد بقع لونية حمراء، واحتمال تحولها الى خلايا سرطانية يبلغ 200 مرة مقارنة مع غير المصابين بهذا المرض الذي لا علاج لها، وتؤثر مضاعفاتها الداخلية على نمو الاطفال المصابين بحيث يصبحون عرضة لانعاكسات المرضية الى ان تنتهي حياتهم قبل بلوغهم العشرين.
وبعد بحوث دامت سنوات طويلة تم التعريف بهذا المرض ويعتبر جينيًا وراثيًا، ينتقل الى الاطفال في حالة ما اذا كان الوالدان يحملان الجنية المشوهة المسببة للمرض من دون ان يصابا بها، ولكن الزواج يجعل هذه الجينة قادرة على احداث المرض لدى بعض الاولاد وليس كلهم.
ولقد اكتشف المرض عام 1882 على يد الدكتور كابوسي عندما لاحظ ظهور نمش او بقع لونية على وجو بعض الاطفال بعد تعرضهم لمدة سنتين لاشعة الشمس، ثم تحولت هذه البقع الى قرح سرطانية ادت الى وفاتهم في سن مبكر.
وتحدث تقرير طبي الماني عن اصابة الطفل فانسان كرامر في جنوب المانيا بهذا المرض وعمره 8 سنوات، ومع انه ولد طفلا طبيعيًا لكن عندما بلغ العامين من عمره لاحظ والداه ظهور نوع من النمش الغريب على وجهه وبقع سوداء تحت عينيه. ولم يكن صعبًا على الاطباء ان يكتشفوا وجود انسجة سرطانية ، كما قام طبيب الامراض الجلدية بتحديد نوعية الاصابة.
واجريت التحليلات المناسبة للابوين اللذين يبلغان ال48 من العمر، اي انهما من عمر واحد فتأكد انهما يحملان الجينات المشوهة التي سببت لابنهما مرض التقرح الجلدي الاصطباغي.
واحتاج الامر فترة من الزمن حتى ادرك الابوان خطورة مرض فانسان الذي قد يقضي عليه قبل بلوغه سن العاشرة من العمر. في اثناء ذلك اكد الاطباء على وجوب حمايته من التعرض لاشعة الشمس، وكان اول اجراء للحماية هو تغيير زجاج نوافذ البيت بنوع من الزجاج يحجب الاشعة فوق البنفسجية ويمنعها من التسلل الى داخل المنزل، وتم اجراء تغيير مماثل لزجاج السيارة وكان على فانسان البقاء حبيس البيت لانه لا يستطيع الخروج الا ليلا.
وعندما دخل المدرسة قدمت بلدية المدينة حيث تسكن عائلته الكثير من الخدمات فاعلمت ادارة مدرسته بمشكلته فتم تغيير زجاج غرفة الصف والمطعم حيث يتناول طعام الغداء، اما العلاج الطبي الوحيد له فكان متمثلا بنوع من الكريم يدهن به الاطراف التي لا يمكن تغطيتها اثناء السير مثل اليد لكن عليه استعماله كل ساعة ونصف الساعة.
الا ان ذلك ليس سوى علاجًا وقائيًا، والنتيجة هي عجز هذا الطفل عن ممارسة حياته بشكل طبيعي كما بقية الاطفال في سنه، اي لا خروج من البيت والقيام بنزهات واللعب في الحديقة، وعدم التعرض باي شكل من الاشكال للنور. ووسيلة التسلية لديه هي الالعاب التي يشتريها له والداه وجهاز الكمبيوتر.
وبدأ قلق اخر ينشأ وهو احتمال اصابته باعراض عصبية او نفسية يصعب على الابوين فهمها او التعامل معها، الى ان ظهرت فجوة صغيرة يمكن الاستفادة منها، هي ساعات الليل المقمرة حيث يخرجه والداه الى اي مكان يريد من دون قناعة او ملابس واقية. واطلق عليه في المدينة اسم طفل القمر لانه لا يستطيع الخروج الا في ضوء القمر الذي لا يلحق الاذى به لعدم وجود اشعةUV فيه.
ولقد وجد والدا فانسان ثمانية اطفال في المانيا يعانون من مرض ابنهما نفسه فاتصلا بعوائلهم من اجل تبادل الافكار والمعلومات واتصال الاطفال فيما بينهم، فهذا يخفف بعض الشيء من وطاة المرض عليهم.
واصيبت بمرض التقرح الجلدي الاصطباغي في بون سيدة في ال40 من عمرها، ولكي تتمكن من الخروج الى الشارع خلال النهار تلبس ملابس سوداء طويلة وتضع على راسها قبعة وتغطي وجهها وتضع نظارات سوداء على عيناها، ما اثار خوف الاطفال منها، لكنها في كل مرة تثير خوف طفل تتقدم منه وتمسك يده لتؤكد له بانها ليست شبحا بل انسان.
وعندما اصاب هذا المرض هانالورا كول زوجة المستشار الاسبق هلموت، وكانت من السيدات النشيطات اجتماعيا لم تتحمل تبعاته، وظل المستشار يخفي الامر وانقطعت زوجته رغم التزاماتها عن كل الانشطة حتى انها لم تحضر زواج ابنها. لكن لم يمض عام ونصف حتى اعلن عن انتحارها بتناولها كمية كبيرة من المهدئات، بعدها عرف كم عانت هذه السيدة من مرضها لذا وضعت حدا لحياتها.
ويتحدث الطب عن اكثر من نوع لمرض التقرح الجلدي الاصطباغي، والنوع الذي اصاب زوجة المستشار السابق كان الحساسة الفائقة جدا من الضوء حيث عانت منه الى درجة لم تعد تستطيع تحمل ضوء الشمعة، وبحسب التقرير الطبي يومها في الايام الاخيرة كانت مجبرة ان تضع نظارات سوداء داخل البيت وتغلق كل النوافذ كل لا يدخل اي ضوء اليه، وقال المستشار في مقابلة له بعد سنوات من وفاتها بانها تعذبت وتالمت كثيرًا، ولم يكن هنا اي علاج طبي لها.