الزواج يولد وينمو وينضج ويشيخ ويحتاج إلى إجازة
كان يلملم حاجياته سعيداً وكنت أساعده وأنا لا أدري حقيقة مشاعري.
هل أنا غاضبة لأنه مسافر لقضاء بعض الوقت بصحبة أصدقائه، أم أنني أشعر ببعض الارتياح لانه سيمنحني مساحة لالتقاط أنفاسي من مهامي اليومية التي أؤديها على مدار العام؟" كانت تلك هي كلمات هبة اسماعيل، التي اعتاد زوجها على اقتناص بضعة أيام في السنة يسافر فيها مع أصدقائه الى إحدى الدول التي لم يزوروها من قبل.
وهي عادة كما تقول اتفقا عليها منذ زواجهما وليست بحالة طارئة. بسؤالها كيف تقضي هي تلك الايام؟ أجابت:
"في العادة أذهب مع أبي وأمي وبعض من أقربائنا في رحلة الى إحدى المدن الساحلية.
فزوجي لا يميل كثيراً الى السفر أو الوجود لفترات طويلة مع عائلتي، ولهذا انتهز تلك الفرصة لقضاء الوقت مع الاهل". البعض يطلق على هذه الحالة، عبارة "الاجازة الزوجية"، والبعض من أفراد المجتمع العربي لا يفضل تلك العبارة التي ترتبط في الأذهان بممارسات لا يرضى عنها المجتمع الشرقي بوجه عام.
ولكن السؤال الذي يفرض نفسه:
هل تفيد هذه الاجازة طرفي العلاقة في تجديد الاشواق والتخلص من ملل ورتابة الحياة اليومية وضغوط العام كله، كما تقول بعض الابحاث الاميركية؟.
هذه الأبحاث تشير الى أن أسبوعا واحدا من الاجازة الزوجية كل عام، من شأنه منح الزوجين المزيد من السعادة. الحقيقة أن الآراء اختلفت في هذا الموضوع، فالبعض يرى أن الرتابة والملل لن يختفيا من الحياة الزوجية لمجرد الحصول على إجازة، لأنه إذا لم يوجد الحب والتفاهم من البداية، فسيعود الزوجان بعد تلك الاجازة إلى نفس الرتابة والملل.
رأي ثان يؤكد أن تلك الفترة تولد مشاعر ايجابية في نفس كل طرف، والاحساس بقيمة الطرف الآخر ومزاياه. رأي ثالث يرى أن الاجازة الزوجية تزيد من مشاعر الجفاء بين الزوجين. في هذه الحالة يفضل قضاؤهما للاجازة السنوية مع بعضهما بعضا واكتساب المزيد من الذكريات التي تساعدهما على تجاوز متاعب الحياة اليومية والملل، ويعتمد هذا الرأي على المثل الشعبي القائل:"البعيد عن العين بعيد عن القلب".
بعض الازواج يرون في الابتعاد عن الزوجة والمنزل لبعض الوقت فرصة لالتقاط الانفاس وتجديد دماء الحياة والتحرر من مسؤوليات الابناء والبيت، وهو ما يعبر عنه خالد الخبير في مجال البورصة بقوله: "لا أفكر في الابتعاد عن زوجتي للتخلص من حياتي معها، لكنني ومع ضغوط الحياة اليومية طوال العام أسعى للحصول على بعض العزلة والاختلاء بنفسي مع بعض الاصدقاء المقربين لي بشكل نستطيع من خلاله استعادة جزء من حياتنا قبل الزواج.
فالإحساس بالحرية والتخلص من أي نوع من القيود شيء رائع. ولا أتفق مع آراء بعض النفسيين وعلماء الاجتماع الذين يحذرون من تلك الاوقات خوفاً من الارتباط أو الدخول في علاقة جديدة غير محسوبة.
ففي اعتقادي ان من يريد الدخول في علاقة جديدة ليس بحاجة للسفر والابتعاد عن الزوجة والابناء، ويمكنه فعل ذلك في أي وقت دونما تقيد بالاجازة. من ناحية أخرى، غيابي عن المنزل يمنح زوجتي بعضاً من الحرية الملتزمة التي تمكنها من لقاء صديقاتها وبعض من أفراد عائلتها وممارسة هوايات تعشقها".
جانب آخر من جوانب الاجازة الزوجية، تحدث عنه الدكتور هاني السبكي، استشاري الطب النفسي بقوله:
"نحن بحاجة في مجتمعاتنا العربية الى تغيير بعض المفاهيم التي اعتدنا عليها. فالزواج ليس بسجن أو عقوبة تمنع أحد طرفي العلاقة من ممارسة بعض من حريته سواء تعلق الأمر بلقاء أصدقائه أو بممارسة هواياته.
فالكثير من الازواج والزوجات يقطعون علاقتهم بأصدقائهم بعد الزواج. وإذا كان من السهل على الرجل التحرر من قيود الاسرة، واقتطاع بعض الوقت للسفر أو الخروج مع أصدقائه للاستمتاع معهم، فإنه ليس من السهل على الزوجات القيام بذلك إلا في حالة حدوث مشكلة زوجية تضطر الزوجة في الغالب على إثرها لترك المنزل والمكوث في منزل اسرتها لفترة من الزمن قد تطول أو تقصر".
ويتابع الدكتور السبكي:
"كثيراً ما أسأل الأزواج الذين ألتقي بهم عما إذا كانوا يسمحون لزوجاتهم بالخروج مع صديقاتهن في رحلة ليوم واحد، مثلا الى شاطئ البحر أو أي مكان يفضلنه بعيداً عن الاولاد والازواج وبشكل يمنحهن الفرصة لممارسة حياتهن بحرية؟ وكانت الاجابة غالباً ما تكون بلا.
على الرغم من أنه إذا أراد الرجل الشرقي أن يستمتع باهتمام زوجته واهتمامها بكل صغيرة وكبيرة في حياته بحب، من المهم أن يمنحها فرصة الاستمتاع ببعض من حريتها الشخصية، بالحصول على إجازة من مسؤولياتها ولو ليوم واحد في الاسبوع يتولى هو فيها الاشراف على رعاية الابناء".
ويضيف:
"لا يعرف الكثيرون أن تلك الاجازة، لا تمنح الزوجة الإحساس بالحرية، بل تمنحها الاحساس بتقدير زوجها وعدم أنانيته في التعامل معها ورغبته الصادقة في إرضائها، وهي مشاعر تساهم الى حد بعيد في بث روح إيجابية بين الزوجين".