الطب البديل في لبنان: يعالج ويلمس حدود الخرافات
يعتقد كثير من اللبنانيين أن الطب البديل هو بمثابة الخلاص من الآلام والحل الأمثل بعدما فشل الطب الجراحي في مداواة أمراضهم، فإتجهوا بأنظارهم نحوالمداواة بالطب البديل ضاربين بعرض الحائط المخاطر والنتائج التي قد يتسبب بها بعض المعالجين الذين لا يملكون أي إختصاص أو خبرة طبية.
في المقابل هناك كثير من اللبنانيين الذين لا يعتقدون بالمداواة بالطب البديل إما عن سابق تجربة فاشلة أو بسبب معتقداتهم الثقافية المعارضة له فيفضلون الطب التقليدي ويعتبرون البديل نوعا من الإحتيال.
وبعيدًا عن الأعشاب وعالمها، هل أصبح الطب البديل من علاج صيني وجلسات كهرومغناطيسية وحجامة تحل فعلا مكان الطب التقليدي؟ أم إن تعدد العلاجات وأنواعها والوضع الإقتصادي المتدهور في لبنان دفع بالكثير من الناس إلى التعلق بحبال الوهم والكلفة المالية الأقل؟
الطب البديل .. مرضاه ومعالجوه
نقابل حسنى (50 عاما) عند خروجها من مركز للطب البديل فتؤكد لنا أنها تماثلت للشفاء بنسبة كبيرة بعد توجهها للعلاج بالأبر الصينية.
هي تعاني من التهابات في المفاصل وبعد أن يئست من المدواة لدى كثير من الأطباء دون فائدة توجهت إلى الطب البديل وهو الأقل كلفة غالبا وكذلك "ينفع أكثر" بحسبها.
أما أحمد فهو يخضع لعلاج الطب البديل منذ فترة وخاصة بالحجامة "لأنها من السنّة النبوية" فيؤكد أنها تساعده على تخفيف الألم الناتج عن الصداع النصفي لديه والذي لم يجد له علاجا في الطب الحديث.
فبعد أن عانى مع مرضه إتجه إلى هذا مركز للطب البديل بعد ان أخبره صديق كان قد تداوى هناك وشفي.
ويشعر أحمد بالراحة الآن بعد كل جلسة تدوم لفترة طويلة من الوقت، "دون تكاليف كبيرة كما في الطب الإعتيادي" يقول أحمد.
في تلك العيادة يعرّفنا مديرها الأخصائي محمد حرب (دبلوم الأكاديمية العالمية للطب الصيني وعضو زمالة في الطب البديل) عن أن الطب البديل هو طب مكمّل ومساعد للطب التقليدي ويرجع تاريخ وجوده إلى آلاف السنين.
وقد عرفت المداواة بالحجامة منذ خمسة الآف سنة في عهد الفراعنة والإغريق واليونان إلى عهد الإسلام الذي أوصى بها الرسول محمد للتداوي بها حين قال "خير ما تداويتم به الحجامة".
والحجامة -يقول حرب- نوعان: نوع ناشف ونوع رطب، فالاول يعالج عبر كؤوس الهواء ولا إخراج للدم فيه، وهو علاج فعال للشد العضلي وتنشيط الدورة الدموية في مراكز محددة وينصح بها مرضى السكري.
أما الحجامة الرطبة فتجرى عبر عمل خدوش سطحية ويتم إستخراج الدم الفاسد عن طريقها وهي تخفف كثيرا من الأمراض مثل علاج آلام الصداع النصفي ومؤخرة الراس وإلى ما هنالك من أمراض عدة يتم التداوي بها عبر الحجامة الطبية.
ويضيف حرب أن "الأمراض واعراضها عادةً ما تنتج بسبب خلل عضوي أو جسدي وعدم توازن وظيفي، والعلاج بالإبر الصينية طب عرف في القدم وتطور عبر الوقت إلى أن أصبح جزءا هاما من الطب التقليدي بعد ان اثبتت التجارب نتائجه الملموسة والمشجعة مقارنة بالطب الغربي بالإضافة، إلى أنه فعال وبدون أية مضاعفات كما أنه يعتبر علاجا إقتصاديا إذا ما قورن بتكاليف المستشفيات والأدوية".
ويشرح حرب تقنيات العلاج بالأبر الصينية الذي يتم عبر تحفيز العمل الوظيفي بواسطة تنبيه العصب بوسائل تقنية لإعادة الحيوية للاعضاء المعتلة مما يساعد الجسم على الشفاء أو تسريعه، وهذا العلاج يعتبر عاملا رئيسيا في تقوية جهاز المناعة لمقاومة الامراض وتنشيط الدورة الدموية على المسارات الحيوية، ويعتبر العلاج بالأبر الصينية علاج فعال في كثير من الحالات المرضية.
ويضيف أن على المعالج بالطب البديل أن يكون حاصلاً على شهادة طبية في إختصاصه وترخيص من قبل وزارة الصحة.
وهو كإخصائي في الطب البديل يرى أن العمل بغير إشراف طبيب مختص وتحليل وضعية المريض النفسية والجسدية والغذائية قبل البدء بالعلاج يؤدي إلى حالات لا تحمد عقباها.
معارضة
تجلس دلال في محل صغير في منطقة الشياح في بيروت محاطة بعدد كبير من الادوات الكهربائية التي لم تترك لها مجالا للجلوس أكثر من ركن صغير إلى جانب الباب.
تقول وإبتسامة ترحيب تملأ وجهها إنها كثيراً ما تتردد إلى المعالجين بالطب البديل لأنها تحبذ فكرة المداواة بالحجامة التي "لا ضرر منها وهي مفيدة جداً للجسم حيث تخفف الآلام كثيراً" تقول دلال. لكنها تضيف أن الطب البديل لا ينفع لكل الأمراض "فهناك أمراض يصعب على علاجها إلا من خلال الجراحة وهنا يجب التوجه للإخصائي بالطب التقليدي منعا لأي خطورة" تضيف دلال.
يحدثك مروان (خياط) من أمام محله الموجود في منطقة البربير في بيروت، وإمارات الغضب بادية على وجهه عن معاناته مع الطب البديل الذي كاد يتسبب بمقتله. القصة بدأت منذ سنتين حين عانى مروان من داء السكري ولجأ إلى الطب البديل عبر إعلان في إحدى الجرائد.
وبالفعل فقد أعطاه المعالج أدوية وخلطات أدت إلى تدهور حالته من إرتفاع في منسوب السكر عنده إلى تورم في رجليه وضعف في بصره أُدخل على إثرها المستشفى.
وهناك تمت معالجته من قبل طبيب مختص حتى تحسنت حالته، وبعد خروجه أكمل علاج الطبيب المختص حتى بدأ يشعر بتحسن كبير والورم في رجليه إختفى كلياً، ومن هنا ينصح مروان كل مريض "أن يستشير طبيبا مختصا قبل تجربة أي دواء يعطيه شخص ينتحل صفة طبيب تحت إسم الطب البديل" يقول مروان.
الطب والصيدلة
في هذا الإطار يوضح لنا الطبيب حسين قدوح (أخصائي بالأمراض الداخلية وعضو في نقابة الاطباء اللبنانيين) أن: الطب البديل موجود في التاريخ القديم وهو طب فيزيائي غير مكمل، كما أنه يجب على المعالج بالطب البديل أن يكون حاصلا على شهادة إختصاص علمي وترخيص من وزارة الصحة تخوله ممارسة مهنته في بلده.
ويضيف قدوح ان هناك كثيرا من المعالجين في لبنان تملأ أسماءهم وإعلاناتهم الفضائيات والجرائد يحولون مهنة الطب البديل إلى تجارة بأرواح الناس بسبب ممارستهم لهذه المهنة بشكل غير علمي وعدم خبرة.
ويبين قدوح أنه يصادف كثيراً من الحالات المتدهورة جراء تأثير بعض الأدوية المعطاة بغير محلها والتي تسبب للمريض بعض المشاكل الصحية وتدفعه لإستشارة الطبيب المختص الذي يداويه قبل فوات الأوان.
ويعتقد قدوح أن هناك معالجين بالطب البديل في لبنان لهم إختصاص وخبرة "ونحن نحترمهم وكثيراً ما ننصح بإستعمال بعض البدائل، لكن ذلك لا يجعل الطب البديل يحل محل الطب التقليدي لأننا بذلك نرجع إلى القرون الوسطى فلا يعود للتخصص بالطب الأكاديمي منفعة".
ويختم بأن كل شخص يستطيع الإدعاء بأنه طبيب في ظل ضعف الرقابة "فيعالج الناس على أساس خبرته المحدودة بالحجامة وغيرها من أنواع المعالجة بالطب البديل".
ويضيف في هذا المجال الصيدلي أنور مكي أن الطب البديل من وجهة نظر الصيادلة "مفيد جداً إذا كان يمارس بطريقة علمية ومراقبا من قبل وزارة الصحة".
ويقول إن "كثيرا من الدول الغربية وبعض الدول العربية تفتح بابها للتخصص بالطب البديل وتخرّج أطباء ذوي خبرة واسعة في هذا المجال تخولهم ممارسة هذا المهنة بنجاح".
ويوضح مكي أن المداواة بالخلطات البديلة مثلا أمر مفيد جداً وفائدتها أكثر من ضررها فهي تُعطى للناس بدون إستثناء، ولكن يجب إستشارة مختص قبل أخذ إي تركيبة أو خلطة طبية.
لكنه يشدد على وجوب الإحتياط حيث "يأتينا الكثير من حالات السكري وإلتقاط فيروس وإلتهابات ناتجة عن أخذ خلطة فاشلة من أحد المعالجين بالطب البديل" يقول مكي.
ويضيف أنهم كصيادلة ونقابة غير راضين عن هذا الموضوع وأنهم بصدد رفع دعوى. ويخبرنا أن نقابة الصيادلة نظمت عددا من المؤتمرات من أجل التخفيف من الإعلانات المبوبة المروجة للطب البديل في التلفزيونات والفضائيات التي تجذب أنظار الناس إليها.
ويختم مكي بنوع من الأسى أن "كل معالج بالطب البديل صار لديه مختبر أدوية وصيدلية تبيع الناس شتى أنواع المستحضرات والخلطات والأدوية المركبة بأسعار بخسة مما يجعل المريض يتجه بنظره نحو الطب البديل معتقداً أن ذلك أقل كلفة من الطب التقليدي دون أن يحذر العواقب".
نظرة إسلامية إلى الطب المنسوب الى الدين
ومن جهته يوضح الشيخ عباس العرب رئيس قلم محكمة بعبدا الشرعية في المحاكم الشرعية السنية في لبنان أن "نظرة الإسلام إلى الطب البديل نظرة إيجابية لأن الإسلام يدعو إلى إبتغاء الأسباب، ومن ابتلي بالمرض فعليه ان يسعى للدواء كي يحقق لنفسه الشفاء والرسول محمد (ص) قال: تداووا فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء.
ويضيف العرب أن الطب البديل يهدف إلى صيانة صحة الإنسان "لأن الصحة نعمة من نعم الله تعالى ويتمناها كل إنسان وهي كما يقول الرسول تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى".
ويرى أن الإسلام حريص على صحة الإنسان وحريص على أن يستفيد من كل ما يعزز صحته الجسدية والعقلية.
ويضيف العرب أن الرقية الشرعية والعلاج بالقرآن الكريم من الوسائل التي إعتمدها النبي الرسول في معالجة "الامراض النفسية والعضوية بإذن الله تعالى ومن يعتقد أنها تشفي بغير إذن الله فهو مشرك" يشدد.
والرقية الشرعية عبارة عن قراءة آيات من القرآن الكريم وأدعية مأثورة عن النبي محمد "سبق أن قرأها بنفسه مداواة لأصحابه وجربها وأثبتت فعاليتها" يؤكد العرب.
لكنه في المقابل يحذر من أمر رائج ويمارسه البعض وهو شرب منقوع الآيات القرآنية بغية الشفاء فيقول إنّ ذلك "لا يوجد له أصل في الدين وهو ليس من الإسلام وليس للإسلام علاقة به وبمن يصفه للناس" يختم العرب.
تباينت العلاجات والمرض واحد. تقول الأمثال العربية التقليدية: "المرض لا يؤلم إلا صاحبه" و"الغريق يتعلق بحبال الهواء"
. فبين الألم والخلاص منه تتخذ حبال عديدة مكانها، ولا شك أن من بينها الكثير من حبال الهواء.