الأزمة المالية العالمية تغير ثقافة جراحات التجميل
يمكن النظر إلى العقد الأول من هذا القرن، بصورة عامة، باعتباره حقبة إضفاء الصبغة الطبية على نطاق واسع من جهود التجميل.
وجاء ظهور استخدام مستحضر البوتوكس في مجال التجميل عام 2002 ليشكل أداة رفاهية غير باهظة التكلفة، في إطار أوضاع اقتصادية مزدهرة وضعت نهاية لتجاعيد البشرة.
وعلى صعيد البرامج التلفزيونية، نجد أن برامج الواقع، مثل «إكستريم مايك أوفر» و«دكتور 90210» نجحت في جعل الطب التجميلي جزءا من الحياة اليومية العادية.
وفي تلك الأثناء، اندفعت جهات الإقراض نحو عرض أنماط خاصة من الاعتمادات، من أجل إجراء جراحات التجميل هذه.
وفي خضم كل ذلك، تحول المظهر ككل إلى رمز للمكانة الاجتماعية ويخضع لأحدث التوجهات والتطورات على صعيد التقنية والدخل المادي.
إلا أنه الآن، ومع تردي الأحوال الاقتصادية، تطرح تساؤلات عما إذا كانت هذه الأحوال ستؤدي إلى تراجع في البحث عن الكمال الجسدي؟ أو تنهي موضة السعي وراء الحصول على جسم رشيق ومتناسق أو وجه ناعم الملمس لا يتحرك به سوى الشفتين؟ وعما إذا كانت المعايير الجمالية ستتراجع بعض الشيء لتسمح بوجود قدر ضئيل من التجاعيد يضفي قدرا من المصداقية؟
من ناحيتها، تعلق بيري بيسل، التي تعمل استشارية في تشاباكا بنيويورك، حيث توفر النصح إلى أطباء التجميل بشأن استراتيجيات التسويق الواجب اتباعها، على الأمر بقولها: «تأتي فترة معينة تجد أنك تولي مظهرك الجمالي قدرا مفرطا من الوقت والمال.
بالنسبة لي، تدور قضية التجميل حول: أين ينبغي أن تتوقف؟ مثلا، إذا كنت مقدما على عملية زراعة في منطقة الأرداف، فهل تحتاج بالفعل إلى ذلك؟» في الواقع، ظهرت بضعة مؤشرات توحي بأن المصاعب المالية بدأت بالفعل في التأثير سلبا على هذه الجراحات، على الأقل بشكل مؤقت. على سبيل المثال، أوضح 62% من جراحي التجميل الذين شملهم استبيان أجرته الجمعية الأميركية لجراحي التجميل، أنهم أجروا جراحات أقل خلال النصف الأول من العام الماضي مقارنة بالفترة ذاتها في العام السابق له.
وخلال الاجتماع السنوي للجمعية، الذي انعقد الشهر السابق في شيكاغو، قال بعض الجراحين البارزين إنه أصبحت لديهم أوقات شاغرة في جداول أعمالهم، ووافقوا للمرة الأولى على التفاوض بشأن التكاليف مع المرضى.
وفي الفترة الأخيرة، أشار بيان بالعائدات ربع السنوية الصادر عن مينتور كوربوريشن، وهي شركة متخصصة في إنتاج الأجزاء المستخدمة في زراعات الصدر التجميلية، إلى تضاؤل مبيعاتها داخل الولايات المتحدة بنسبة 5% خلال الأشهر الثلاث المنتهية في 26 سبتمبر (أيلول) عن الفترة ذاتها العام السابق. وفي الشهر الأخير، أوقفت شركتان تعملان بمجال إنتاج المعدات الطبية التجميلية نشاطاتهما.
في هذا الصدد، أشار توماس سيري، رئيس «ريالسيلف دوت كوم» realself.com، وهو موقع يعنى بشؤون جراحات التجميل، إلى أنه: «في أورانج كاونتي، حيث تشكل جراحات التجميل جزءا من ثقافة السكان، أخبرني الأطباء بأن نشاطهم التجاري تراجع بنسبة تتراوح بين 30% و40%. ويشير ذلك بحدوث تغير جوهري هنا». بل إن بعض المشاهير، والذين كانوا من أوائل من اهتموا بتقنيات تحسين الشكل الخارجي، بدأوا في السخرية من المظهر الشبيه باللدائن الذي يصاحب في بعض الأحيان التدخلات الجراحية التجميلية، مما يبشر بحقبة جديدة تتسم بتحفظ أكبر إزاء جراحات التجميل، وتنظر إلى المبالغة في الكمال الجسدي باعتباره أمرا يتنافى مع الذوق السليم. ويمكننا أن نطلق على هذا الأمر انتكاسة ضد بوتوكس.
يذكر أنه في الشهر السابق، وخلال لقاءين مع مجلتين مختلفتين، صرحت الممثلتان كورتني كوكس وليزا رينا بأنه لا يروق لهما الشكل النهائي للوجه بعد عمليات الحقن المفرطة.
وأكدت كوكس في لقاء أجرته معها مجلة «ماري كلير»، أن: «الأمر لا يتعلق بأنني لم أجرب البوتوكس، وإنما أمقته.
فأنت تدرك أنك أخطأت عندما تجد المقربين منك يسألونك «ماذا فعلت؟»». من جانبها، اعترفت رينا، التي ظهرت مؤخرا في فيلم «الرقص مع النجوم»، بأنها بالغت في حماسها تجاه عمليات حقن الجلد بهدف تسمينه، وتنوي الحد منها.
على الجانب الآخر، أكد الأكاديميون المعنيون بدراسة صورة الجسد وتعديله، أنه لا يزال من المبكر للغاية إصدار حكم بشأن تأثير المشكلات المالية على التوجهات إزاء الحفاظ على الجمال الجسدي.
ومع ذلك، يتوقع العديد من الباحثين إعادة تقييم المستهلكين لفكرة الحفاظ على الجمال الجسدي في ضوء الاحتياجات الأساسية والالتزامات الأسرية والتطلعات الرومانسية والمكانة المهنية والقيم الشخصية.
وأوضح الباحثون أنه في الوقت الذي ربما يشجع الركود الاقتصادي بعض الأفراد على السعي لإجراء المزيد من جراحات التجميل، فإن العديد من المستهلكين سيقلصون من، أو يتخلون تماما عن، هذه الجراحات.
في هذا الصدد، أعربت فيكتوريا بيتس تايلور، بروفيسور علم الاجتماع في كوينز كوليدج ومركز الخريجين في جامعة سيتي بنيويورك، عن اعتقادها بأنه في أوقات المصاعب الاقتصادية، يميل الأشخاص لإعادة تقييم أولوياتهم، والتخلي عن المشتريات المرتبطة بتطلعات إضافية باعتبارها غير ذات أهمية.
وأضافت دكتور بيتس تايلور أن: «جراحات التجميل ستصبح أمرا يمكنك الاستغناء عنه، وأمرا من المتعذر تبريره بالنسبة لك ولأسرتك».
يذكر أن تايلور وضعت كتابا تحت عنوان «مدمنو الجراحات: الصحة والمرض في ثقافة التجميل».
من ناحية أخرى، يعتقد كيفين ثومبسون، بروفيسور علم النفس بجامعة ساوث فلوريدا، أن الأفراد ربما يعمدون إلى الحد من إنفاقهم على مظهرهم بعد إعادة تقييمهم لاحتياجاتهم الملحة.
ووصف ثومبسون الأمر بقوله: «سيكون ذلك قرارا متعقلا لأن تضع أمان أسرتك أولا». جدير بالذكر أن ثومبسون يعكف على دراسة اضطرابات صورة الجسد منذ 25 عاما.
وربما تفسر إحدى نظريات علم النفس، التي يطلق عليها مثلث ماسلو للحاجات، والتي تتغلب في إطارها الحاجات المادية مثل الغذاء والصحة والأمن على الحاجات الفكرية مثل تقدير الذات، السبب وراء إمكانية أن يختار الأفراد توجيه الأولوية للحاجات الأساسية بدلا من الجمال، حسبما شرح ثومبسون.
وأضاف مشددا على أنه يعبر عن توقعات في غياب بيانات استقصائية، أن الأفراد ربما يتخذون قراراتهم المرتبطة بالمظهر من خلال تفحص الممارسات الخاصة بأصدقائهم ومعارفهم، بل وحتى الشخصيات الشهيرة، وهو نمط من السلوك يطلق عليه «المقارنة الاجتماعية».
وقال ثومبسون: «فيما يخص صورة الجسد، فإنهم ينظرون حولهم إلى أصدقائهم. وإذا ما تراجع الجميع، فإنهم ربما يغيرون عاداتهم بناء على ما يفعله الآخرون».
وفي تلك الأثناء، فإن الأشخاص الذين كانوا يفكرون في شأن إجراء جراحة تجميل لكن لم يخوضوها قط، ربما يفقدون اهتمامهم بالفكرة الآن.
وعلقت بيتس تايلور على ذلك بقولها: «عند النظر إلى الأوضاع الاقتصادية وحساباتهم المصرفية، فإنهم ربما يقولون «لا» الآن ويشعرون بالسعادة لحصولهم على سبب لمقاومة الدوافع الجمالية المتعلقة بجراحات التجميل».
وماذا بشأن الأشخاص الذين يتناولون عقاقير تجميلية بصورة منتظمة ؟
من جهتها، اعترفت بيسل بأنها عدلت من الإجراءات الروتينية التي تتخذها للحفاظ على جمالها، لكنها لم تفقد رغبتها في الاهتمام بصورتها.
وقالت: «دعونا نواجه الحقيقة، إذا لم تبد في صورة ممتازة، لن تحصل على شريك حياتك ولن تحقق نجاحا في فيس بوك».
وفيما يتعلق بالتغييرات التي اتخذتها للحد من إنفاقاتها في مجال التجميل، قالت بيسل، التي تكتب عن الجمال في itsthelatest.com، إنها تخلت عن مدربها الشخصي مقابل الانضمام إلى دروس الألعاب الرياضية، وفي الوقت الذي لا تزال تعتبر عمليات الحقن ضد التجاعيد ضرورية، فإنها تخلت عن التفكير في إجراء جراحات تجميل كبرى.
وبالمثل، قدمت آمي كراكو، رئيسة «بروباغندا ماركتنغ كومينيكيشن»، وهي شركة علاقات عامة في مانهاتن، وسبق أن أجرينا معها لقاء لكتابة مقال عام 2007 حول الإجراءات الروتينية التي يتبعها البعض بهدف الحفاظ على جمالهم، بعض التنازلات على هذا الصعيد.
على سبيل المثال، غيرت في الفترة الأخيرة من تسريحة شعرها بحيث قصت الشعر بصورة مستقيمة فوق الجبين ـ وهو تكنيك للتمويه يسمح بحقن الوجه بكميات أقل من البوتوكس ـ حسبما قالت.
ومع أن المصاعب الاقتصادية قد تدفع بالبعض لوقف إجراءات التدخل الطبي لرفع مستوى جمالهم، فإنها قد تحفز آخرين على تجريب هذه الإجراءات. وعلى أية حال، يتجاوز السعي لتعديل مظهر الجسد الرغبة في زيادة مستوى جاذبية المظهر، حيث يشكل محاولة لفرض سيطرة على العمر من خلال تزيين الجسد.
من جهتها، أشارت ديبورا إيه. سوليفان، بروفيسور علم الاجتماع في كلية الديناميكيات الاجتماعية والأسرية بجامعة ولاية أريزونا، إلى أن الأشخاص الذين يشعرون بالاضطرار إلى الخضوع لإجراءات تجميلية، ربما يشعرون بفقدانهم السيطرة على حياتهم.
وتتوقع ديبورا تخلي الكثير من الأشخاص عن إجراءات التجميل الطبية في ظل الأوضاع الاقتصادية الجديدة، مع ظهور تيار مقابل من المستهلكين الراغبين في خوضها لتعزيز شعورهم بالنشاط.
وقالت: «إن الأفراد الذين لم يفكروا في شأن هذه الإجراءات عندما تم تسريحهم عند سن الـ45 أو 50 أو 55 وعاودوا الدخول لسوق العمل، ربما يفكرون في شأنها في إطار سعيهم لتعزيز رأس مالهم البشري». وتوقعت بيتس تايلور أن يعاود مستوى الإقبال على جراحات التجميل الارتفاع عندما تتحسن الأوضاع الاقتصادية.
وأكدت أنه: «من السخف القول بأن جراحات التجميل ماتت أو أنه لن يقدم عليها أبناء الطبقة المتوسطة في المستقبل».
من جانبهم، يعتمد الأطباء وشركات التصنيع المعنية في مجال التجميل على مثل هذه التوقعات. يذكر أنه في الأول من ديسمبر أعلنت شركة «جونسون آند جونسون» عزمها شراء «مينتور كوربوريشن» مقابل ما يقرب من 1.1 مليار دولار.