تشكيلة عبد محفوظ تمنح أسبوع «ألتا روما» مزيد من البريق

«القليل كثير» بالنسبة للرومانيين .. أما هو فيقول: «الكثير قليل» وفي الصورة جزء من عرض «غريمالدي غياردينا»
«القليل كثير» بالنسبة للرومانيين .. أما هو فيقول: «الكثير قليل» وفي الصورة جزء من عرض «غريمالدي غياردينا»

منذ أن بدأ أسبوع «ألتا روما» للهوت كوتير يوم الأحد الماضي، طالعنا فيها الكثير من الأناقة والرقي، وأيضا الكثير من الحرص، إلى حد التقشف أحيانا، حتى فيما يخص بيوت أزيائها العريقة مثل «فوستو سارلي»، و«غاتينوني»، التي اهتمت بالأزياء وإضفاء الفنية عليها، أكثر من اهتمامها بالإخراج وغيره من التفاصيل التي تصاحب أي عرض وتضفي عليه، إما عنصر الترفيه أو عنصر الإبهار.


لكن الأمر المهم الذي كان يحرص عليه المسؤولون عن الأسبوع، ونجحوا فيه إلى حد كبير، هو إقامة معظم العروض في أماكن أثرية وتاريخية مهمة، حتى تضرب عصفورين بحجر؛ لفت الانتباه إليها كمدينة سياحية، وإن كانت لا تحتاج إلى تعريف أو لفت انتباه، وفي الوقت ذاته إضفاء التميز على أجواء العروض، ولو من خلال المعمار والأساطير المرتبطة بهذه الأماكن.

حتى مركز العروض الذي اختارته غرفة الموضة الرومانية هذه المرة لدعم المصممين الذين ليست لهم الإمكانيات الكبيرة لإقامة عروضهم. سانتو سبيريتو، تحلى بهذين العنصرين، فهو قريب من الفاتيكان، كما يعبق بالتاريخ والخصوصية.

لكن على الرغم من كل الدعم، فإن أسبوع «ألتا روما» للهوت كوتير، الذي ينتهي اليوم، أكد أنه ليس بمنأى عن الأزمة العالمية، ولم ينج من تبعاتها، بدليل أن الكثير من مصمميها قرروا إقامة عروض صغيرة وحميمية في محلاتهم أو في بعض الفنادق مثل: رافائيلا كيرييل، وإيرماني سيرفينو، الذي استغل المناسبة لافتتاح محل جديد في «بلازا دي إسبانيا».

ماركة «غريمالدي غياردينا» للثنائي أنطونيو غريمالدي، وسيلفيو غياردينا، أشارت إلى هذه الحقيقة في عرض طريف جدا، اقتصرت فيه على سبع قطع فقط، مع أن المتعارف عليه أن أي عرض يجب أن لا يقل عن 25 قطعة، لكن في هذه الحالة، صدق من قال إن العبرة في الكيف والجودة وليس في الكم.

ومما لا شك فيه أن عرضهما مساء يوم الثلاثاء كان من أكثر العروض ترفيها عن النفس، من حيث خفة ظله وسرعة إيقاعه، فقد أقاماه في متحف «ميركاتي دي تريانو» الذي يعود إلى العهد الإمبراطوري، في إخراج يستهدف العودة إلى تلك الحقبة بكل ما تحمله من معاني الجمال والأناقة.

جاء العرض على إيقاع الطبول ورقصات حية، كانت بمثابة فاصل بين كل قطعة تظهر أمامنا، وأحيانا تختلط الراقصات بعارضات الأزياء، ولا يفرق بينهن سوى الطول والحركات البهلوانية والرياضية، لا سيما أن ألوان فساتينهن وقصاتها متشابهة إلى حد كبير.

المصممان ذهبا إلى أبعد من هذا في تطبيق أن «القليل كثير»، ولم يكتفيا بسبع قطع فحسب، بل بنوع واحد من القماش وبلونين فقط، الأرجواني والأحمر النبيذي، فيما تنوعت التصميمات بين تلك التي تستحضر سراويل الحريم، أو تلك التي تأخذنا إلى عوالم هيلينا أو باريس أو أفروديت، تارة بكتف واحدة، وتارة من دونها، لكن القاسم المشترك بينها جميعا هو السخاء في استعمال الإكسسوارات الذهبية التي زينت الرأس والذراعين والخصر.

يخرج الواحد من هذا العرض وهو يتساءل ما إذا كانت الأزمة حقا هي التي حتمت عليهما ـ الثنائي ـ الاقتصار على قطع معدودات، بالنظر إلى المكان الذي اختاراه لعرضهما، والذي لا بد أن يكون قد كلفهما الكثير، فضلا عن الفرقة الموسيقية الحية والراقصات، أم أنها فقط رغبة في إثارة الانتباه وإحداث صدمة، كون هذا العدد القليل، قلما يصدر من مصممين معروفين في أسبوع عالمي. وسواء كان هذا هدفهما أم لا، فقد نجحا ـ على الأقل ـ في تأكيد أن الكم لا يهم، وأن سبع قطع كان لها وقع مهم.

على العكس تماما من «غريمالدي غياردينا»، كان الكم مهما للمصمم عبد محفوظ، الذي كان عرضه من العروض التي تترقبها أوساط الموضة الرومانية باهتمام كبير، ليس لأنه نجح في فرض نفسه في ميدانها فقط، بل لأنه عوَّد متابعي الموضة على الإبهار والترف الشرقي.

 ولم يخيب الآمال، فقد قدم 45 قطعة بالتمام والكمال، عدا فستان الزفاف، ونجح ـ إلى حد كبير ـ في المزج بين الكم والكيف، لكنه لو أضاف قطعة أخرى لكان قد أصابنا بالتخمة وبعمى الألوان والزغللة.

ما حققه أول من أمس أنه منح روما الكثير من البريق الذي افتقدته طوال الأسبوع، فبينما اختار مصمموها البساطة الراقية والتفنن في التصميمات واختيار الأقمشة الجديدة بدلا من استعمال الأحجار وكل ما يبرق، لم يبخل محفوظ على أي قطعة في مجموعته بكل عناصر البذخ، إلى حد أن كل فستان طالعنا به كان كمن يقول «أزمة مالية؟! ماذا تعني؟ وأين هي؟».

هذا عدا المكان نفسه، فهو من أجمل المسارح التي يمكن لأي مصمم أن يقيم فيه عرضه، ألا وهو «أرك دي كونستانتين» الذي يعتبر جزءا من الكولوسيوم، منبع الأساطير والبطولات.

أما عن البريق الذي ضخه في كل قطعة، فحدّث ولا حرج، حيث لم تسلم أي واحدة من هجوم الأحجار والترتر، بل إنه صمم كورسيهات كاملة منها، غطى بعضها بالموسلين أو التُلّ في ما يتعلق بالتنورات، فيما ظل بعضها الآخر مكشوفا وجريئا أحيانا في الأكمام، وأحيانا في منطقة الخصر أو الظهر، وأحيانا أخرى يطل علينا بخجل مفتعل من الجوانب.

لكن ما يحسب لتصميمات محفوظ أنها على الرغم سخائها الطائي، فإنها لم تبدو مبتذلة، بل بفخامة عصرية تستمد الكثير من ملامحها من الحقبة الباروكية.

وهذه هي الفكرة منها تماما، فقد استلهمها خلال رحلته منذ بضعة أشهر إلى لندن، حيث زار معرضا للفن الباروكي في متحف «فيكتوريا آند ألبرت»، وأخذ معه إلى لبنان كتابا عن هذا الفن كان بوصلته في تنفيذ هذه التطريزات والرسومات والتصميمات التي استحضرت في مرات كثيرة قصر فرساي، وماري أنطوانيت، خصوصا في فستان مكون من جاكيت بأكتاف وأكمام منفوخة، ومحدد عند الخصر، تتدلى منه تنورة طويلة، يبرق من الرقبة إلى الكاحل بشتى أنواع الأحجار والترتر.

لكن أجمل القطع التي طالعنا بها كانت تلك التي لعب فيها على الطبقات باستعماله اللاميه أو التطريزات شديدة اللمعان كأساس، يغطيه الموسلين أو التُلّ ليخلق خدعا بصرية.

اختياره للألوان أيضا كان منوعا من الرمادي الأزرق إلى الأزرق الفيروزي الغامق، والأخضر بدرجات خفيفة، والأزرق السماوي، والبني، والذهبي، والبيج، والأحمر، والأرجواني. خلاصة الأمر، فإن محفوظ كان مبدعا من الناحية الفنية، وذكيا من الناحية التسويقية.

 فإذا كان المثل يقول إن «لكل فولة كيال»، فإنه حتما هنا لكل فستان معجبة وزبونة، وعلى الأقل، فإن كل من حضر العرض من الطبقات المخملية الرومانية ومحبي الموضة سيتذكرون هذه الليلة التي تنافست فيها النجوم مع أحجار الكريستال والترتر والخرز على مسرح أوليمبي رائع.