جبنة «فيتا» مقاومتها للميكروبات.. سبب آخر لتناول الجبنة البيضاء

ومن ناحية التأثير الصحي، فإن تناول حليب الخراف والماعز يختلف عن تناول حليب الأبقار
ومن ناحية التأثير الصحي، فإن تناول حليب الخراف والماعز يختلف عن تناول حليب الأبقار

عشق البعض لتناول جبنة “فيتا” البيضاء مع خبز “التميس” الساخن، قد لا يكون فقط لقاء تذوق الطعم الشهي في وجبة الإفطار. وإضافة آخرين لقطع تلك الجبنة إلى أطباق السلطة، تيمناً باليونانيين، هو أيضاً ربما لا يكون كذلك فقط. وجبنة “فيتا” شغلتنا حروبها الطاحنة قبل ثلاث سنوات. ولم يهدأ بال أهل اليونان إلا حينما حسم صراعهم مع أهل الدنمارك، قرار صادر عن الإتحاد الأوروبي.


وضمن فعاليات اللقاء السنوي رقم 162 للمجمع البريطاني لعلم الميكروبات العامة في أدنبره، أعلن الباحثون من جامعة لينكون أن لهذه الجبنة العجيبة قدرة على مقاومة الإصابة بأحد أشرس الميكروبات المتسببة بتسمم الأطعمة.

وفيما بين هذا وذاك، تبدو تلك الجبنة البيضاء، والمصنوعة في غالبها من حليب الخراف، طعاماً صحياً قلما يلتفت الكثيرون إليه.

ودعونا نراجع القصة من بدايتها. جبنة “فيتا” البيضاء واسعة الانتشار في العالم، وخاصة في العالم العربي. وهي تلك الجبنة البيضاء المغمورة في الماء المالح، التي تأتي على هيئة قوالب، والمصنوعة من حليب الخراف والماعز. ويُطلق عليها في مناطق عربية كثيرة لقب “الجبنة البلدي”.

ويعتز اليونانيون أن أول ظهور لجبنة “فيتا” كان في أيام الإمبراطورية البيزنطية. وتحديداً في جزيرة “كريت” اليونانية، التابعة آنذاك لتلك الإمبراطورية. ومنها انتشر إنتاجها في بلاد البلقان وإيطاليا وغيرها من مناطق العالم.

وأتت الإشكالية من انتشار إنتاجها، وانتشار حب الناس لها في العالم. ولأن أهالي الدنمارك، المتخصصون في الحليب ومشتقات الألبان، يفتقدون إلى كثرة توفر حليب الخراف، ويتوفر لديهم حليب الأبقار، فإنهم لجأوا إلى إنتاج جبة “فيتا” باستخدام حليب الأبقار.

وهذا الأمر أثار حفيظة اليونانيين لأنهم يرون أن أي جبنة بيضاء غير منتجة من حليب الخراف لا تُعتبر “فيتا”. ونشب الصراع بين اليونانيين والدنماركيين، وهو ما وصفته مصادر الإتحاد الأوروبي في حيثيات قرارها الحاسم بأنه “صراع طويل”.

وفي عام 2005 حسمت هيئة “حماية إشهار المصدر”، التابعة للإتحاد الأوروبي، قرارها الشهير حول تعريف جبنة “فيتا”، بأنها الجبنة البيضاء المالحة والمنتجة من حليب الخراف بنسبة 75%، والباقي من حليب الماعز.

وما عدا ذلك لا يُعتبر، ضمن دول الإتحاد، جبنة “فيتا”، وبالتالي ظهر مصطلح جبنة الأبقار الدنماركية البيضاء. إلا أنه خارج دول الإتحاد، يُمكن إطلاق جبنة “فيتا” حتى على ما أُستخدم حليب البقر في إنتاجها. القصة قد لا تعني للبعض الكثير، لكن الأمر مختلف تماماً لدى الوسط الطبي، ولدى وسط الذواقة، من أصحاب الذوق الرفيع في انتقاء ما يستحق أن يُوضع في أفواههم.

ومن ناحية التأثير الصحي، فإن تناول حليب الخراف والماعز يختلف عن تناول حليب الأبقار، وأهم ما يميز ذلك الحليب، أن بروتيناته أكثر ليونة وأسهل هضماً من حليب البقر، كما أنه أقل تسبباً بالحساسية. وكمية سكريات اللكتوز، المتسببة بمشاكل الغازات مع الحليب، في حليب الماعز والخراف، أقل مما هو في حليب البقر.

ونسبة كل من الكالسيوم والبوتاسيوم والزنك والسيلينوم وفيتامينات بي_6 وإيه ونياسين، في حليب الماعز والخراف، أعلى كذلك. والكولسترول والدهون المشبعة أقل في حليب الخراف والماعز. والأهم أن دهون حليب الماعز والخراف أسهل هضماً، لأنها من الأنواع “قصيرة السلسة”.

وفي الأنواع العادية، غير قليلة أو منزوعة الدسم، فإن كمية 100 غرام من جبنة “فيتا” تحتوي على260 كالورى و4 غرامات من السكريات، و 21 غراما من الدهون، و14 غراما من البروتينات. وتلبي نسبة حاجة الجسم اليومية، لكل من الكالسيوم بمقدار 50%، وفيتامين بي-2 بـ 60%، وبي-12 بـ 70%، وبي-6 بـ 30%، والزنك 30بـ %. ومن المهم التنبه إلى أنها تحتوي 1 غرام من ملح الطعام، وهي كمية عالية.

وما يطرحه البريطانيون اليوم، هو فائدة أخرى مُضافة. ويقولون بأن حليب الخراف، المستخدم في جبنة “فيتا”، يحتوي على أحد أنواع البكتيريا الصديقة من النوع المنتج لحمض اللكتيك. وهذه البكتيريا الصديقة، حال تواجدها في الجبنة، تُنتج موادً عديدة، مقاومة لأنواع من البكتيريا الضارة، مثل ليستيريا. ومعلوم مدى خطورة الإصابة بهذه البكتيريا على الناس العاديين، وعلى الحوامل بالذات.

وزادنا هؤلاء الباحثون من الشعر بيتاً، حينما قالوا إن الطعم المميز لأنواع شتى من الجبن المحلي، وبالذات قولهم في مناطق اليونان وبقية الدول المُطلة على البحر المتوسط، إنما هي نتيجة لوجود تلك الأنواع الصديقة من البكتيريا، ولإفرازها مواد صحية مفيدة وذات طعم مميز! ولباحثين آخرين طرح أخر حول جدوى إضافة الجبنة البيضاء من نوع “فيتا”، أو أي أنواع أخرى من الجبن أو “صوص” السلطة أو زيت الزيتون، إلى السلطة الخضراء.

وهو أن وجود الدهون النباتية أو الحيوانية يُسهم في تسهيل امتصاص الأمعاء للمواد المضادة للأكسدة في الطماطم والخيار والخس وغيرها من مكونات طبق السلطة.

فوائد جديدة لأطعمة عريقة في موائد آبائنا وأجدادنا، والجبنة البيضاء، للخراف أو الماعز، أحد ما يدور حديث الوسط الطبي عنه.