«قفطان 2008» .. تصاميمات على إيقاع «الهارد روك»

ينتظر أن تبقى الدورة 12 لتظاهرة «قفطان» عالقة في أذهان المصممين وعشاق الأزياء التقليدية المغربية لمدة طويلة، بعد أن أعطت للقفطان المغربي صبغة تتوهج بنغمات موسيقى الروك آند الروك الصاخبة. شعار «التجديد والتجدد» لفعالية «قفطان 2008» لم يكن اعتباطا، بل كان تعبيرا عن الجرأة والإثارة التي انتهجها المصممون المشاركون.


كيف أمكن للقفطان التقليدي أن ينتقل دفعة واحدة من هدوء الموسيقى الأندلسية ليلامس ويستوحي موسيقى وعوالم الروك المعاصرة، المعروفة بصخبها وألوانها واكسسواراتها الخاصة؟

كان هذا هو السؤال الذي انتظر كثير من المتتبعين والمهتمين بالموضة إجابات عنه، قبل أمسية «قفطان 2008»، الذي تنظمه مجلة «فام دو ماروك (نساء المغرب)»، الذي تحول، برأي الكثيرين، إلى «منبر» وموعد سنوي يستغله المصممون المغاربة، لـ «مخاطبة» السوق المغربية والعالمية، على حد سواء. السؤال كان أكثر إلحاحا على المأخوذين بأرقام ومضامين التاريخ ممن ظلوا يرجعون أصول القفطان التقليدي المغربي إلى زرياب الأندلسي، مع ما يعنيه كل ذلك من استعادة لتاريخ موسيقي، يتوسل بآلة العود وهدوء البيوت التقليدية والقصور الملكية. وبهذا، فقد بدا كما لو أن جمع زي القفطان بموسيقى وعوالم الروك هو أشبه ما يكون بجمع المتناقضات.

اللافت في «قفطان 2008» تنوعه، الذي جاء انسجاماً مع «خط التجديد الثوري»، الذي طال القفطان المغربي بهدف «عصرنته» و«عولمته» و«تسويقه»، وهو التوجه الذي بقدر ما صار يلقى استحساناً من طرف المغربيات، «ما دام في إطاره المعقول»، إلا أن دورة 2008 لم تسلم من «بعض الجرأة الزائدة عن الحد»، بتعبير البعض، خاصة في تصاميم إحسان غيلان ورافائيل دوريان، وحتى في بعض تصاميم سي محمد لخضر.

انطلق الحفل الذي احتضنته قاعة «غولف بالاس» بمراكش، على إيقاع موسيقى الروك التي هزت القاعة بصخبها وقوتها، ترافقها عارضاتٌ نحيفاتٌ، بقفاطين سوداء وماكياج واضح تميز بتحديد العيون بقلم كحل اسود يكون خارجا عن إطار العين يستهدف الإثارة أكثر من أي شيء آخر.

كانت التشكيلة من تصميم إحسان غيلان، التي اشتغلت على موضوع «قفاطين متوهجة»، وقالت إنها استوحت فكرتها من عالم الهارد روك، ولذلك اقتربت من هذا النوع الموسيقي عبر رموز لباسه الخاصة، المتمثلة في الجلد والمسامير والسلاسل واللون الأسود، لتترجم كل ما يتميز به القفطان التقليدي بلغة صاخبة، حيث عـَوّض الحذاء الأسود البلغة التقليدية، كما عوض الحزام الجلدي الأسود الحزام التقليدي، «ولكن ليس هذا كل شيء»، تستدرك غيلان، «فالهارد روك يحيل على أجواء من الخوف والقوة والحزن والقبح والتيه. وهذا شيء مذهل».

ولم تـدم دوخة الأسود وصخب الروك طويلاً، بعد أن خف إيقاع الموسيقى قليلاً، ترافقه قفاطين من تصميم عبد الحنين الروح، الذي اختار موضوع «فانتازيا بودليرية»، حيث بدا كما لو أن القفطان عاد إلى ألوانه وجانبٍ من أصوله وأصالته. وكما يحيل على ذلك موضوعه، فقد استوحى عبد الحنين تصاميمه من قصائد الشاعر الفرنسي شارل بودلير، خاصة في ديوانه «أزهار الشر»، وذلك حتى تتراوح صورة المرأة في قفطانها بين الرقة والصلابة.

وتوالى العرض على هذا المنوال، عبر اقتراب وابتعاد بين عالم الروك وأصالة القفطان، فقدمت مارية شهدي الوزاني تصاميم دارت حول موضوع «دار الضمانة»، اشتغلت فيها على التطريز والألوان الأصيلة، فأعادتنا إلى ألوان القفطان الكلاسيكية وما يؤثث له من حزام واكسسوارات تقليدية. أما المصممة ذهب بن عبود فمنحت العارضات فرصة الاختيال في قفاطين بمقاييس خاصة، دارت كلها حول موضوع «نبل وإرث»، مستوحاة من عالم الأسر الحاكمة، عبر صور تنقل للفخامة والأصالة.

وتساءل معظم الحاضرين عن أثر القفطان في تصاميم رافائيل دوريان، وذهبوا إلى أن الأزياء التي قدمها تبقى أقرب إلى الفساتين منها إلى القفاطين، ليتكرر السؤال، الذي يطرح مع كل تظاهرة:«إلى أي حد يمكن للمصمم أن يذهب في ابتكاراته وإبداعاته بصدد القفطان المغربي»؟، وهو السؤال الذي تولد عنه سؤال آخر، يتعلق بـ «من يمتلك حق «حراسة» هذه القطعة الاصيلة من «الجرأة الزائدة» لبعض المصممين»؟.

وكان رافائيل دوريان اختير كأحسن موهبة شابة بعد العرض التمهيدي المنظم يوم الخميس 3 أبريل الماضي، بالدار البيضاء.

من جهتها، اختارتْ المصممة مديحة بناني موضوع «زربية النجوم» (زربية تعني سجاد)، وقدمتْ من خلاله قفاطين بألوان صارخة مستوحاة من سنوات السبعينات، مع إضافة لمسات تجمع بين الأصالة والفانتازيا، انفتح معها الزي التقليدي على تقنيات جديدة، خاصة بالموضة في شكلها المعاصر.

أما سي محمد لخضر فاختار موضوع «بانك مانيا»، استعاد فيه اكسسوارات الروك والأحذية الغليظة، مع اللونين الرمادي والأسود، فيما اختارت أمينة بوصيري موضوع «صباغات شرقية»، قدمت من خلاله تصاميم بألوان محافظة متداخلة إلى بعضها، مهداة إلى «الرسامين المشارقة الذين عرفوا كيف يشتغلون على الأزياء التقليدية بغاية تكريم المرأة العربية، من خلال الاشتغال على الألوان الحمراء والصفراء والداكنة، عبر مختلف الحقب والمناطق».

كذلك كان الشأن مع زينب الأيوبي الإدريسي، التي اشتغلت على موضوع «مدة سفر» حاولت فيه «إعادة رسم تطور المرأة المغربية في علاقة بالتطور الاقتصادي وانفتاح البلد»، عبر «تصاميم تربط بين التقاليد والأشكال المعاصرة للزي». بعدها انتقلنا إلى إيقاع وموسيقى فريق «البينك فلويد» مع رضا بوخالف ومريم بنعمور، في موضوع «أمسية كبرى»، الذي استعاد سنوات الخمسينات، من خلال القفاطين الطويلة المخصصة للسهرات الكبرى بخطوط صافية، قبل المرور إلى تصاميم نبيل دحاني الذي أغرق القاعة في قفاطين ذهبية، ثوباً وتطريزاً، تدور حول موضوع «ميتاليكا».

بعد ذلك، كان الحضور على موعد مع المصممة الفرنسية لولو دولافاليز، ضيفة شرف «قفطان 2008»، التي سبق لها العمل مع إيف سان لوران على مدى 30 سنة، قبل أن تفرض بصمتها الخاصة في مجال تصميم الأزياء، ترجمتها هذه المرة من خلال قفطان مغربي أعدته خصيصاً لهذه المناسبة.

وكما انطلق العرض صاخباً، انتهى صاخباً، على إيقاع «رقصة» مستوحاة من عالم وأزياء الروك، لكن خيط الأسئلة الممزوجة ببعض الحيرة ظل مخيماً على معظم المتتبعين.

وفي ارتسامات من بعض الحاضرين، ذهبت معظم الأجوبة في اتجاه «التأكيد على أننا، في بعض لحظات الحفل، لم نعثر على أثر للقفطان التقليدي، وبالقدر الذي تساءلنا فيه عن مدى صواب فكرة ربط القفطان بعالم الروك، كنا في نفس الوقت، مع لمسات حداثية وجدت صداها في قفاطين من دون أكمام أو أكتاف أو بجيوب».

وتفاوتت أجوبة كل من إحسان غيلان وذهب بن عبود ومارية شهدي الوزاني، بخصوص سؤالنا عن المدى الذي يمكن أن تصله جرأة المصمم وهو يـُعدل في «أصالة» القفطان.

قالت غيلان إنه «لا حدود ولا نهاية للتطوير، طالما تمت المحافظة على الخطوط والمواصفات المحددة للقفطان»، بينما رأت بن عبود أنها «مع المعاصرة، لكن، في احترام تام لتقاليد وأصالة القفطان». الوزاني كان لها رأي آخر، فهي ترى أن «المصمم فنان، وبالتالي فـحريته على نفس مستوى الحرية التي يتطلبها عمل الفنان»، وختمت متسائلة «إذا بقينا نصمم قفاطين بالمواصفات الصارمة لتقاليد هذا الزي، هل كنا سنستطيع تسويقه وإدخال العملة الصعبة إلى المغرب»؟.

وتتفق المصممات الثلاث على ضرورة خروج القفطان من جغرافيته الضيقة وتحوله إلى زي عالمي، وهو الأمر الذي يفرض التطوير في أشكاله حتى يساير التوقعات والمتطلبات، كما أجمعن على أن المصمم يبقى له الحق، ككل الفنانين، في الابتكار والتطوير دون حدود، وإن كانت المصممة ذهب بن عبود، متحفظة بعض الشيء حول هذه النقطة، فهي ترى أن «القفطان سيظل دائما زياً له مقوماته الحضارية التي لا يتوجب الابتعاد عنها كثيراً».

عروض السنوات السابقة لم يغب عنها الابتكار والتجديد، فقد أخذتنا إلى عوالم أخرى وإيحاءات جديدة، حيث رأينا تصاميم مستوحاة من أزياء راقصات الباليه أو الفلامنكو أو من أزياء الفروسية، وحتى اللباس الذي يرتديه مصارعو الثيران، المعروف بالياقات الطويلة والقماش المزركش، من دون إهمال الأزياء المحلية التي ترتديها نساء البوادي في مختلف المناطق المغربية، كالزي الجبلي في الشمال والبربري في الجنوب، إلا أن «قفطان 2008» بصخبه يظل توجها حاول من خلاله المنظمون التأكيد على أنه يملك كل المقومات التي تجعله قادراً على التأقلم مع كل الثقافات والجغرافيات.

تجدر الإشارة إلى أن منظمي «قفطان» أعطوا للتظاهرة، منذ سنة 2000، لمسة إنسانية واجتماعية، من خلال تخصيص جزء مهم من عائداته لفائدة لجنة مساندة تمدرس فتيات العالم القروي وحقهن في التعلم.