جبنة الفيتا اليونانية .. للونها دلالات .. ولطعمها حكايات
لم تذكر جبنة غير الفيتا ( La Feta ) في الأساطير القديمة، فقد ذكر في الإلياذة في الفصل التاسع بأن العملاق بوليفيمس كان يأكل الجبن الرائب في الماء المالح.
هذا الجبن الذي سيطلق عليه في القرن السابع عشر اسم فيتا، التي تعني قطعا أو شرائح، ما يدل على الكيفية التي تخزن بها، إذ توضع القطع أو الشرائح في الماء المالح لكي تحافظ على بياضها ونضارتها.
لكنها مع ذلك ليست يونانية مئة بالمئة، فهذا النوع من الأجبان يصنع في منطقة تمتد من بلاد البلقان وحتى تركيا، لكنه أصبح يونانيا بعدما تم في بداية القرن العشرين تسجيله كعلامة تجارية يونانية.
مع ذلك فهي تصنع، اليوم، في معظم دول العالم من استراليا وحتى الولايات المتحدة وذلك بسبب سهولة تصنيعها، فهي على الأغلب النوع الوحيد من الأجبان التي تصنع خارج منطقتها الأصلية على عكس الأجبان الأخرى مثل الأجبان الفرنسية أو الدانماركية وغيرها.
بالرغم من محاولة تقليدها وتصنيعها في بعض الدول الأخرى، إلا أن فيتا وهو الاسم الذي يطلق على الجبنة اليونانية البيضاء، لا تزال تتصدر المكانة الأولى في الطعم ولذة المذاق من دون منازع، فلا تخلو مائدة يونانية من هذه الجبنة.
ويتزاحم القادمون إلى اليونان لشرائها عند مغادرتهم بلاد الإغريق، فهي العمود الفقري أيضا في طبق السلطة اليونانية والمعروفة في اليونان باسم «خوريتكي سلاطا» ودول العالم المختلفة (جريك سالاد)، فلا يخلو طبق سلطة من قطعة كبيرة مستطيلة أو مربعة من هذه الجبنة التي توضع على الطبق وعليها زيت الزيتون والزعتر اليابس المفروك.
لهذا السبب، ولكثرة إنتاجها في مناطق عديدة، دخلت اليونان في معركة قانونية، قال القائمون عليها بأنها معركة من أجل الحفاظ على نصاعة التاريخ وليس فقط من أجل قطعة من الجبنة.
وفي عام 1994 سجل اسم فيتا باعتباره منتجاً يونانياً صرفاً لا دخل لأي دولة أو شعب آخر به.
حرب الفيتا
لهذا السبب، ولكثرة إنتاجها في مناطق عديدة، دخلت اليونان في معركة قانونيةحقيقية بين اليونان والدانمارك والنسما، وهما دولتان تصنعان هذا النوع بكثافة، الأمر الذي أدخل السياسة بقوة الى صلب هذا الموضوع، قال القائمون عليها بأنها معركة من أجل الحفاظ على نصاعة التاريخ وليس فقط من أجل قطعة من الجبنة.
وفي عام 1994 سجل اسم فيتا باعتباره منتجاً يونانياً صرفاً لا دخل لأي دولة أو شعب آخر به.
وذلك وفقاً للائحة المنتجات الزراعية الخاصة بالاتحاد الأوروبي الذي تعتبر اليونان جزءا منه.
ولتأكيد ذلك تم تأليف لجنة خبراء من دول الاتحاد لتحديد اسم المنتج والدولة المصنعة له، وقامت هذه اللجنة بعمل إحصائية اعتمدت على دراسات دقيقة جداً اعتمدت الجانب التاريخي وكذلك نوعية المنتج في العديد من الدول التي يصنع فيها.
وإذا نظرنا إلى قصة الفيتا التي تصنع فقط من ألبان النعاج والماعز في اليونان، فقد مرت بمراحل صعبة كثيرة حيث دخل هذا الاسم المحاكم العادية والأوروبية، لإثبات أبوته بعد أن اختلفت بعض الدول مع اليونان على مشاركتها في هذا الاسم.
لكن اليونان انتصرت في آخر حكم محكمة، وكسبت الدعوى المرفوعة ضدها من قبل كل من الدنمارك وألمانيا في معركة أبوة جبنة «فيتا».
وجاءت توصية النائب العام الأوروبي وقتذاك إلى المحكمة الأوروبية برفض الدعوى المقدمة ضد اليونان، من قبل الدول التي طالبت بانتهاء احتكار اليونان لاسم الجبنة البيضاء المعروفة باسمها اليوناني «فيتا».
وقد أجمع الكثيرون ومنهم رويز غارابو كولومير النائب العام للمحكمة الأوروبية العليا، أن مصطلح «فيتا» لا يمكن أن يستعمل كاسم مشاع للجميع، ولا بد أن يعامل كمصطلح تقليدي لهذا النوع من الجبنة المنتجة في اليونان، وقال «هذا الاسم حاليا يرتبط بدرجة كبيرة بتاريخ اليونان، حيث يرجع تاريخ إنتاج اليونان لهذا النوع من الجبن باسم «فيتا» منذ ستة آلاف عام.
وكان قد أثار قرار اتخذته اللجنة الاقتصادية للبرلمان الأوروبي قبل فترة بإعطاء اليونان الحق الحصري في استخدام تسمية «فيتا» كعلامة تجارية لتسويق الجبنة البيضاء المصنوعة من حليب النعاج أو الماعز ثورة في أوساط صانعي الأجبان في المجموعة الأوروبية.
ويرى صانعو الجبنة الفرنسيون ان القرار الأوروبي سيفتح الباب أمام نزاع لا نهاية له، اذ سيطالب الإيطاليون بحصر إنتاج جبنة «الموزاريلا» بهم، وجبنة «تشيدر» بالانجليز، و«جودا» بالهولنديين، و«ايمانتال» بالسويسريين، و«كامومبير» بالفرنسيين.
وخلصت اللجنة الى أن اسم فيتا ليكون يونانياً صرفاً عليه أن لا يستخدم كمرادف لاسم شائع أو لنوع من الأجبان يصنع بوضعه في الماء المالح لأنه بذلك سيكون من المستحيل حصره ببلد معين، لكن وبدل أن يكون الإستخدام للاسم عاماً يمكن الاعتماد على الاسم الشائع والذي يعرف بأن الفيتا يونانية وهو ما لا يمكن الاعتماد عليه في تثبيت حصرية منتج من المنتجات.
لكن اللجنة عادت وتألفت مجدداً في عام 2002 بطلب من اليونان، وبرزت في المعركة الجديدة شروط تعجيزية للدول الأخرى منها اعتماد النوعية التي عليها أن تأتي من سلالات الأغنام والماعز التقليدية اليونانية، ما يصب الأمر على النمسا والدانمارك وألمانيا التي بدأت تنتج الفيتا بوفرة منذ منتصف التسعينات.
وتذكر المراجع بأن مشادات حقيقية حصلت داخل هذه اللجنة على هذا الموضوع، الى أن وصلت اللجنة المقررة الى طريق مسدود، فالصراع أوروبي - أوروبي ويتناقض مع قرارات الاتحاد بالتجارة الداخلية بين دوله الأمر الذي حدا باليونان الى حظر استيراد المنتجات النمساوية والدانماركية ما سبب خللاً جوهرياً في اتفاقيات التجارة في الاتحاد الأوروبي التي تنص على تسهيل عمليات التجارة بين دوله.
وكانت فرنسا، وهي من الدول الأكثر تضررا من قرار احتكار اليونان للاسم، قد نشرت إعلانات مدفوعة في وسائل الإعلام المختلفة موجهة إلى نقابات مربي النعاج والماعز والأبقار، لمطالبة الحكومة بالاعتراض على القرار الأوروبي والسعي لإلغائه.
وقد بدأت معركة اسم «فيتا» منذ عام 2002 عندما طلبت ألمانيا والدنمارك من المحكمة الأوروبية إلغاء القانون الصادر بحق امتلاك اليونان للاسم، حيث يحرم هذا القرار الآلاف من أصحاب مصانع الجبنة دول الاتحاد الأوروبي من تسويق هذا النوع من الجبنة تحت علامة «فيتا».
كما يرى الفرنسيون ان خروجهم من حلبة «فيتا» سيفتح أسواق البلاد أمام الأميركيين والنيوزيلنديين والأتراك الذين لا يخضعون للاتفاقية الاقتصادية الأوروبية. كما سيسبب خسائر لهم باعتبارهم ينتجون 12 ألف طن من هذه الجبنة في السنة، عدا عن الخسائر الفادحة التي ستلحق بنظرائهم في المانيا والدنمارك.
وفي لقاءات مع عدد من أصحاب مصانع الجبنة في اليونان، تبين أن اللبن الذي تصنع منه هذه الجبنة وطعمه ورائحته ونوعية المراعي التي تنمو فيها الماعز والنعاج والجو المعتدل لليونان يلعب دورا كبيرا في مذاق هذه الألبان والاجبان، ولذا يرجع الفضل في ذلك للمراعي الطبيعية في الجبال اليونانية، كما أن كل نوع من التصنيع يكتسب طعما ومذاقا معينا، حيث هناك الجبنة التي تصنع وتحفظ في صفائح معدنية وأخرى في عبوات خشبية، أو براميل.
والحق أن اليونانيين هم الشعب الوحيد في العالم الذي يشتهر بجبنة الفيتا وذلك بسبب استخدامها في أحد أشهر أنواع السلطة على الإطلاق والتي تسمى باسم اليونان وتعتبر الفيتا العنصر الأساسي فيها إضافة الى البندورة والخيار والبصل وزيت الزيتون وهي جيمعها عناصر تنتج محلياً بحيث يمكن لليونانيين الافتخار بأن هذا الطبق يوناني بكافة مكوناته.
وتذكر هذه المعركة بالكثير من المعارك التي تقام في العالم اليوم حول أنواع كثيرة من الأطباق التي تخص دولاً معينة وتتم قرصنتها من دول أخرى كما يحصل بين لبنان واسرائيل على الأطباق اللبنانية المحلية.
وبين المعارك التي تخوضها فرنسا لتأصيل أنواع معينة من الجبنة الفرنسية التي باتت تنتج في دول أخرى مثل الولايات المتحدة واستراليا إضافة الى عدد من المنتجات الأخرى.
مع ذلك فطبق السلطة الشهير هذا يقدم في الكثير من بلدان البحر المتوسط والشرق الأوسط بسبب توفر المواد الأولية له محليا في هذه المنطقة، لكن تتم إضافة مواد أخرى له بحسب كل بلد على حدة. وتشتهر هذه الجبنة يونانياً ليس فقط بهذا الطبق بل لاستخدام الشعب اليوناني لها بعدد كبير من الأطباق المحلية.
كما أنهم يشتهرون هم والفرنسيون بأنهم ربما الشعوب الوحيدة التي تأكل الأجبان مع الوجبات البحرية على الرغم من أن الجمع بين الأجبان والمأكولات البحرية يضر بالصحة على ما تفيد الإشاعات في منطقة الحوض المتوسط.
وإذا نظرنا إلى أسعار هذه الجبنة في اليونان فهي مرتفعة جدا قياسا إلى الدخل المادي للأسرة، فيتراوح سعر كيلو الجبنة البراميلي من 12 يورو وأكثر وهو أحسن وافضل أنواع الجبنة، وتأتي في المرحلة الثانية الجبنة التي تصنع في عبوات معدنية وتتراوح بين 9 أو 10 يورو للكيلو بينما أقل من الجبنة اللزجة والخالية من الملح.
طريقة الصناعة
لصناعة الفيتا في اليونان طقوس معينة لا يمكن تجاوزها وذلك ليتم الحصول على نوعية جيدة ذات مذاق أصلي. فهي تنتج تقليدياً بين شهري يناير ومايو من كل عام في المزارع الصغيرة وذلك من دون أي إضافة كيميائية بل من خلال استخدام الخمائر الطبيعية التي تنتج من الحليب المبستر.
وتعد طريقة التحضير الأسهل مقارنة بأنواع الجبنة الفرنسية، وهي تعتمد الحليب الذي يتم ترويبه ومن ثم تقطيعه الى شرائح على شكل مكعبات وذلك لأربع وعشرين ساعة يكون فيها الحليب قد دخل مرحلة التخثر التام.
بعدها مباشرة توضع قطع الجبنة في براميل خشبية أو بلاستيكية وتغمر بالماء المالح الذي على ملوحته أن لا تتجاوز الثمانية بالمئة.
وتعد هذه المرحلة من عملية التحضير الأصعب إذ يجب العمل وتخزين الفيتا في درجات حرارة لا تتجاوز الست عشرة درجة مئوية وهي تستمر من عشرة الى خمسة عشر يوماً.
أما المرحلة الثانية والنهائية فهي تستمر لمدة لا تقل عن شهرين حيث يتم تخزين الفيتا على درجة حرارة أربعة مئوية.
وبعد هذه المدة تكون الفيتا قد أخذت اللون الأبيض الناصع ويتم تجفيفها ورفعها من الماء المالح، كما يتم في هذه المرحلة التلاعب بدرجة ملوحتها إذ إن الفيتا اليونانية لا تكون في العادة مالحة جدا ولا حلوة المذاق، ذلك لأن الملح الكثير يؤثر على الطعم ويفقدها خصائص كثيرة، وهي كذلك تحتوي على كمية من الدهون الطبيعية تتفاوت نسبها من ثلاثين الى ستين بالمئة.
كما تحتوي على الكثير من الكالسيوم والبروتين الحيواني الطبيعي والفيتامينات مثل الفيتامين د والفيتامين أ والفيتامين ب 2.
وفي اليونان يعتمد تصنيع الفيتا على خلط توليفة تجمع ما بين حليب الغنم وحليب الماعز الذي لا يجب أن يتجاوز الثلاثين بالمئة من المجموع في حين أن الفيتا التي تصنع في ألمانيا والدانمارك تتألف من حليب البقر وتكون طريقة تصنيعه أقل كلفة من ناحية وأقل جهداً لكن أقل جودة من نواح كثيرة.
ولهذا السبب فإن الفيتا اليونانية هي الفيتا الأكثر شهرة بين مثيلاتها.
واستناداً الى الإدارة الأميركية للاستهلاك العالمي فإن الطلب على الفيتا يبلغ حوالي أربعمائة وخمسين ألف طن سنوياً تنتج اليونان منها حوالي مئتان وخمسين ألف طن لوحدها ما يعني أنها لا تزال لغاية الآن، ورغم التحديات والمنافسة، الدولة الأكثر إنتاجاً لأحد أقدم أنواع الجبنة الموجودة على سطح الأرض.