الضرة .. صدمات نفسية وأمراض جسدية وحالات انتحار بسببها
اهتز الشارع المغربي مؤخرا إثر حادث انتحار سيدة في عز شبابها، 34 عاما، باعتراضها قطارا سريعا آتيا من مدينة المحمدية (جنوب الرباط)، في اتجاه مدينة الدار البيضاء.
والمفجع أيضا أن هذه السيدة لم تكن فقط حاملا بأنثى، بل لها ثلاث بنات ارتأت أن تأخذهن معها في رحلة الموت.
والسبب الذي دفعها إلى التضحية بحياتها وإزهاق أرواح فلذات كبدها، هو أن زوجها أعلن لها عن نيته الزواج بأخرى بهدف أن يُرزق ولدا.
فهل هذا يعد مبررا كافيا للإقدام على الانتحار وزهق أرواح أبرياء بهذه الطريقة البشعة؟ ما من شك أنه من النادر أن تجد امرأة تتقبل بسهولة فكرة أن يتزوج عليها زوجها وتصبح لها ضرة، بالرغم من أن المسألة واردة جدا، ولا يحتاج الرجل في مجتمعاتنا العربية إلى مبررات كثيرة لها، إلا أن هذا الموضوع ما زال يثير حساسية بالغة لدى العديد من النساء، ويسبب لهن جرحا نفسيا عميقا، حتى وإن تظاهرن بعكس ذلك. وأحيانا قد تدفع المرأة حياتها ثمنا لـ «صدمة» اكتشاف زواج شريك حياتها، الذي أعطته كل شيء، من أخرى دون علمها.
حالات كثيرة لم تصل إلى حد الانتحار والقتل، لكنها أدت إلى صدمات نفسية، وأحيانا تسببت في أمراض قاتلة لنساء لم يتقبلن وجود امرأة أخرى تحمل صفة الزوجة الثانية في حياة أزواجهن، بغض النظر عن دوافع هذا الزوج.
والملاحظ هو أن القاسم المشترك بين العديد من الحالات هو أن المرأة لم تكن تعلم بارتباط زوجها بأخرى، حيث يلعب عامل المفاجأة، وعدم توقع الأمر أو استبعاده بالمرة، دورا سلبيا في وقوع الصدمة.
من بين هؤلاء مليكة، التي تبلغ من العمر 50عاما، وكانت تشتغل مدرسة. عندما تزوجت كان دخل زوجها محدودا، فقبلت العيش معه في بداية زواجهما في نفس بيت عائلته الصغير، واشتغلا معا من أجل توفير سكن مستقل وتأمين مستوى عيش متوسط لأبنائهما، حيث رزقا بولدين وبنت.
مرت الأيام وفتحت أبواب الرزق في وجه الزوج الذي أصبح من الأثرياء عن طريق التجارة، الأمر الذي انعكس على حياة الأسرة التي أصبحت تعيش في رفاهية، ومن ثم قررت مليكة الاستقالة من عملها للتفرغ لرعاية الزوج والأبناء، وعاشت سعيدة بحياتها الجديدة إلى أن جاء اليوم الذي ستعرف فيه أن زوجها متزوج من امرأة أخرى منذ ثلاث سنوات ورُزق منها ببنت.
تحكي مليكة بمرارة أنها لم تصدق الخبر للوهلة الأولى، واعتقدت أنها مزحة ثقيلة من إحدى قريباتها التي أكدت لها الأمر بالحجج الدامغة.
تقول: «ما آلمني أكثر هو أنه أستطاع أن يضحك علي ويمثل أمامي لمدة ثلاث سنوات، كنت أعتقد أني زوجته الأولى والأخيرة، ولم يخطر على بالي مرة واحدة أنه قد يتزوج علي، على الأقل اعترافا بتضحياتي معه ومساندتي له، ماديا ومعنويا، عندما كان في بداية حياته».
وتتابع أن سبب صدمتها الكبيرة أيضا أن كل عائلته كانت تعرف بأمر زواجه، ومع ذلك «يأتون عندي ويأكلون ويشربون، دون أن يجرؤ أحد على إخباري.
شعرت أني تعرضت للخيانة من طرف زوجي وأهله، الذين لم يقف أي واحد منهم بجانبي، بل اعتبروا أن ليس لدي حق في الاعتراض، وأن أحمد الله بأنه لم يفكر في تطليقي».
لم تطلب مليكة الطلاق، وهي تعيش حاليا مع أبنائها «محطمة ومنكسرة» كما تقول، تحاول علاج جرح غائر لم يندمل رغم مرور الوقت، خصوصا أن الزوج يزورهم من حين لآخر «مثل الغريب» على حد تعبيرها، بعد أن أسس حياة جديدة مع زوجته الثانية.
ثم تتدارك الأمر وتقول إنها في بعض الأوقات تحاسب نفسها وتحملها جزءا من المسؤولية في خسارة زوجها، ومن ثم في عدم استقرارها النفسي، لأنها لم تتقبل الأمر على الإطلاق، وكانت في كل مرة تشعره بالذنب الذي ارتكبه في حقها إلى أن حصل شرخ كبير في العلاقة لم يعد بالإمكان إصلاحه.
أما ثريا وعمرها 53 عاما فقصتها لا تختلف كثيرا عن قصة مليكة، إلا في بعض التفاصيل، وإن كان الثمن الذي دفعته أصعب. فهي تعتقد أن إصابتها بسرطان الثدي الذي اكتشفته أخيرا يعود إلى انهيارها وصدمتها باكتشاف ارتباط زوجها بامرأة أخرى.
وبعكس مليكة فقد كانت حياتها معه تعيسة، حيث كان يهينها ويضربها باستمرار، غير أنها كانت تصبر على كل ذلك من أجل أبنائها. تقبلت الضرب والإهانات كلها، لكنها لم تستطع أن تتقبل زواجه من فتاة صغيرة السن «نكاية بها» على حد قولها.
ونتيجة لذلك أصبحت منطوية ومنزوية في البيت، لا تميل إلى أي علاقات اجتماعية، في وقت هي في أمسّ الحاجة فيه إلى الرعاية والاهتمام من الزوج الذي هجرها وتركها وحيدة تعاني مع المرض.
وتنهي كلامها قائلة: «لو كنت أعرف أنه سيتركني لانفصلت عنه منذ البداية بدل تحمله طوال هذه السنين».
بديعة، سيدة في الثامنة والأربعين من العمر، تزوجت من رجل بسيط لم يكن يملك شيئا، كان يشتغل مع والدها في مزارعه، وعندما توفي والدها حصلت على مبلغ كبير من الإرث، سلمته إليه بحسن نية حتى يبدأ مشواره في مجال المال والأعمال.
وبالفعل نجح في تجارة الأقمشة وأصبح من كبار التجار، وكانت راضية بحياتها وفخورة بزوجها، إلا أن انقلبت الأمور رأسا على عقب عندما تناهى إليها خبر ارتباط زوجها بامرأة أخرى ويعيش معها في شقة مسجلة باسمها، أي أنه اشتراها لها من مال زوجته.
وهذا كان كافيا لتنهار وتسقط طريحة الفراش لأكثر من شهر، بسبب ما اعتبرت أنه من «غبائها المفرط» لأنها لم تشكّ ولو للحظة واحدة في أن زوجها قد يتزوج عليها، بالرغم من أنه كان يغيب لمدة طويلة بسبب أسفاره إلى الخارج لجلب الأقمشة.
إلا أن بديعة لم تستسلم لشعور الصدمة الأولى، وقررت أن تستعيد زوجها من جديد، وذلك بتقبل الأمر الواقع والعيش في سلام مع ضرتها «بعد أن كدت أفقد صوابي»، على حد تعبيرها.
يعلق الدكتور سعيد بحير، الاختصاصي في علم النفس الاجتماعي، على هذه الحالات بقوله إن المرأة تتعرض لصدمة نفسية قوية لأن حب التملك لديها أقوى من الرجل.
وفي مجتمعاتنا المغربية ينعت الرجل بـ«الزمان» فيقال للفتاة بالعامية المغربية «الله يعطيك شي زمان»، وهذا تعبير له حمولة نفسية واجتماعية قوية في التراث، فالزوج يمثل كل شيء بالنسبة للمرأة، الأسرة والأولاد والاستقرار، وعندما تدخل امرأة أخرى على الخط تشعر الزوجة بأنها ستفقد كل هذه الأشياء، وبالتالي يكون رد فعلها قويا، وقد تنهار أو تؤذي نفسها.
بيد أن رد الفعل هذا يختلف، في رأيه، من امرأة إلى أخرى حسب درجة النضج العاطفي والاجتماعي والنفسي، فهناك سيدات حكيمات وغير متسرعات يتقبلن الأمر بشكل تلقائي ومن دون أدنى مشكلة، حتى تستمر الحياة بشكل عادي ما دمن لا يستطعن تغييره، وهناك من لا تتقبل الفكرة أساسا ويكون لها تصرف مختلف.
غير أن الرجل يتحمل قدرا من المسؤولية فيما قد يحصل لزوجته، إذا ما فكر في الارتباط بأخرى دون علمها.
يقول بحير: «عليه أن يكون مدركا لمدى حساسية هذا الموضوع بالنسبة للزوجة، وأن يختار التوقيت المناسب لإخبارها وإقناعها به بشكل تدريجي وبليونة. فهي في الأساس أم أولاده، وعليه ألا يتعمد إيذاءها نفسيا بحجة أنه يمارس حقا شرعيا».
لكن مَن يده في النار ليس كمن يده في الماء البارد، ومهما قيل ويقال فإن المرأة لا يمكن أن تتقبل شريكة لها في شريك حياتها، الذي عقدت عليه الآمال ونسجت حوله الكثير من الأحلام.
وبالتالي لا يمكن أن تغير غالبية نساء العالم أن الزواج الثاني أنانية من الرجل وظلم، لا سيما إذا لم تكن له أسباب شرعية.