«الشربة» و«البريك» .. على كل مائدة رمضانية في تونس
«صحة شريبتك» هذه العبارة مرهونة بشهر الصيام في تونس وهي العبارة التي يتداولها كل أفراد العائلة التونسية خلال شهر الصيام، وهم يلقون التحية على بعضهم البعض بعد تناول وجبة الإفطار. والأصل في هذه التحية الرمضانية الخالصة أن المائدة الرمضانية في تونس لا تخلو من الشربة وهي وجبة أساسية يجتمع حولها الفقراء والأغنياء على حد سواء.
وإذا كان هذا الطبق السائل يرافق شهر رمضان ولا يختفي من مائدته طوال الشهر، فإنه قد يختفي في بعض أشهر السنة ولا يعود بقوة إلا خلال الأشهر الشتوية الباردة. ويتكون طبق الشربة من حساء سائل قد تكون مكوناته الأساسية من الشعير المرحي أو المكرونة «لسان العصفور» كما يسميها التونسيون، أو كذلك من الحلالم المصنعة بطريقة يدوية، لمن يحنون إلى الإرث الغذائي التقليدي.
وتطبخ الشربة بلحم «العلوش» (الخروف) أو بلحم الدجاج، وقد تكون كذلك بالأسماك. وهذه المكونات هي التي تصنع الفارق بين عائلة وأخرى.
وتعد الشربة بذلك طبقا رئيسيا لدى كل العائلات التونسية من دون استثناء، وهي لن تغيب عن المائدة ولا يمكن التضحية بها البتة، بل إن بعض مكونات المائدة الأخرى قد تختفي، أما الشربة فهي صامدة على مر العقود، ويعتقد التونسيون أن الجوف الفارغ طوال اليوم بإمكانه هضم الشربة بسهولة، وهي التي توفر للجسد الكثير من السوائل التي تقيه لاحقا سوء الهضم.
وإلى جانب صحفة الشربة الساخنة، يترافق شهر الصيام في تونس مع كعبة «البريك» وهي مادة استهلاكية أساسية في رمضان وتكاد المائدة لا تخلو منها، بل إن البريك أصبح مصاحبا أساسيا لرمضان حتى أن الأطفال الصغار يغضبون إذا لم يتناولوا البريك المرتبط اسمه بشهر الصيام، ولا يعرف على وجه الدقة الأصول الغذائية لكعبة البريك، إلا أنها أصبحت من ثوابت المائدة التونسية في رمضان.
وتختلف طريقة إعدادها من جهة إلى أخرى، وهي تعتمد على طريقتين في إعدادها، قد تكون مقلية في الزيوت، وقد يقع اللجوء إلى الفرن لطبخها، والأطباء ينصحون باستهلاكها عن طريق الفرن فذلك أسلم للمعدة، إلا أن عديد العائلات التونسية تعودت على عادة طبخها مقلية في الزيوت النباتية العادية مع العمل على تجفيفها من تلك الزيوت قبل استهلاكها.
ولعل «البريك» قد اتخذ نصيبا مهما من شهرته من شكله المثلث، فعلى الرغم من استنباط أشكال جديدة انطلاقا من الورقة الرهيفة من العجين المخفوق الطري، فإن الشكل الثلاثي الأصلي بقي الأكثر انتشارا والأكثر طلبا من قبل أفراد العائلة.
وتختلف مكونات البريك حسب المناطق وحسب الظروف الاجتماعية للعائلة. فإذا كان ظاهر البريكة لا يظهر الشيء الكثير من المستوى الاجتماعي للعائلة، فإن باطنها يشي بالكثير ويحدثنا بما لا تراه العين، فالبريكة العادية تلجأ لها العائلة العادية لملء الفراغ في الطاولة وإعطاء أفراد الأسرة غذاء دسما وقويا يسكت الجوع ويقضي عليه.
لذلك تقلل العائلة المتوسطة الدخل من التن ولا تلجأ إلى الجبن المرحي وتتغافل عن الكبار وتخلط المعدنوس (البقدونس) بالبيض المتوفر لديها من دون مراعاة مبدأ بيضة كاملة لكل كعبة من البريك، وتغطي عن النقص الحاصل في حشو البريكة بالكثير من البطاطا المسلوقة.
أما البريكة الملكية عادة ما تكون مكوناتها من البيض (بيضة كاملة في البريكة الواحدة) والقليل من المعدنوس (البقدونس) والجبن المرحي والتن المصبر والكبار، وهي بذلك تمثل وجبة دسمة قد تعوض بعض مكونات المائدة الأخرى. ويقول حسن بن عثمان (الصحافي بجريدة الصحافة) في خاطرة تناولت هذا الموضوع «البريكة مع الشربة من أساسيات طاولة رمضان في الإفطار عبر مختلف مناطق البلاد».
ويضيف «تطور حشو البريكة وصار على أصناف وأنواع حسب الأذواق والإمكانيات، لكن البريكة ظلت عنوانا من عناوين رمضان تدل عليه وتذكر به في غيره من الأيام ذات الصبغة الاحتفالية».
وهذين الطبقين مهمين في المائدة الرمضانية التونسية، حيث إن العائلة التونسية لا تتخلى عن عاداتها الغذائية بسهولة، فالبريكة والشربة موقعهما أساسي، ولا يمكن التغافل عنهما، وهذا الأمر واقع ملموس منذ أكثر من 45 سنة تاريخ بداية صيامي.
ويرتبط كثير من التونسيون في شهر الصيام ببعض العادات الغذائية الأساسية من بينها الشربة والبريكة، وكذلك تناول القليل من اللبن أو الحليب مع القليل من التمر على عادة الأولين.
وتلاحظ من ناحية أخرى أن البريكة والشربة تختلفان من عائلة إلى أخرى والاختلاف بينها على ارتباط وثيق بما تحتويانه، عندها قد لا تجوز المقارنة.