الأذن الإلكترونية .. حل مبتكر لعلاج ضعف السمع
يعد زرع القوقعة من الوسائل التي قدمها تطور البحث العلمي في السنوات الأخيرة، لمساعدة الصم على تجاوز إعاقتهم، وتسهيل اندماجهم في المجتمع.
ويقوم على مبدأ زرع غرسة إلكترونية داخل قوقعة الأذن الداخلية لتقوم بوظيفة القوقعة، موصلة بجهاز يوضع تحت الجلد، ويتصل عبر الجلد بجهاز يثبت فوق فروة الرأس بواسطة مغناطيس يتصل بحاسوب (كومبيوتر) صغير ذي ميكروفون، حيث يقوم الجهاز بالتقاط الاهتزازات الصوتية من الوسط الخارجي ويرسلها إلى الغرسة التي تقوم بتحليلها وتضخيمها، ثم ترسل الإشارة إلى القطعة الداخلية المزروعة التي تقوم بإيصال الرسالة الكهربائية السمعية بواسطة أسلاك دقيقة إلى ألياف العصب السمعي، ثم تتابع طريقها كالمعتاد إلى مراكز السمع بالدماغ.
نقص السمع وأنواعه
للعمر دورا أساسيا في تحديد مستوى نتائج زرع القوقعة، فمن المعلوم أنه كلما كانت سن حدوث الإصابة أصغر كان تأخر النطق أوضح، لذا تم تقسيم المصابين بنقص السمع إلى مجموعات ثلاث حسب سن حدوث الإصابة على النحو التالي:
- مرحلة ما قبل الكلام Prelingual، فيها تكون الإصابة بالصمم باكرة جدا - خلقية أو مكتسبة في الأشهر الأولى من العمر - وذلك قبل أن يتم اكتساب أي نطق.
- مرحلة ما حول الكلام Perilingual، تحدث الإصابة في عمر أكبر قليلا من المجموعة السابقة، وفي وقت يكون فيه الطفل قد تجاوز مرحلة معينة في اكتساب النطق.
- مرحلة ما بعد الكلام Postlingual، تحدث الإصابة عند طفل كبير أو عند كهل، ويكون اكتساب النطق قد تم بشكل كامل قبل حدوث الإصابة.
ومن الواضح أن أفراد المجموعة الأولى يحتاجون إلى تدريب وتأهيل مكثفين بعد العمل الجراحي، بسبب انعدام المخزون السمعي الكلامي لديهم، وبالتالي يكون تأهيلهم لفترة طويلة والنتائج لديهم متوسطة الجودة.
وكلما حدثت الإصابة بالصمم في عمر أكبر كان إنذار التأهيل واكتساب النطق أفضل، ولعل المجموعة الأخيرة هي المجموعة المثالية وتعطي أفضل النتائج، لأن المريض لديه مخزون كامل من الكلمات يستطيع العودة إليه بسهولة عند إجراء التأهيل.
كما يؤثر عامل السن أيضا في أمور أخرى، منها صعوبة التيقن من درجة نقص السمع عند الأطفال صغيري السن جدا، والتطور التشريحي لأجواف الأذن الوسطى لديهم.
دراسة المرشحين
يتناول مخطط الدراسة الواجب إجراؤها لمعرفة المرشحين لزرع القوقعة النقاط التالية:
- الاستجواب الدقيق للمريض والأهل: تاريخ حدوث نقص السمع، تطوره، درجة تطور النطق، المعينات السمعية، التأهيل، التطور الحركي، الوضع النفسي، الأمراض العامة، القدرة البصرية (قراءة الشفاه).
- دراسة السمع، وتشمل اختبار تمييز الكلام مع وبلا معينات سمعية.
- اختبار تنبيه ألياف العصب السمعي لمعرفة درجة سلامتها.
- دراسة لمستوى النطق من قبل اختصاصي في هذا المجال، لمعرفة درجة تطور النطق، قراءة الشفاه، لغة الإشارة.
- دراسة نفسية اجتماعية للمريض وعائلته (التقييم النفسي والاجتماعي).
- التحقق من وجود الدافع القوي والحماسة في العائلة لمتابعة التأهيل الطويل.
- فحوصات إشعاعية للأذن.
- إجراء فترة اختبار بوضع المعينات السمعية وإخضاع المريض لتأهيل مناسب لمدة ستة أشهر على الأقل، ثم تقييم درجة استفادته من هذا الإجراء.
هناك شروط عدة للترشيح لزرع القوقعة منها:
- وجود نقص سمع حسي عصبي يتراوح في شدته بين الشديد والعميق في كلتا الأذنين.
- التأكد من سلامة ألياف العصب السمعي بواسطة اختبارات خاصة؛ لأن الهدف هو زرع بديل للقوقعة وليس للعصب السمعي.
- عدم حدوث أي تطور على مستوى النطق بعد تجربة معينات سمعية مناسبة، مع الخضوع للتأهيل الخاص، وذلك لمدة ستة أشهر على الأقل.
- عدم وجود أي أعراض طبية أخرى تمنع عملية الزرع.
- تجاوز الاختبارات النفسية والجسدية والقدرة على المتابعة بعد العملية.
النتائج المستقبلية
زرع القوقعة أمل جديد لتعويض فقدان السمع، لذا يجب ألا ننتظر نتائج باهرة معتقدين أن الطفل الأصم سيتحول إلى صاحب سمع طبيعي بمجرد عملية الزرع، إذ إن الزرع سيقدم لصاحبه محاولة جديدة لدخول عالم الأصوات بعد فشل الوسائل الأخرى المعتادة.
والحصول على نتائج جيدة، سواء في مجال السمع أو النطق، يعتمد - بعد العمل الجراحي المتقن - على التأهيل، الذي يجب أن يستمر لفترة تطول أو تقصر حسب عمر المريض، وسن حدوث الإصابة، والزمن المنقضي منذ حدوث الإصابة، ودرجة تطور النطق، وغير ذلك من العوامل المؤثرة، وقد تصل فترة التأهيل إلى سنوات عديدة.
أما إجراء العمل الجراحي وإهمال التأهيل فليس له من نتيجة سوى التعرض لعمل جراحي وأعباء مادية مرهقة، ولن يتم التوصل إلى أي نتيجة إيجابية من ناحيتي السمع والنطق.
كذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار عند تأهيل هذه الحالات التطور الطبيعي للنطق عند الأطفال الطبيعيين، فهؤلاء يمضون الفترة الأولى من حياتهم في اختزان الكلمات المسموعة لتتحول في ما بعد إلى كلام بشكل تدريجي، ويجب توقع التطور ذاته - على الأقل - بعد زرع القوقعة.
وباختصار فإن التدريب الجيد بعد الزرع المتقن يوصل إلى نطق مقبول، مما يسمح بمتابعة حياة اجتماعية نافعة، وتبقى النتائج مرهونة بعوامل كثيرة.
وبشكل عام فإن أبكر عمر يمكن اقتراح زرع القوقعة فيه هو عمر السنة، لمن حدث لديه ضعف سمع ما قبل الكلام prelingual.
أما في الإصابات المكتسبة فيمكن اقتراح زرع القوقعة بعد فترة انتظار في حدود ستة أشهر للتأكد من ثبات الإصابة، إلا في حالة حدوث ذلك نتيجة الإصابة بالحمى الشوكية البكتيرية، ويمكن إجراء العملية في أي مرحلة عمرية.