الإفتاء المصرية تفتي بعدم جواز استخدام العلم الحديث في إثبات الزنا

أثارت فتوى أصدرتها دار الإفتاء المصرية أخيرا، بعدم جواز استخدام الوسائل العلمية الحديثة في إثبات جريمة الزنا جدلا فقهيا بين علماء الأزهر، وأوضحت الفتوى التي جاءت ردا عن تساؤل تلقته دار الإفتاء نصه «هل يجوز استخدام الوسائل العلمية الحديثة في إثبات جريمة الزنا؟».


وأشارت الفتوى إلى أن الوسائل العلمية الحديثة، ومنها تحليل البصمة الوراثية لا يرقى إلى مستوى الدليل اليقيني، وإنما يتطرق الشك إلى هذه الوسائل، لأنه قد يعتريها الخطأ، بينما نص القرآن الكريم على ضرورة وجود 4 شهود.

وقالت الفتوى: إنه نظراً لعظيم خطر هذه الجريمة وما يستتبعها من آثار عظيمة تثبت في حق المتهم وفي حق جماعة المسلمين، فقد احتاط الشرع احتياطا شديدا لها في إثباتها، ووضع شروطا دقيقة لترتيب العقوبة عليها، فلم يثبتها إلا بأحد أمرين أولهما اعتراف من المتهم أو أن يشهد أربعة شهود أنهم رأوا ذلك الفعل يحصل.

واستندت الفتوى إلى قول الله تعالى: (واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم)، وقوله تعالى (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون).

وأضافت الفتوى أن إثبات الزنا بغير طريقي الاعتراف أو 4 شهود عدول رجال، غير مقبول، لذلك يمكن القول إن التشريع الإسلامي يعتد بهذا الخصوص بما يعرف قانونا بنظام الإثبات المقيد، وهو يعني أن المشرع هو الذي يحدد الدليل الذي ينبغي أن يستند إليه القاضي في الحكم، ويعين مدى قوته في الإثبات، مما يعني أن الشرع قيد حرية القاضي وألزمه بالحكم بمقتضى طرق الإثبات المنصوص عليها شرعا.

ولم يتبع الشرع الإسلامي في حد الزنا، خاصة ما اتبعه في أبواب كثيرة من الأخذ بما يعرف حاليا قانونا بنظام الإثبات الحر أو بنظام الإثبات المعنوي الذي يقوم على الأدلة الإقناعية أو نظام الاقتناع الشخصي للقاضي الذي يعني ترك الحرية للقاضي في أن تكون القناعة بالحكم من أي دليل.

وفي تعليقه على الفتوى يقول الدكتور عبد الفتاح إدريس، رئيس قسم الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر والخبير بمجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة: إن جريمة الزنا من الجرائم القبيحة التي شددت شريعة الإسلام في العقوبة عليها.

مؤكدا أن تحليل البصمة الوراثية حمض DNA لإثبات جريمة الزنا يعد من قبيل القرائن القوية في إثبات هذه الجريمة، لكن هذه القرينة لا تعمل بمفردها لإثبات هذه الجريمة، وإنما لا بد من إقرار الفاعل أو المفعول به عند إنكار الطرف الآخر وقوع هذه الجريمة، ولهذا لا يعتد بتحليل حمض DNA أو العامل الوراثي في إثبات هذه الجريمة مستقلا، ولا يستغنى بهذا التحليل عن شهادة الشهود رغبة بدرء الحد بالشبهة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«ادرؤوا الحدود بالشبهات» ولهذا لم يقم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الحد على أحد بقرينة، وإنما أقامها بإقرار الجاني على نفسه بارتكاب الفاحشة.

وقال الدكتور إدريس إنه إذا أقر أحد طرفي جريمة الزنا بارتكاب الفاحشة وأنكر الآخر، فإن تحليل العامل الوراثي في هذه الحالة يكون له دور في إثبات وقوع هذه الجريمة من الطرف المنكر أو نفيها عنه إذا أنكر، أما إذا انتفى إقرار مرتكبي الجريمة بارتكابها فلا يمكن أن تثبت هذه الجريمة النكراء إلا بالشهود الأربعة، ولا تثبت بحال من الأحوال بتحليل العامل الوراثي، وذلك لأنه يعد في هذه الحالة دليلا قاصرا.

واختتم الدكتور إدريس قائلا: إن الله تعالى اشترط لإثبات جريمة الزنا في حق الفاعل والمفعول بها أربعة شهود من الرجال العدول الذين تتوفر فيهم شروط الشهادة، والذين تتحقق بهم رؤية الواقعة ووقت وقوعها من دون ريب أو شك، وفي ذلك يقول الله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون)، وقول النبي، صلى الله عليه وسلم، للرجل الذي ادعى على امرأته (ويدعى عويمر العجلان) إنها زنت: البينة أو حد في ظهرك ومعنى ذلك أن البينة هي الشهود الأربعة.

بينما يرى الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر: أن الفتوى تستند إلى ما حددته الشريعة الإسلامية في إثبات جريمة الزنا مثل اعتراف المتهم أو أن يشهد أربعة شهود أنهم رأوا ذلك الفعل يحصل، لكن في ظل التقدم العلمي الهائل وما وصل إليه العلم في يومنا هذا من حقائق ومسلمات، تؤكد صدق النتائج، ما المانع أن يكون العلم الحديث وسيلة إثبات لجريمة الزنا، طالما تأكدنا بنسبة مائة في المائة أن نتائج هذه التحاليل التي يجريها المختصون في هذا الصدد يقينية ومضمونة ولا يعتريها الشك.

وتابع الشيخ عاشور قائلا: وبالتالي نكون باستخدام الوسائل العلمية الحديثة قد وفرنا جهودا مضنية لإثبات هذه الجريمة الشنعاء فضلا عن كون أن ديننا الإسلامي هو دين العلم.