شركة مخصصة للتسوق تساعد في التغلب على رهبة «السوق الكبيرة» في تركيا
وقفت كاثي هاميلتون، فتاة اجتماعية يبلغ طولها 6 أقدام وتنتمي إلى ولاية تكساس، بالقرب من مدخل محل «عثمان للمنسوجات والأقمشة» في «السوق الكبيرة» بإسطنبول، حيث كانت تنصت إلى شكوى مالك المحل من تلاشي العملاء على نحو مفاجئ.
كان المحل يعج بدثر وستائر تركية تقليدية وقفاطين عثمانية الطراز مصنوعة من الحرير والقطن والمخمل، وتتميز جميعها بالزخرفة الشديدة، أما عثمان فكان يجلس على سجادة، متحدثا التركية بطلاقة.
من جهتها، وقفت هاميلتون تنصت إلى حديثه وتومئ برأسها في إشارة لتعاطفها مع حديثه، بينما أخذت تتحسس بأصابعها عددا من المنسوجات قديمة الطراز المطرزة على نحو دقيق وتحمل ظلال اللون الذهبي، وبلغة تركية فصيحة، أجابت صاحب المحل محاوِلة بث الطمأنينة في نفسه، ومنوهة بأن الاقتصاد الأميركي ـ على ما يبدو ـ بدأ في التعافي، الأمر الذي سيساعد بدوره في تحسين الأوضاع بالنسبة للتجار الأتراك.
في تلك الأثناء، كان جون أتويل يجوب أنحاء المحل، وشرع في تفحص عشرات القفاطين المصنوعة يدويا، المعلقة على قضيب معدني في الجزء الخلفي من المتجر، بينما شرعت زوجته سيريان في تبديل «حفاضة» طفلهما الذي لا يتجاوز عمره أربعة أسابيع.
يذكر أن جون وسيريان كانا بين عملاء هاميلتون خلال تلك الرحلة التي جرت منذ وقت قريب إلى «السوق الكبيرة»، وهي عبارة عن شبكة من الممرات المعقدة والشوارع المتعرجة المزدحمة بما يزيد على 4 آلاف متجر، وتعتبر السوق أحد أبرز المزارات السياحية في إسطنبول.
تتولى هاميلتون، التي تعيش في إسطنبول حاليا، إدارة شركة للتسوق الشخصي للأجانب الراغبين في زيارة السوق وشراء بُسط ودُثر تركية تقليدية وحلي فضية ومصنوعات خزفية، لكن ينتابهم شعور بالرهبة حيال الطابع الجغرافي المعقد للسوق وممراتها الكثيرة.
من جهتها، علقت سيريان أتويل على السوق، خلال الاستعداد لخوض جولة بداخله، بقولها: «إنها ضخمة للغاية بالنسبة لي».
وتعمل سيريان لصالح شركة بريطانية تستورد ملابس تركية إلى الولايات المتحدة، بينما يتولى جون إدارة موقع على شبكة الإنترنت حول حياة الغربة في إسطنبول.
خلال العامين اللذين قضاهما بالمدينة، اختلس الزوجان النظر إلى «السوق الكبيرة» مرة واحدة فحسب، ولم يرقهما.
عن ذلك، قالت سيريان: «لم أدرِ إلى أين أذهب، وبدا لي أن المتاجر كافة تضم ذات السلع»، موجزة الشعور بالعجز التام الذي يهيمن على غالبية السائحين عندما يتخذون خطواتهم الأولى إلى داخل السوق.
وأعربت سيريان عن أملها أن تساعدها جولتها في السوق برفقة هاميلتون على التجول فيها بسهولة أكبر في المستقبل.
يمتد الحي الذي يضم السوق، والذي يعد مختفيا في الجزء الأكبر منه عن الأنظار، من أمينونو، حوض السفن التجارية بالمدينة والواقع فيما يعرف باسم «القرن الذهبي»، ويمتد بطول الجانب الشمالي من المدينة القديمة وصولا إلى ديفان يولو، وهو شارع تاريخي تكتنفه الأشجار يربط بين «المسجد الأزرق» وجامعة إسطنبول.
في الجزء الأدنى توجد «السوق المصرية»، وهي سوق للتوابل تتميز بألوانها المتعددة، بين منتجاتها مسحوق كري هندي وبندق تركي، وبالقرب من ذلك توجد مجموعة من المستودعات والورش، أما على رأس التل فتوجد «السوق الكبيرة» المتميزة بمصنوعاتها اليدوية وحليها رفيعة المستوى.
تجدر الإشارة إلى أن تاريخ بناء «السوق الكبيرة» يعود إلى عهد السلطان محمد الثاني بعد غزوه ما كان يعرف حينذاك بمدينة القسطنطينية عام 1453 ميلادية.
وتشتهر السوق كذلك باسم «السوق المغطاة»، وتنتشر أزقتها الضيقة على نحو يجعلها أشبه بالمتاهة، بينما تحمل جدرانها زخارف بالآجر الخزفي، أما المركز التاريخي القديم للسوق فيتميز بأسقفه الرائعة المبنية على شكل قباب.
بالنسبة لجولة التسوق التي تنظمها هاميلتون فإنها تبدأ من بوابة «جامع نور عثماني»، أحد أقل المداخل إلى «السوق الكبيرة» ازدحاما.
قبل أن تشرع في الدخول، تحرص هاميلتون على الإشارة إلى مبنى مؤلف من طابقين يقع على الجهة اليمنى، ويضم الكثير من مخازن النحاس، حيث يمكن للمرء شراء مصنوعات نحاسية بسعر الجملة، حسبما توضح هاميلتون. يمثل هذا تحديدا السر الأكبر وراء التسوق هنا: معرفة أين وماذا وبأي سعر تشتري.
في أثناء تجول المجموعة المرافقة لها عبر «السوق الكبيرة»، تحدثت هاميلتون قائلة: «زرت تركيا للمرة الأولى في أعقاب الانقلاب العسكري عام 1980»، ورغم مشهد تمركز الدبابات في الشوارع، دفعها أمر خفي لمعاودة زيارة تركيا مرارا.
عام 1988، في سن الـ40، انتقلت هاميلتون للعيش في إسطنبول وتزوجت تاجرا تركيا يعمل بمجال الدثر والبسط في خضم ما تصفه بأنه «أزمة منتصف عمر مثمرة للغاية»، الآن، زارت هاميلتون «السوق الكبيرة» وعددا من المرات يصعب حصرها، وباتت تألفها تماما.
وأضافت هاميلتون: «ظللت أتجول في الجوار وأطوف المتاجر وأتحدث إلى الكثير من أصحاب المحال.
في الواقع إنني شخصية فضولية، كثيرا ما أقترب من الناس وأسألهم عما يفعلونه».
قادت هاميلتون جون وزوجته إلى محل فنان يرسم يدويا أشكالا ذهبية على أوراق نبات ديفنباخيا مستوردة من فلوريدا.
من بين التجار الآخرين المفضلين لديها تاجر يبيع رسومات بالغة الصغر على أوراق عتيقة مرققة القوام.
في نهاية زقاق آخر، اصطحبت الزوجين إلى متجر رائع يضم شتى السلع، وانبهر جون وزوجته سيريان بميزان نحاسي شديد الضآلة كان يستخدمه التجار فيما مضى لوزن العملات والتأكد من أنها غير زائفة.
في هذا الصدد، أشار الزوجان إلى أنه لدى مولد طفلهما تلقيا عملة ذهبية من أحد الزملاء، وفقا للتقاليد المحلية، ووجهتهما هاميلتون إلى محل يمكن تقييم العملة به.
زارت المجموعة أيضا بعض الأركان المثيرة للفضول في السوق، مثل «سوق المال»، وهي عبارة عن ممر مظلم يجري به الاتجار على نحو غير قانوني في العملات، وتبدي السلطات المعنية من جانبها تساهلا حيال الأمر.
اليوم، يبدو الممر هادئا، في مؤشر على أن الليرة التركية تحظى بيوم مستقر في مواجهة العملات الأجنبية، وشرحت هاميلتون للزوجين أنه عندما تشهد قيمة الليرة ارتفاعا بالغا يفد الكثيرون إلى هنا لمقايضتها بدولارات ويورو.
وأوضحت هاميلتون في إشارة إلى «السوق الكبيرة» أن «هذا المكان أشبه بمدينة قائمة بذاتها، تضم السوق قسم شرطة ومكتب بريد ومساجد خاصة بها».
كانت المحطة الأخيرة في الجولة المحل الذي يملكه عثمان، الذي يبعد إلى حد ما عن الطريق المعتاد للسوق.
وتبدي هاميلتون تفضيلها لاصطحاب عملائها هناك نظرا لارتفاع مستوى جودة السلع المعروضة، علاوة على جهاز مكيف الهواء الذي يوفر بعض الراحة من حر صيف إسطنبول.
وفي الوقت الذي تتميز بعض السلع برخص سعرها، فإن الكثير من بضاعة المحل عبارة عن منسوجات قديمة وغالية.
الملاحظ أن مسألة الوصول إلى سعر مناسب قد تكون مثيرة للإحباط على نحو خاص بالنسبة للأجانب، نظرا لأن التجار الأتراك يتوقعون من المشتري الدخول في مساومات.
واشتكت سيريان من هذا الأمر بقولها: «لا توجد أسعار قط بهذه المتاجر، ولا أدري ما التكلفة المفترضة للسلع».
لحسن الحظ، تتولى هاميلتون عملية المساومة نيابة عن عملائها.
وأوضحت أنه «بمجرد أن يدرك التجار أنني أتحدث التركية تنخفض الأسعار»، إلا أنه خلال الجولة التي قاما بها، تشتت انتباه جون وزوجته بسبب طفلهما وفشلا في الاستفادة من مهارات هاميلتون في المساومة.
على النقيض، حرصت نانسي فويي من الاستفادة منها تماما، فبعد ثلاثة أيام فقط من الجولة التي قام بها جون وسيريان، شرعت نانسي، التي تعيش في غرينويتش بولاية كونيكتيكيت، في شراء حقائب لليد وآنية خزفية وحلي وسجادة، حيث اقترب إجمالي ما أنفقته من 1600 دولار.
من جهتها، نوهت هاميلتون بأن أكبر مبلغ أنفقه أي من عملائها على الإطلاق في جولة واحدة كان 20 ألف دولار.
يذكر أن فويي تقاعدت من عملها في «وول ستريت» مؤخرا وتعيش حاليا في إسطنبول مع ابنتها إيميلي المتخرجة حديثا في الجامعة.
وقالت فويي: «أوصى أصدقاء لنا بالاستعانة بهاميلتون، باعتباري سائحة، أود مشاهدة المزارات السياحية، وعدم إهدار وقتي بأكمله في التسوق، كانت هاميلتون مرشدة كفئا للغاية بالنسبة لنا لتميزها بالقدرة على التجول بهذا المكان الهائل بيسر وسهولة».
نظرا لأنها لا تحصل عامة على عمولات من التجار، لا تواجه هاميلتون ضغوطا لدفع عملائها على إنفاق المال، مما يجعلها قادرة على التعامل بسهولة مع نزعة التسوق القوية لدى فويي وميل جون وزوجته للاكتفاء بالمشاهدة.
على الجانب الآخر، ورغم عدم شرائها شيئا يذكر، ترى سيريان أن جولتها برفقة هاميلتون كانت موفقة، وأضافت: «أشعر بارتياح أكبر الآن بالتأكيد، وأرغب في معاودة زيارة المتاجر التي أشارت إليها هاميلتون .. ذلك إذا ما تمكنت من الوصول إليها».
تجدر الإشارة إلى أن تكلفة القيام بجولة مع هاميلتون تبلغ 225 دولارا للمجموعات التي يصل عددها إلى أربعة أفراد، علاوة على مصاريف التنقل والطعام.
ويمكن الاتصال بهاميلتون عبر موقعها الإلكتروني: http://www.istanbulpersonalshopper.com