اللخم .. طبق يتربع على عروش الموائد الحضرمية
ثلاثة أسئلة يجدها الإنسان الحضرمي مطروحة عليه ولا مفر منها عند حديثه مع الغرباء، والمتمثلة في «سبب هجرة الحضارمة إلى كل أصقاع الأرض، وكيف يصبحون أثرياء، وما الذي جعل من اللخم أكلتهم الشعبية»، لا سيما وأنه دخل الأراضي السعودية بدخول الحضارمة إليها منذ القدم، إذ جلبوا معهم مأكولات عدة وموروثات منشأها عاداتهم وتقاليدهم، التي لم يتخلوا عنها، على الرغم من اندماجهم وتمازجهم وتعايشهم مع المجتمع السعودي.
ويمتاز اللخم، ذلك الطبق الذي يتربع على عرش الصدارة في المائدة الحضرمية، برائحته النفاذة، الناتجة عن كونه لحم سمك القرش، الذي يطلق عليه الحضرمي اسم «الحوت»، وشدة ملوحته المكتسبة من ملح البحر، إذ بعد اصطياده من قبل «الحواتين» يتم فتح بطنه من المنتصف، واستخراج أحشائه بالكامل، لفرده وتمليحه، وتركه فيما بعد على الشاطئ لتجفيفه بالكامل بواسطة أشعة الشمس ومن ثم تخزينه.
وتعد المناطق البعيدة عن البحر من أكثرها اشتهارا باللخم كبديل للأسماك، خاصة وأنه من الممكن تخزينه لفترات طويلة دون أن يفسد، إضافة إلى أن أهالي حضرموت استخدموا طريقة الحفظ بالتجفيف منذ القدم لعدم وجود الثلاجات وأجهزة التبريد آنذاك، إلا أنه أصبح منتشرا في كافة مناطق حضرموت من المهرة وحتى شبوة وسقطرى.
وعادة ما يشعر الشخص بالعطش الشديد بعد تناوله للخم، غير أن العم أبو أحمد عبد الله، أحد الحضارمة المقيمين في السعودية، يرى بأن الحل الوحيد للتخلص من هذا الإحساس هو عدم شرب الماء أثناء أو بعد أكله مباشرة، وإنما ينبغي الانتظار قليلا كي لا يزداد إحساسه بالعطش، إضافة إلى إمكانية تناول التمر مع تلك الوجبة ذات القيمة الغذائية الكبيرة، كونها إحدى المأكولات البحرية.
ويقول: من أجود أنواع اللخم، ذلك الذي يتم اصطياده من حوض البحر الأحمر، وتحديدا من منطقة المكلا، والمسمى بـ«القريني»، بينما توجد عدة أنواع منه، تتضمن «القديد»، الذي عادة ما يقطع إلى قطع طويلة وسميكة بعض الشيء، إضافة إلى «المتن» ذي القطع الغليظة.
ويضيف، يفضل أهالي حضرموت إضافة اللخم على قطع الخمير المكون من عجينة خاصة مخمرة، تسقى باللبن السائل ويرش عليها القليل من البصل والسمن البري والحلبة، عدا وضعه مع الأرز والعدس المسمى بـ«المعدوس»، الذي يحرصون على تناوله في فصل الشتاء لما يعطيه من دفء.
وتستخدم في طهي اللخم بهارات خاصة، تشتهر باسم «الفضخة» والمحتوية على كمية كبيرة من البصل المفروم والكمون والشمر وحبة البركة دون طحنها، إضافة إلى القليل من عجينة الحلبة الناتجة عن نقع مسحوق الحلبة في الماء وتصفيته وعجنه مع الخليط بالكامل، ليتم تشكيله على هيئة كرات متوسطة الحجم أو تفرد وتوضع في الشمس، لمدة تتراوح ما بين الأسبوع والأسبوعين، حتى لا يتعرض البصل إلى التعفن.
ومن الممكن أن يستخدم اللخم في صور مختلفة، تبعا لاختلاف كل منطقة عن الأخرى، وذلك بعد تنظيفه جيدا من بقايا الأتربة والملح الزائد عن طريق نقعه في ماء بارد لمدة ربع ساعة، ومن ثم تفويره على النار لإزالة القشرة البيضاء، التي عادة ما تغطيه، ليتم طبخه مع الأرز بطريقة شبيهة للكبسة السعودية، أو شواؤه على الفحم مثل السمك، أو قليه في الزيت، أو حتى إعداده كأحد أنواع الإيدامات، بإضافة البصل الأخضر أو بدونه.
وعلى الرغم من رائحة اللخم التي يصفها الكثيرون بالكريهة، أسوة بالفسيخ المصري، الذي غالبا ما يكون طرفا مقابلا له في استخراج أوجه الشبه بينهما، غير أن وقعها مختلف لدى البعض، خصوصا وأنهم يعتبرون بأن استنشاقها أثناء طبخه، وعند تناوله يعد أحد أسباب تنشيط شهيتهم للطعام، إذ تظل عالقة في الذهن، مثلما تبقى نكهته في اللسان.