عندما يصبح طبق الطعام السوداني "سفيرا" لبلده في شهر رمضان
هل يمكن ان يصبح صحن طعام "سفيرا"، على نحو ما، لبلد بعينه؟ وهل يعكس بأي مستوى ثقافة ذلك البلد أو يضيء جانبا من خصائصه، ليس الغذائية فحسب، بل ابعادا اعمق من ذلك.
وهل من ميزات في طبق ما تضعه ليكون سببا في كشف جوانب خفية تحبب كثيرين في ذلك البلد؟
هذه الاسئلة وغيرها تدور في ذهن اثناء الجميع سواء كانوا في العاصمة الفرنسية باريس، أوفي مدينة جنيف السويسرية أو حتي في مدينة الخرطوم .
وحقيقة، فإن زيارة سريعة لمعظم المطاعم الافريقية في باريس، سواء كان المطعم سنغاليا او جزائريا، او حتى "استاند" (كشك) لتناول ساندوتشات شاورما يديره شباب تونسيون يفيضون رقة وتهذيبا، تؤكد جميعها امكانية ان ينجح القائمون على شأنها، بما يقدمون من طعام شهي واصناف متنوعة، تصحبها رقة وظرف في التعامل، في تقديم صورة زاهية عن بلادهم، صورة يمكن ان تغاير كثيرا ما يعلق بالذهن من مظاهر الفوضى والإزعاج وسوء النظام التي تبرز للعيان وهي تصبغ مظاهر الحياة في شوارع احياء كاملة تسكنها جماعات من سكان المستعمرات الفرنسية السابقة سواء من دول غرب افريقية او من شمالها الغربي .
كذلك في مدينة مونترو السويسرية، التي تشتهر بجمال وهدوء رائعين، فإن اكثر ما يعلق بالذهن زيارة لمطعم مغربي يقع على ساحل بحيرة جنيفا، التي تمتد لما بعد حدود المدينة الصغيرة واسعة الثراء.
هذا المطعم يعكس عظم الدور الذي يلعبه المطبخ المغربي في تشجيع السياحة للمملكة المغربية، وفي جذب الاهتمام لتنوع مهارة المطبخ المغربي وثرائه بالإضافة لفخامة المعمار المغربي، اذ نجح القائمون على شأنه في نقل الزائر لمدينة سويسرية اوروبية لـ "أجواء مغربية بحتة" تبدو متوسعة حتى اطراف المشرق والعالم الاسلامي، مع خلطة تمزج وتستفيد مما يوفره السوق المحلي من تنويع.
خواطر كتلك وغيرها، شجعت الجمال نت علي تقديم بعض الاطعمة السودانية، التي نحبها في الغربة، وإن اضطررنا لاستبدال بعض مكوناتها لعدم وفرة مكوناتها، إلا أن ذلك أدى للاتجاه لبدائل من السوق المحلية. الوصفات ليس "هجينا" بل هي وصفات سودانية تقليدية مع بعض الاضافات. وفي هذه المرة، بحكم الموقع الجغرافي، فان الاضافات (نمساوية - أو قل أوروبية) تتوفر في الاسواق بالعاصمة فيينا، وبأسعار ارخص كثيرا من بلاد مصدرة. وكمثال سريع، فإن ثمن الاناناس في فيينا ارخص كثيرا من الاناناس بالسوق الكبير في الخرطوم، رغم ان الاناناس ينتشر نموه في جنوب السودان عشوائيا، وكذلك المانجو .
من اشهر الاطعمة السودانية على الاطلاق، وشهر رمضان على الابواب، طبق "العصيدة بالملاح" (بضم الميم) – أي العصيدة مع الملاح. ويتم اعداد العصيدة في السودان عموما من دقيق الذرة المطحون، وبما ان ذلك لا يتوفر لكثير من الأسر المهاجرة، فقد "تفننت" ربات البيوت السودانية في اعداد العصيدة من خلط اللبن الزبادي، وتقويته ليتماسك بإضافة معلقة او اثنتين من مسحوق الكورنفلور محلولة في ماء بعد رش ذرة من ملح .
كذلك يمكن اعدادها باستخدام دقيق "السامولينا" مع الماء فقط وقليل جدا من الزبدة ورشة ملح وقليل من السكر، فيما يتواصل التقليب على نار هادئة. أما النتيجة فرائعة اذا تم التوفيق في اخراجها بقوام "وسط"، ليس ثقيلا او خفيفا، ثم تقديمها بعد تشكيلها في واحد من القوالب ذات الاشكال الجميلة والحديثة. وما رأيكم لو تم تزيينها بإضافة قطع من الخضروات والخس الملون. وأعرف نساء أعددنها مرة على شكل شجرة ضمن الاحتفال بأعياد الميلاد، وكثيرا ما رسمن عليها علم البلاد، أو كتبن عليها عبارات تناسب الضيف.
أما "الملاح" - او "الصوص"، الذي تكسى به العصيدة، فتقليديا يتم اعداده بخليط من اللحم الناشف المدقوق مع بصل ناشف وطماطم وقليل من الماء والبهارات. ثم تضاف في اللحظات الاخيرة كمية بسيطة جدا من "الويكة"، وهي بدرة الخضار المعروف بالبامية او "اصبع السيدة".
ومما يجدر ذكره ان كثيرات من المغتربات السودانيات تغلبن على عدم وفرة تلك المكونات جافة باستبدالها بأخرى طازجة، وذلك باستخدام كمية من اللحم المفروم مع كمية مماثلة من البصل المفروم أيضا.. ويا حبذا لو تم تحميره للحصول على مذاق ونكهة اجود قبل النضج بقليل تضاف كمية معقولة من الطماطم، ثم يبهر الخليط ويتم مزجه جيدا ليصبح ناعما. واستفادة مما توفر الاسواق النمساوية نضيف اليه بضع ملاعق من مسحوق الفلفل الاحمر غير الحار الذي يكسب الخليط لونا جميلا ونكهة اكثر جمالا. كما يمكن اضافة ملعقة او اثنتين من الكريمة المملحة مما يزيده نعومة ودسما.
وفي الختام، وبعد تهدئة النار، يقوى الخليط بإضافة معلقة او اثنتين من "الويكة" وهذه يمكن استبدالها بمسحوق الارز. لكن الويكة تظل هي الافضل، لا سيما أنها، في ظل العولمة، اصبحت متوفرة في معظم الاسواق الكبيرة. وقد اشتريتها من سوق "الناش ماركت" بفيينا منظومة على شكل عقد. وقد ذكر التاجر انها تأتيهم من سورية، وبجانبها كانت هناك انواع اصغر تباع في أكوام، ويستوردونها من غانا.
وبذكر رمضان لا بد من المرور على سيرة مشروب "الحلو مر". والكلام عنه كما مسلسل متتابع الحلقات، فقبل حلول الشهر الكريم بأكثر من شهر أو شهرين، تبدأ النساء عادة في تحضير مشروباته التي تتطلب عناء في الإعداد، وضمن هذه القائمة مشروب "الحلو مر" - واسمه "ذكي" لأنه يشرح ما فيه من حلو ومن مر. وهو مشروب يتكون من عناصر تجمع بين البهار والذرة «المخمرة»، وله نكهة مميزة، وتأثير فاعل في إبعاد العطش عن الصائم نهار اليوم التالي، وهناك عناصر أخرى يدخل فيها "قمر الدين"، وتتبارى المحال التجارية في عرضه قبل أشهر من رمضان، وهناك «اللقمة».
لكن المشكلة مع "الحلو مر" بالنسبة لمن يعيشون في الغربة هو أن صناعته غير ممكنة في الخارج ولكن ربما يبعث الأهل من البلاد طردا يحوي من رقائقه كمية تكفي، إذا مر الطرد من أعين الجمارك وتفتيش الأغذية في المطارات.
ومن جانب آخر تعتبر المانجو من احلى واكثر الفواكه انتشارا في السودان. وهناك منافسة حامية بين "مانجو" (منقة) النيل الازرق القادمة من جهات سنار والدمازين، وتلك القادمة من شمال السودان من منطقة شندي. أما منقة الشرق "الكسلاوية" فهي مميزة الطعم والنكهة، وغنى لها المطربون اعجابا بلونها وطعمها وشكلها .
وفي فيينا يتم تقديم المانجو كطبق تحلية (ديزيرت) على طريقة ال موس mousse ويتكون من المانجو بعد خلطها صافية. والأسهل لو أمكن الحصول على خليط طازج معلب من النوع الذي يطلق عليه pulp تضاف اليها علبة من اللبن المسكر ثم كمية من الكريمة. ويفضل اللبن المضروب. بخلط هذه المواد الثلاث خلطا خفيفا باليد فقط يمكن الحصول على "حلو" فاخر لا يحتاج اعداده سوى بضع دقائق مع مراعاة منحه بعض الوقت للتماسك طبيعيا. لذلك ننصح ان يبيت ليلة في الثلاجة (البراد) .
وعن المشروبات، فالأولوية سودانيا للكركدي، الذي يعتبر مؤهلا تأهيلا طبيعيا للمنافسة عالميا سواء بتقديمه وفقا للطريقة التقليدية بوضعه في كمية من الماء ثم تحلية عصارته، او بإضافات لإدخال نكهة مع الاحتفاظ بلونه المميز، وذلك بخلطه بحبات من ثمار الجوافة او الأناناس او النعناع او الفانيليا .
كما يمكن اعداد عصير الزنجبيل منزليا بعد خلط كمية طازجة منه خلطا ناعما جدا وتصفيته. ويمكن استخدام ماء عادي او ماء غازي، ثم تحليتهما، مع اضافة قطرات من عصير الليمون وحبات من القرنفل.
صينية السمك
يزخر نهر النيل بفرعيه الابيض والازرق، بانواع من الاسماك الشهية، ولا يعتبر النيل هو المصدر الوحيد للاسماك في السودان، بل ينافسه البحر الاحمر بانواع اخرى اكبر حجما، وأكثر زخما من حيث اللحم والعظم , مما يجعل المطبخ السوداني ثريا ومتنوعا من ناحية اطباق الاسماء المحمرة أو المقلية في الزيت وتلك الأكثر انتشارا، أو المصنوعة على طريقة "صينية السمك" وهي من الطبخات النادرة التي تفرح الزوجة ان وصفها زوجها، بأنها تماما كصينية السمك التي كانت تعدها أمه، ما يعني انها مسبكة تماما. يمكن اعداد صينية السمك على الطريقة السودانية بشكل سهل وسريع، وبالطبع يمكن اضافة بعض المواد غير المستخدمة كثيرا في السودان من دون ان يقلل ذلك من مذاقها .
المقادير
تكفي حوالي اربعة اشخاص نصف كيلو سمك اهم مميزاته ان يكون خاليا من الاشواك، ويستحب استخدام العظم لما يضفيه من طعم خاص , لذلك يفضل السودانيون سمك " العجل".
ملعقتا طعام زيت نباتي - حبات طماطم متوسطة الحجم - قطع بطاطس متوسطة الحجم - بصلة كبيرة. - فصان من الثوم - ملعقة زبيب ويمكن اضافة حبات من البرقوق الجاف أو قطع صغيرة من قمر الدين .
- ملعقة كبيرة من خلاصة العرديب، وان لم يتوفر يمكن استخدام قليل من عصارة الرمان .ملح وقليل من البهار، ويفضل الكمون او الشمار على وجه خاص.
- نصف كوب عصير صلصة طماطم .
الطريقة
يقطع السمك الى قطع متساوية وترص على صينية من النوع الذي يتحمل نار الفرن.
يقطع كل من البصل والطماطم والجزر إلى شرائح رفيعة وتوزع كطبقات تغطي السمك .
يرش الجميع بالبهار والزبيب والبرقوق وقطع القمردين والعرديب او عصير الرمان، ويستخدم كل من العرديب او الرمان لطعمه الحامض وكونه يتفاعل جيدا مع الطعم الحلو الذي يمتاز به كل من القمردين والزبيب والبرقوق .
بعد ذلك تغمر الصينية بعصير صلصة الطماطم ثم يضاف قليل من الزيت بغرض اكساب الصينية لمعانا .
تطهى في فرن متوسط الحرارة لحوالي 45 دقيقة وقبل النضج بحوالي 3 دقائق يضاف الثوم المدقوق بحيث يحتفظ بنكهته الزكية .
ويمكن ان تقدم ساخنة او باردة، وان كان السودانيون يفضلونها ساخنة.