«البروتيوم».. أبحاث جديدة حولها ستحدث ثورة طبية بعد إنجاز الجينوم البشري
إن ما يشهده العالم، اليوم، من ثورة في العلوم الطبية قد تتجاوز آثارها حتى الآن اكتشاف المضادات الحيوية، ويعتبر يوم 26 يونيو 2000 أول انتصار كبير للتكنولوجيا الطبية منذ واحد وعشرين قرنا، عندما أعلنت التكملة الأولى من مشروع الجينوم البشري، والخريطة التي وضحت للعالم بأسره ثلاثة مليارات من رسائل الشفرة الجينية genetic code.
وقد فتح هذا آفاقا أمام ظهور الكثير من النظريات والتطورات العلمية والتقنية الحديثة في أبحاث الجينوميات genome لمحاولة لفك أسرار جميع الجينات في الكائن الحي، كما فتح الآفاق لدراسات البروتيوم proteome، الذي يهدف، في أبسط تعريف له،إلى الكشف عن سائر البروتينات ووظائفها.
وبما أن الجينات هي ببساطة مخططات للبروتينات، التي بدورها تبرز كأهم ما في الجسم، فبالتالي فإنها تعتبر خطوة منطقية بدون أدنى شك للوصول إلى الثورة في العلوم الطبية مع الآثار التي تفوق بكثير تلك التي توصل لها العلماء في بحوثهم الجينومية.
دراسات البروتينات
العالمة السعودية في أبحاث الفيروسات بجامعة لندن الدكتورة إلهام طلعت قطان، تشير في البداية إلى أن علم البروتيوميات سيكشف الآليات الكامنة للأمراض، مما يؤدي إلى استحداث واكتشاف علاجات ذات صلة وثيقة بالمرض وليس بالسبب أو ما يعرف بقناع الأعراض symptoms masks.
واستشهدت بقول أندرسون سكوت باترسون، رئيس مشروع البروتيوميات في روكفيل، ماريلاند بالولايات المتحدة، إن علم البروتيوميات معرفة جديدة سيكون لها تأثير على اكتشاف وتطور العقاقير الطبية، وأنه يعتقد أنه سيكون هناك رد فعل إيجابي للجهات العلمية المختلفة تجاه هذا العلم.
ورغم ذلك فإن علم البروتيوميات خطير، وما زال يعاني من القيود التكنولوجية اللازمة لعزل وتوصيف البروتين التي لا تزال معقدة وحساسة جدا، إضافة إلى كبر مساحة هذا العلم وألغازه.
وعلى الرغم من أن بعض الباحثين والمؤسسات الأكاديمية والصناعية بدأت تستهدف جهودا كبيرة لمعالجة قطع صغيرة من البروتيوم، فإنه لا شيء يشبه الجهد المنظم في فك شفرة الجينوم البشري، وبعد الانتهاء من الجينوم البشري تعطي البروتيوميات نقطة البداية.
إن الكثير من التقنيات الجديدة التي ظهرت في السنوات القليلة الماضية تجعل من السهل العثور والتعرف على البروتينات ووصفها تفصيليا، وبالشكل الذي يوفر للباحثين أداة قوية لفهم كنه المكون البشري بالمعنى الشمولي الواسع.
وظائف البروتينات
وتعتبر البروتينات أكثر تعقيدا من الحمض النووي Nucleic acid على عدة مستويات وعدة أوجه من حيث أن الحمض النووي يتكون من أربع قواعد نيتروجينية أساسية فقط: أديناين، جواناين، السياتوزين وثايمين أو يوراسيل في بعض الكائنات الحية، ونحو عشرين توليفه مختلفة من الأحماض الأمينية المختلفة، التي تتشكل منها البروتينات البشرية وفي المقابل، فإن الترميز للبروتينات بالأشكال ثلاثية الأبعاد يعتبر مهما في تحديد وظيفة البروتين، التي تبدو بلا نهاية.
وللأهمية فإنه يجدر الذكر أن البروتينات هي التي توفر البنية الأساسية لكل الخلايا وتتيح لها التحرك.
وتشير تقديرات الباحثين لعدد البروتينات في الفرد الواحد من البشر إلى أنها تتراوح ما بين 60000 إلى الملايين حيث لم يتم تحديدها إلى الآن.
وتتداخل البروتينات بالمعقدات التركيبية والمسارات الحيوية للكائن الحي كما خلقت بالشكل الذي يساعد في تكوين علاقاتها بين بعضها بعضا بشكل متجانس أو غير متجانس، الأمر الذي به تكتمل به منظومة الكائن الحي.
أدوات تحليل
إن معرفة التراكيب الجزيئية للبروتينات يساعد في إعطاء وصف كامل لهيكلة المواقع النشطة في البروتين مما يؤدي بالتالي إلى التطوير والتحديث لفهم الأمراض ومسبباتها وتطوير العلاجات.
وحينئذ فإن بحوث الجينات والبروتينات تعتبر مكملة لبعضها بعضا على الوجه الذي به تتفاعل بأكثر الطرق لتكوين معقدات متشعبة وغير متشعبة، وفي المقابل فإنه لا توجد وسيلة لتضخيم وتحديد كمية البروتين أو تمييزه.
وبدلا من ذلك فإن تطوير الأدوات التحليلية للبروتيوميات تتطور بشكل ملفت للنظر بدءا من الهلام ثنائي الأبعاد الكهربائي لفصل البروتينات 2D gel electrophoresis والطيف الكتلي Mass spectrum الذي يمكنه تحديد البروتينات عن طريق تحليلها إلى مكوناتها الأصلية.
أما عند تفاعل البروتينات مع بعضها بعضا فإن الأشعة السينية بالتالي تملك القدرة على أن تكشف بعلم الأبعاد الثلاثة الهيكل العام للبروتين 3 ـ Dimension، وليس الأمر بالسهولة المتوقعة فقد يستغرق الموضوع سنوات لعزل وتحديد وظيفة جزء صغير أو وحدة صغيرة من البروتين. وتشارك أكثر من 70 شركة ومؤسسة عالمية في تطوير علم البروتيوميات.
ويقول ساهاسراباده Sahasrabudhe أحد نائبي الرؤساء التنفيذيين للبحوث في المؤسسة اليابانية التعليمية للبحوث الجزيئية «إن فهرسة جميع التفاعلات بين البروتينات يمكن أن يوصلنا إلى خريطة البروتيوم البشري proteome map في أقل من ثلاث سنوات وذلك لجميع البروتينات البشرية وتعديلاتها تكنولوجيا لإجراء حصر شامل لها ووضعها في نموذج بيولوجي.
ويضيف: «في الحقيقة، أن مجرد البدء على نطاق واسع بيولوجيا، فإنني أسرد 115000 من البروتينات المشتقة من 157 بروتينا ذي الصلة الوثيقة بالأنسجة البشرية فحتى الآن لا أحد يعلم كم عددها بالتحديد وبالتالي فنحن في مأزق حول ذلك».
إن الوسيلة لابتكار قصة العالم البروتيني، وتطوير البرمجيات لفهم قواعد هذه البيانات الضخمة، ومساعدة الباحثين على تصميم وإجراء تجارب واعدة لمحاولة الوصول لفهم بنية الحياة لهو حلم كل عالم وباحث تذوق لذة المعرفة.
وهو ليس بالمستحيل، ولدينا الآن كامل الجينوم البشري وتسلسله ولم يكن لدينا من قبل!
ولكننا لا نعرف كم لدينا من البروتينات في الدم مثلا، حيث إن البروتين ليس مثل الحمض النووي، فعالم البروتين هو عالم بلا حدود، لكن وبالفعل فإن علم البروتيوميات ثورة في طريقها إلى العلماء لتكثيف البحث عن كل ما هو جديد، وشحذ التفكير لحل الألغاز والحصول على المكافأة في نهاية المطاف.