بعد تخليق قصبة هوائية من الخلايا الجذعية .. الأاطباء المصريون يشيدون بحذر

لقد كان إنجازًا علميًا هو الأضخم والأهم بالفعل على مدار العام المنقضي، عام 2008، فنجاح الأطباء في إجراء أول عملية زرع قصبة هوائية في العالم لشابة باستخدام عضو تم خلقه جزئيًا من خلاياها الجذعية  في عملية تطوير يعتقد العلماء أنها سوف تكون تحولاً في مستقبل الجراحة، لم تكن بالنسبة لكثير من الدوائر الطبية حول العالم بمثابة التجربة العلاجية التقليدية علي الإطلاق، فالمتابع للأبحاث الحديثة، يمكنه أن يدرك حجم الاهتمام الكبير الذي حظي به هذا الإنجاز غير المسبوق في مختلف دول العالم. وبالتأكيد كان لابد وأن نبحث نحن كعرب في مردوده وإمكانية تطبيقه في منطقتنا، ونتساءل عن حقيقة موقعنا من هكذا إنجازات في مجال الأبحاث والتقنيات العلاجية الرائدة.

وحول هذه الأمور، حرصنا على تقصي الأمر وعرض مثل هذه التساؤلات على عدد من أبرز استشاري الجراحة العامة والأمراض الصدرية في مصر ، وجاءت آرائهم واضحة وغير منقوصة، وإن تركزت أحاديثهم حول جزئية أن العملية لم يتم تطبيقها سوى على حالة واحدة فقط، وأنها لا زالت في طور التجربة.

لذا ، لابد من التريث والتمعن إلى أن تصدر كافة التفاصيل الخاصة بالعملية في أشهر وأحدث المجلات الطبية والعلمية ووقتها يمكن الحكم عليها بصورة واضحة وحاسمة. كما اعترفوا بأننا لا زالنا بعيدين كل البعد عن اللحاق بركب قطار التطور الطبي العالمي.

بداية  ، يقول دكتور حسين فتحي محمود، استشاري الأمراض الصدرية، أن تجربة طبية مثل هذه هي بالفعل تجربة رائدة ومحاولة لا يمكن سوى الإشادة بها بشكل كبير، لكن لا يجب التعامل معها بشكل مطلق لأن نتائجها أو كواليسها لم يتم الإعلان عنها بشكل نهائي أو حاسم حتى الآن.

وأضاف :" نحن كأطباء في المنطقة أو في مصر لا نعلم شيء عن الحالة التي أجريت عليها التجربة، ولا نعلم أي شيء عن طبيعة حالتها التي كانت مصابة بها أو ضغط الدم الخاص بها ولا أي شيء عن تفاصيل الحالة المرضية. ومع هذا لا يسعنا سوى أن نعترف بأنها محاولة جيدة، سوف ننتظر لمعرفة مدى إمكانية تطبيقها وتعميمها على نطاق واسع على جميع المصابين بمرضى السل أو الضرن في المستقبل".

وبسؤاله عن إمكانية تطبيق تقنية علاجية مثل هذه في منطقتنا، أكد دكتور حسين أن الوقت لم يحن بعد لإجراء مثل هذه التقنيات ، وشدد على أن ما يعوق ذلك هو غياب الجهات المسؤولة التي يمكنها أن تدعم تجربة طبية كبيرة مثل هذه. مشددًا في النهاية على أن مجال الأبحاث العلمية دائما ما يشهد تطوراً كبيرا ً في عديد من عواصم العالم الطبية، ونحن هنا في مصر ، لا زال أمامنا بعض من الوقت حتي يمكننا تحقيق ذلك.

أما الدكتور محمد مجدي فريد،  استشاري الجراحة العامة في المستشفيات التعليمية وهيئة المؤسسة العلاجية بالقاهرة فقد أكد من جانبه على أن مثل هذا الإنجاز الذي تحقق لا يزال في طور التجارب وأنه لم يتم التأكد حتى الآن من نتائجه بصورة نهائية، مشيرًا في الوقت ذاته على أنه لا يعتقد بشكل شخصي أن ترتقي مثل هذه التجربة الرائدة إلى طور التجربة الناجحة.

كما أضاف أن المنطقة العربية بأسرها لا زالت بعيدة كل البعد عن إمكانية تحقيق مثل هذه الإنجازات العلمية ليس لنقص الخبرات أو الكفاءات الطبية، لكن لوجود بعض العوائق منها على رأسها الإشكالية الحقوقية فإجراء مثل هذه تجربة على إنسان أمر لا يزال مستبعد على أرض الواقع لأن هناك حقوق للإنسان وحقوق للحيوان ، وهي مسألة ذات أبعاد كبيرة وبخاصة في مجتمعنا العربي.

كما نوه إلى أن الأبحاث التي يجريها الغرب من خلال الخلايا الجذعية، تشهد تطورًا واضحًا في كثير من المجالات وهي ممكنه هنا أيضا لكن في تخليق خلايا الكبد وخلايا أعضاء أخرى في الجسم، أما إمكانية تخليق قصبة هوائية، كما أعلن الأطباء الإنكليز، فهو أمر يمكن أن يأتي في إطار المزايدات الطبية، لأنه شيء غير واقعي من الناحية العلمية حتى الآن على أقل تقدير.

ويرى الدكتور عاطف جورج – استشاري الأمراض الصدرية – أن مثل هذا الإنجاز يعد واحدا من أهم الإنجازات التي تحققت في مجال الأمراض الصدرية خلال العام 2008، وإن كان يفضل التريث لمدة أطول حتى يمكن التأكد من فاعلية النتائج التي ستؤول إليها تجربة الاستعانة بالخلايا الجذعية في تخليق عضو مهم وفاعل مثل القصبة الهوائية.

مشيراً إلى أن نفس التجربة تذكره تماما بما حدث مع عمليات زرع القلب عندما كانت في بداياتها، ومن ثم على الجميع أن يتعامل مع مثل الإنجاز الذي يجب أن نعترف بكونه إنجاز كبير، على حد تعبيره، بقدر كبير من الحذر لأن كافة تفاصيل ونتائج العملية لم تنشر بشكل كامل ومفصل في مجلات طبية أو علمية ومن ثم فإن الأمر لا زال في بداياته، وهو ما يضطرنا للانتظار والتريث لبعض الوقت.

وعن رأيه حول إمكانية تطبيق مثل هذا الإنجاز في مصر أو المنطقة العربية، فأكد د/ عاطف على أن مثل هذه العمليات تكون مكلفة للغاية، ولن يكون بإمكان الأطباء في المنطقة من تطبيق هذه التقنية المبتكرة قبل أقل من 20 عام على الأقل.

وهو يرى من وجهة نظره أن الإمكانيات المادية لن تكون حائلا ً في سبيل تحقيق ذلك، لأن أمر مثل هذا يمكن التغلب عليه، لكن المشكلة الحقيقية تتمثل في إمكانية توفير ما أطلق عليه "البيئة العلمية والطبية" التي تمنح الأطباء مناخ العمل الملائم إنجاز حدث كبير مثل هذا. وشدد في النهاية على أننا هنا كمنطقة عربية لازلنا متفرجين على مثل هذه الإنجازات، ولا يسعنا سوى أن ننتظر حتى تتحسن الظروف والمناخ المرجو للوصول إلي هذا لمستوى الطبي المتقدم.

ومن جانبها رفضت دكتور عصمت علي عبد النبي، استشاري أمراض الصدر بقصر العيني الفرنساوي، الخوض في تفاصيل هذا التدخل الطبي الجديد بداعي أن الأمر لم يتضح بالشكل النهائي بعد ، مفضلةً ترك مساحة من الوقت من أجل التأكد بصورة نهائية من فاعلية ما تم التوصل إليه من نتائج وان كانت تراه خطوة كبيرة بالفعل على طريق الأبحاث العلاجية الحديثة. وأشارت في الوقت ذاته إلى أن إنجاز مثل هذا لن يكون من السهل تطبيقه في منطقتنا العربية على المدي القريب.

ويرى دكتور محمد السيد ، دكتور الأمراض الصدرية، أنها تجربة طبية رائدة بالفعل، وان كان رأيه لا يختلف كثيرًا عن من سبقوه من الاستشاريين حيث يفضل هو الآخر أن يتم الانتظار لبعض الوقت من أجل التأكد بصورة نهائية من نتائجها والوقوف على مدى فاعليتها في معالجة قطاع أكبر من المرضى.

كما أنه يرى أننا هنا كمنطقة عربية لا زلنا نحبو على طريق التقنيات العلاجية شديدة التقدم كالتجربة التي نتحدث عنها، مشيرًا إلى أن مثل هذه العمليات تتطلب أجواء وعوامل طبية خاصة. مشددا في الوقت ذاته على توافر الكفاءات العلمية بالفعل لكن ما تحتاج إليه هو المناخ المناسب.