هل تترك عرابة صناعة الموضة " أنا وينتور" مجلة «فوج» الأميركية ؟
إذا كان أهم حدث سياسي هذا العام هو انتخاب اول رئيس اميركي اسود لدخول البيت الأبيض، وأهم حدث اقتصادي هو الأزمة المالية العالمية وانهيار سوق البورصة، فإنه في عالم الموضة سيكون مغادرة أنا وينتور، رئاسة تحرير أهم وأقوى مجلة نسائية براقة في العالم، «فوغ« بنسختها الاميركية. لكن هذا إذا صحت الإشاعات، التي انتشرت في الشهر الماضي وتفيد بأن مجموعة «كوندي ناست» تنوي استبدالها بنسخة اكثر شبابا.
الخبر مثير، فهذه المرأة الفولاذية التي حكمت، إن صح القول، عالم الموضة لعودة عقود، صنعت خلالها أسماء وأودت بأسماء طي النسيان، أصبحت جزءا لا يتجزأ من هذه المجلة، بحيث يصعب تصور الواحدة من دون الأخرى. وعلى مدى السنوات كونت لها اصدقاء أوفياء كما كونت أعداء يتمنون أن تتحول الإشاعة إلى حقيقة. فهي بالنسبة لهؤلاء تمثل كل صفات بطلة «الشيطان الذي يلبس برادا»، الفيلم الذي يقال إنه عنها ومبني على تجربة شخصية لمساعدة عملت معها في المجلة.
لكن في المقابل، هناك من سيحزن ويعتبر خروجها من «فوغ» انتهاء فصل مهم من فصول الموضة. لهؤلاء، فهي قد تبدو باردة بفساتينها المنتقاة بعناية من دار «شانيل»، وصارمة بقصتها «الكاريه» التي لا تغيرها وغامضة بنظاراتها السوداء التي تحاول من خلال إخفاء مشاعرها، وفولاذية في تعاملها مع الآخرين، لكنها أكثر من يقدر العمل والمواهب، ولا تطلب من العاملين معها أكثر مما تتوقعه من نفسها. وهذا ما يفسر المكانة التي وصلت إليها، والتي تكاد تضاهي المجلة التي ترأسها، مع أنها أهم مجلة نسائية في العالم أجمع وأكثرها تأثيرا على الإطلاق. في عز انتشار الإشاعة، تجرأ صحافي وسألها عن خبر مغادرتها «فوغ»، ردها كان جافا ورادعا وقالت له بانها تعتبر سؤاله «غير مؤدب أو لائق».
وفي مناسبة أخرى وبعد ان هدأت النفوس بعض الشيء، أجابت عن نفس السؤال بأنه غير صحيح وأنه لا نية لها بترك المجلة. لكن العارفين، أو المتمنين لتحقق الإشاعة، يردون بأن الأمر ليس بيدها، وأن القرار الأخير سيكون في يد مجموعة «كوندي ناست» التي بدأت منذ مدة بالبحث عن بديلة.. أصغر سنا. التوقعات في البداية كانت ترشح، رئيسة تحرير «فوغ» النسخة الروسية أليونا دوليتسكايا لكنها أخيرا بدأت ترجح كفة رئيسة تحرير النسخة الفرنسية للمجلة، كارين رويتفيلد، التي ترأس ايضا مجلة «غيس وات».
وإذا صح الأمر فإن التشابه بين الحقيقة والفيلم «الشيطان يلبس برادا» مخيف، لأن التي أخذت مكان رئيسة التحرير، المبنية على شخصية وينتور، هي رئيسة تحرير النسخة الفرنسية. وكما في هذه الحالات، فإن كل يدلي بدلوه في الاسباب، البعض يقول أن أنا وينتور بلغت أرذل العمر، أي أنها ستقفل الستين قريبا، والبعض يقول أن حجم الإعلانات تقلص في المدة الأخيرة.
طبعا هذا الأمر تعاني منه معظم المجلات البراقة تقريبا، ولا يمكن ان يكون لوينتور يد فيه، لكن المؤكد ان المجلة تأثرت بالأزمة المالية الحالية وبالتالي بدأت رئيستها تخسر بعض من قوتها. ففي شهر سبتمبر من عام 2004 مثلا، طرحت عددا تاريخيا، حطم كل المقاييس بعدد إعلاناته، التي أدت إلى صدور عدد وصلت صفحاته إلى 832 صفحة، لكنها شهدت في هذا الشهر انخفاضا بنسبة 22%، وهو الأمر الذي يمكن توقعه بالنسبة لمجلات أخرى، لكن ليس لـ «فوغ» الأميركية.
فوينتور بنجاحاتها السابقة، كمن حفرت قبرها بيدها، إذا كان هذا هو السبب، لأنه بفضلها وصلت المجلة إلى ما وصلت إليه اليوم من إعلانات وشعبية، لأنها هي التي حولت مجلة كانت مؤسسة إلى مجلة ملهمة وملهبة للخيال.
فمن اهم إنجازاتها، انها منذ ان تسلمت رئاسة المجلة في الثمانينات، عام 1988، غيرت سياستها وفلسفتها بل وحتى شكلها تماما، بأن جعلتها في متناول الجميع بعد ان كانت موجهة للنخبة فقط. وهذه السياسة هي التي حددت مسار المجلة، التي أصبحت تجمع بين الإبهار والواقعية، سواء في طريقة تصوير الموضة أو في اختيارها للأزياء وتنسيقها. لم تعد العارضة تظهر فقط في أزياء «الهوت كوتير» أو الموقعة باسماء عالمية من الرأس إلى اخمص القدمين، كما لم يعد تنسيق الحقيبة والحذاء وطلاء الأظافر وأحمر الشفاه من الضروريات.
ليس هذا فحسب، فقد بدأت أسلوب مزج القطع الغالية جدا بقطع بسيطة، وقطع لمصممين عالميين معروفين بأخرى لمصممين وفنانين شباب، الأمر الذي أعطاهم فرصتهم في البروز والانطلاق إلى العالمية. وهذا ما لخصه مصمم الأحذية المشهور، مانولو بلانيك، في إحدى المناسبات بقوله أنها تتمتع بحاسة شم قوية جدا تمكنها من تمييز الموهوبين من المصممين، لتقوم بعد ذلك بمد يد العون لهم لإبراز مواهبهم الكامنة.
وكانت المجلة وسيلتها لذلك، ومع كل تطور ونجاح للمجلة كانت تزيد قوتها تزيد، مما أكسبها لقب «عرابة الموضة». أنا ليست غريبة على أجواء الصحافة ، فقد تعلمت اصولها على يد والدها الذي كان رئيس تحرير الجريدة البريطانية «إيفنينج ستاندرد». بدأت مشوارها الصحافي وهي في 16 من العمر، رغم أنها لم تحصل على شهادات عالية، لكنها تعلمت كل شيء من الحياة، وساعدها على ذلك شخصيتها القوية، التي ظهرت معالمها منذ الصغر.
فرغم سنها الغض كانت لا تتخوف من طرح أسئلة جريئة ولا تقبل بأنصاف الأجوبة، بل تلح بجرأة حتى تحصل على ما تريد. وهذه الصفات لازمتها إلى اليوم، وربما تكون السبب في اللغط السلبي الذي يدور حولها في أوساط الموضة، وتم التنفيس عنه في فيلم «الشيطان يلبس برادا» وفي كتاب ضم مجموعة من النكات الخاصة بها.
ومع ذلك لم ترد ولم تبال، فهي ترى أن مسؤولية كبيرة منوطة بها وعليها تأديتها على أحسن وجه، وإذا خيرت بين العمل والمجاملات الاجتماعية، فهي ستختار العمل من دون تردد، انطلاقا من قناعتها بأن النجاح له ضريبة. فهي لا يمكن ان تنسى انها أهم امرأة في صناعة تقدر بـ 160 مليار دولار سنويا، وهو ما تعرفه جيدا. الإشاعة لا تزال مشتعلة، لاسيما وان تتزامن مع سياسة مجموعة كوندي ناست، التقشفية الجديدة والتي بدأتها بتقليص مصاريفها منذ فترة غير بعيدة.
فقد أغلقت مجلة «فوغ ليفينغ» وألغت إصدار «فاشن روكس» وقلصت ميزانية نسخة «فوغ الرجل» وليس ببعيد ان تكون النية استبدال أنا وينتور التي تتقاضى مليوني دولار سنويا بأخرى أصغر سنا وتجربة لأنها ستتقاضى راتبا أقل.
ورغم أن وينتور تنفي الإشاعة وس.ي. نيوهاوس، المالك لمجموعة كوندي ناست، أيضا ينفي بشدة، لكن اوساط الموضة منقسمة بين مصدق وغير مصدق، خصوصا بعد أن قابل هذا الأخير كارين في باريس. والسؤال المتداول حاليا هو فكيف ستكون «فوغ» من دون أنا وينتور، وكيف ستعيش هي بعيدا عن «فوغ» التي اصبحت تجري في دمائها ؟.