أفريقيا وملكات الشرق والغرب في عرض مراكش قفطان 2009
بينما كان نجوم الرالي العالميون يقودون سياراتهم بسرعة جنونية في شوارع المدينة الحمراء، لنيل جوائز سباق مراكش الدولي للسيارات، كان نجوم التصميم والخياطة الراقية يستعدون لسباق من نوع آخر، لا مجال فيه للسرعة بل للتأني والمشي بخطوات محسوبة على المنصة لأن الأمر يتعلق بعرض الأزياء «قفطان» 2009.
الملاحظ فيه أنه، وبعد صخب موسيقى الهارد روك الذي صاحبته في العام الماضي، عودته إلى الهدوء في دورته الثالثة عشرة، ولا أدل على ذلك من اختيار المنظمين للون الوردي، بكل درجاته، كعنوان له، وهو تقليد سيستمر خلال الدورات المقبلة، حيث ستتميز كل دورة بلون خاص من باب إضفاء التجديد والحيوية على الحدث.
وخلافا لما قد يتبادر إلى الذهن، لم يطلب من المصممين والمصممات الالتزام بهذا اللون وحده، بل تركت لهم حرية الإبداع حتى لا يتقيد خيالهم أو تتحول منصة العرض إلى حديقة أحادية.
في المقابل، أتيحت لهم فرصة الاختيار من بين ثلاث تيمات، كانت هي الغالبة على تشكيلة كل المصممين وهي «أفريقيا، الشرق والغرب» أي أن الأزياء ستعبر عن ثلاث حضارات وأنماط من اللباس متناغمة أحيانا ومتباعدة أحيانا أخرى إلى حد التناقض.
لكن كل هذا يصب في صالح القفطان الذي اثبت المصممون المشاركون العشرة بمهارتهم وحسهم الابداعي، انه يتكيف ويتناسب مع كل الخيارات المطروحة، من دون غلو أو مبالغة في تحوير القفطان التقليدي وتحويله إلى قطعة مستلبة وفاقدة للهوية، وكانت النتيجة ان قفطان 2009 جاء معقولا وابتعد عن كل ما هو صادم او مستفز لعشاق هذا الزي.
عوض الجنون كان هناك الكثير من الفخامة والانسيابية. كما جاءت بعض التشكيلات حالمة من دون ان تغيب عنها بعض الجرأة التي يتطلبها التجديد، خصوصا تلك التي تحاكي اللباس الأفريقي.
وحتى هذه، اكتفى فيها معظم المصممين بتوظيف القليل من رموزها، مثل الاقنعة، او الفرو والريش، إضافة إلى الألوان الحارة مثل البرتقالي والاخضر والاحمر والاصفر، وهي الوان اضفت البهجة والمرح على العرض الذي اصبح ايضا مناسبة للاحتفال والاستعراض المبهر للأقمشة الفاخرة التي يتم مزج اكثر من قطعة متضاربة الخامات والألوان والزخارف والرسوم الهندسية فيها، بفنية عالية.
المصممة مديحة بناني أولى من افتتحن العرض بتشكيلة مؤلفة من ثلاث لوحات استعراضية.
اللوحة الاولى شرقية الألوان مزجت فيها بين الاحمر والاصفر كإحالة على الأزياء الصينية، واللونين الوردي والبرتقالي اللذان يطبعان الازياء الهندية، اما بالنسبة للطابع الغربي فاختارت اللونين الأبيض والأسود اللذين يميزان ازياء المصممة الفرنسية كوكو شانيل.
وبخصوص القفطان المستلهم من اللباس الأفريقي اكتفت بناني باستعمال بعض الاكسسوارات، مثل ريش الطاووس، واقنعة افريقية صغيرة الحجم وسط الاحزمة، بينما تنوعت الخياطة والقصات في تشكيلتها الغنية بالتطريز، ومختلف اشكال الخياطة التقليدية وعلى رأسها «السفيفة» المعمولة بالخيوط المذهبة.
أما المصمم نبيل دحاني فوجد في الكيمونو الياباني اقرب لباس شرقي من القفطان المغربي، فصمم تشكيلة متميزة بدت منسجمة للغاية وبسيطة إلى حد الاندماج، خصوصا انه اختار نفس الاقمشة الحريرية المستعملة في الكيمونو والمشهورة برسوماتها وتطريزاتها اليدوية، وألوانها المتميزة.
واختار دحاني لبصمته الأفريقية القيام برحلة إلى قبائل الماساي البدائية، مستعملا الاقمشة المخملية باللون الاحمر، وهو اللون الذي يميز رداء المحاربين الافارقة، كما زين تشكيلته بأقمشة مطبوعة بزخارف جلد النمور.
وتحالفت سميرة حدوشي، المصممة الشابة التي اصبح اسمها مقترنا بالحيوية والاجتهاد في مجال الازياء التقليدية، مع الفنان التشكيلي المغربي المعروف المهدي قطبي، للرسم على قماش قفطان من تصميمها، وصفته بـ«التحفة» حيث سيعرض فيما بعد في عدد من عواصم العالم للتعريف بالزي المغربي.
وقالت حدوشي لـ«الشرق الأوسط» إنها أبدعت أكثر في التشكيلة الأفريقية، وقامت ببحث جدي في المجال، وسافرت اكثر من مرة لأفريقيا لاكتشاف عالم الازياء هناك، واستوحت منها الالوان الصارخة والرسومات الهندسية، كما تعرفت على مقاييس الجمال الافريقي من خلال المرأة ـ الزرافة، التي تعد أجمل النساء الأفريقيات.
وتعرف حدوشي باستعمالها لأقمشة الدانتيل وساتان الدوقة، والسبب هو ان الاول يمنح «ستايل» مغاير وفني للقطعة، بينما الثاني يتطلب الاشتغال عليه بدقة، وبما انها تحب التحدي، اختارت هذا العام الاشتغال على قماش التول، وهو اصعب الاقمشة، في رأيها، لانه رقيق وشفاف، وتطريزه يحتاج إلى دقة متناهية حتى يحافظ على جودته.
ونفت حدوشي طغيان انواع الاقمشة في تصميم القفطان على حساب الخياطة والمشغولات التقليدية، وقالت ان القماش يوحي الموديلات، لكن تبقى القصات المبتكرة هي الخيار الاصعب، وهنا فقط تبرز بصمة كل مصمم او مصممة، «إذ لا يكفي ان نتوفر على تشكيلة واسعة من القماش لنبتكر ازياء جيدة وراقية»، على حد تعبيرها.
وأبرزت حدوشي في تشكيلتها ان القفطان يمكن ان يتلاءم مع خطوط الموضة العصرية «من دون ان نبتعد عن الحشمة».
أما المصممة أمينة البصيري، التي ترفع شعار الرزانة والحفاظ على التراث، فلم تتنازل عن قناعاتها في تشكيلة 2009، التي جاءت غنية بالتفاصيل والتطريزات والالوان النضرة، وأكدت لـ«الشرق الأوسط» أنها تفضل الغوص في اعماق الماضي لإعادة إحياء أزياء الجدات، بدءا من الاقمشة القديمة وعلى رأسها «البروكار» و«الجوهرة» و«النخوة»، وأضافت أنها تعارض فكرة المغالاة في التجديد حتى لا يخرج القفطان عن إطاره التقليدي.
وبما ان الخيارات واسعة والتشكيلات المطروحة للقفطان كثيرة جدا، تصيب احيانا بالحيرة، وعدم القدرة على اختيار الملائم، نصحت البصيري النساء بان يكن حذرات في اختياراتهن، وان يلبسن ما يلائم شكل اجسامهن ولون بشرة الوجه.
فالمرأة الممتلئة، على سبيل المثال، عليها الابتعاد عن ارتداء قفطان من قماش البروكار لان حجم جسمها سيتضاعف، وبالنسبة للالوان فكل امرأة تعرف اللون الذي يلائمها اكثر من غيرها، ولا بأس من استشارة المصممة قبل اقتناء الثوب.
وفي نفس السياق، اشتغلت المصممة خديجة بلمليح على مجموعة سعت من خلالها إلى ابراز «الرزانة والاعتدال في جو غاية في الاصالة مع الحرص على التوفيق بين الماضي والحاضر» على حد وصفها.
ودخل المصمم محمد لخضر القصور الملكية في الهند، ليستوحي من أزياء المهراجات تصاميمه المعبرة عن روح الشرق، قبل ان يسافر بخياله إلى روسيا ويعود مسحورا بالدمى الروسية الشهيرة، التي قرر ان يبرز جماليتها في ازيائه، الا انه ظل وفيا لجذوره الامازيغية، ووظف الكثير من الاكسسوارات والاحزمة والقصات الغنية بالدلالات التراثية العميقة.
الثنائي مريم بنعمور ورضا بوخلف عن دار «ما هي ـ مي» استلهما أزياءهما من لباس الملكات، «ففيما يخص الغرب اخترنا أن نروي تاريخ اليوم الذي توجت فيه الملكة اليزابيث التي ظهرت بلباس جريء في تلك الحقبة، وباسلوب اصبح لاحقا رمزا للاناقة البريطانية، اما بالنسبة لافريقيا، فاخترنا شخصية الملكة صابا باعتبارها الممثلة الحقيقية لأناقة المرأة الافريقية، وفيما يتعلق بالتصاميم الشرقية فهي مستلهمة من الامبراطورية العثمانية، من خلال التركيز على الاحزمة الواسعة المرصعة بالماس والجواهر والزمرد».
وبما ان هذا العرض السنوي، الذي تنظمه مجلة «فام دوماروك» (امرأة المغرب) يفسح المجال للمواهب الشابة لتجرب حظها في دخول عالم الخياطة الراقية من اوسع ابوابه، فقد نجحت المصممة الشابة نسرين الزاكي البقالي من اجتياز الاقصائيات بنجاح، وقدمت تشكيلة لا تغيب عنها البصمة الفنية والابتكار.
وكان ضيف شرف الدورة الثالثة عشرة من عرض الازياء «قفطان»، الذي يخصص جزء من ريعه لدعم تعليم الفتيات القرويات عبر احدى الجمعيات الناشطة في المجال، المصمم الفرنسي كريستوف جوس، الذي قدم اول مجموعة تحمل اسمه، عام 2005، بعد اكثر من خمس عشرة سنة من العمل مع كبريات دور الازياء العالمية. المجموعة التي قدمها جوس في مراكش، كانت عبارة عن فساتين أحادية اللون غالبيتها من قماش الموسلين والتافتا، قصاتها بسيطة وناعمة.
اختتام حفل قفطان 2009 بمراكش لا يعني نهاية المطاف، بل ستفتح بعده صفحة اخرى من الترقب، وهذه المرة ليس على منصة العرض بل على أغلفة مجلة «نساء المغرب» التي تفوز بنشر افضل الصور لافضل التشكيلات، وهي فرصة تتيح للنساء المزيد من التمعن والتدقيق في تلك الازياء المبهرة بفخامتها.
وبدورهم يتهافت الخياطون التقليديون، وحتى البسطاء منهم، الموجودون في الاحياء الشعبية لاقتناء اعداد المجلة ووضعها في محلاتهم، مؤكدين لزبوناتهم قدرتهم على تفصيل نسخ من هذه الازياء مشابهة لما عرض في مراكش، اذ يكفي ان تؤشر على الموديل المرغوب فيه لتحصل عليه بثمن بخس بالمقارنة. فالموضة حق لجميع الطبقات، حتى وإن اختلف القماش وطريقة التنفيذ.