ساعة الملكة أنطوانيت التي شغلت العالم تعود إلى الواجهة
في عام 1774 توّجت ماري أنطوانيت ملكة على عرش فرنسا. فأثارت الجدل وحيكت من حولها القصص والأساطير التي قاربت حدود الخيال فأذهلته.
تميّزت بعشقها لمظاهر البذخ والترف. فشهد قصر فرساي في عهدها ترجمة أفكارها المميزة وأجوائها الصاخبة.
عرفت بحبها للفن بمختلف أشكاله من المسرح الى الشعر والرسم، كذلك تزيّنت بالجواهر النفيسة وكانت ساعات دار "بريغيه" الأحبّ الى قلبها.
في عام 1783 ونزولا عند رغبتها ومن خلال أحد معاونيها تمّت التوصية لدى دار "بريغيه" على ساعة مميزة تجمع مختلف التعقيدات المعروفة في ذلك العصر، وأصرّت الملكة على أن تكون من الذهب، دون التقيّد بحدود الكلفة أو الزمن الذي قد تحتاجه القطعة لتنفّذ.
كتب التاريخ تذكر أن الملكة لم تكن تعبأ بمعاناة شعبها ومتطلباتهم الحيوية، حتى أشيع أن الأمر وصل بها الى حدّ القول "إذا لم يجد الشعب الخبز ليقتاته، فليأكل الكعك ".
وفي خريف عام 1793 انفجرت الثورة الفرنسيّة، وفجّر الشعب حقده وغضبه عليها، أمسك بها الثوار وطووا صفحة الملكية عندما أصدروا قراراً بإعدامها ونفذوه فوراً.
قد يكون زمن الملكة توقف وتغيّر تاريخ فرنسا، الاّ أن العمل على ساعتها لم يتوقف. ففي العام نفسه هرب "بريغيه" الى سويسرا خوفاّ من غضب الشعب، ومعه الساعة "الملكية" التي حملت الرقم 160 من دار ابراهام لوي بريغيه الذي توفيّ في عام 1823 قبل أن ينهي العمل عليها، فتولى نجله أنطوان لوي بريغيه الذي خلفه في ادارة المؤسسة، ومعه حرفيّو الدار مهمة إكمال العمل، لتتحرك عقارب الساعة التي انجزت في عام 1827. وهكذا ولدت تحفة فنيّة حملت بفخر اسم "ساعة الملكة ماري أنطوانيت".
هذه التحفة تميزت بتعقيدات أدهشت حرفيي ذلك الزمن ولا تزال محيرة لحرفيي أيامنا هذه.
فقد صنعت علبتها من الذهب وحجر الكريستال، وتضمنت عددا من المهمات التي طبعت ذلك العصر، منها الروزنامة الدائمة ونظام تكرار الدقائق الى مقياس للحرارة ومؤشر لمخزون الطاقة.
الساعة تنقلت بين مختلف عشّاق اقتناء القطع النفيسة لتستقر في عام 1960 في متحف "أل آي ماير للفن الإسلامي" في القدس، لكن في عام 1983 تعرّض المتحف للسرقة وكانت الساعة رقم 160 من ضمن المسروقات، وقدّر ثمنها في ذلك الوقت بـ30 مليون دولار.
عندما تملّكت مجموعة "سواتش" التي يرأسها نقولا حايك مؤسسة "بريغيه" ليصبح هو بنفسه الرئيس التنفيذي للدار في عام 1999، بقي مصير الساعة غامضا، ولم يتم كشف سر اختفائها، الا ان أجهزة الشرطة والإنتربول بقيت في حالة ترقّب دائم وبحث مستمر عليها، وفي سريّة تامة.
في العام 2005 قرر حايك المضيّ في مشروع جديد، الا وهو إعادة احياء ساعة "بريغيه" الخاصة بالملكة ماري أنطوانيت، من خلال اعادة ابتكار ساعة مطابقة لها.
وكان التحدي كبيرا نظرا لعدم وجود مخطوطات دقيقة للتصميم الأصلي، فكان على الفريق التابع للمجموعة العودة الى أرشيف الدار والبحث ضمن الرسوم وبعض الساعات التي تميّزت بتعقيدات دار "بريغيه" لتثمر الأبحاث والعمل الحثيث على قطعة فنيّة رائعة، بحيث يمكن اعتبارها نسخة عن ساعة "بريغيه" الأصلية. وحملت الرقم 1160، اما تنفيذها فاستغرق 44 شهرا، ليأتي الرقم مطابقاً لعدد السنوات التي احتاجت اليها الساعة الأصلية لتنفّذ.
يبقى السؤال، هل أن تطابق الأرقام هي لعبة مصادفة بحتة أم وليدة فكر حايك المبدع؟
بفخر الفاتح المتباهي بانتصاره، كشف حايك خلال معرض بازل للساعات والمجوهرات، في شهر ابريل (نيسان) الماضي عن انجازه الثمين وسط حضور اعلامي عالمي لافت.
كانت الملكة ماري انـــطوانيت حاضرة فيه من خلال نموذج مطابق لساعتها الأصلية. الكل يردد اسمها بعد مرور ما يزيد عن قرنين على موتها، وجاءت طريقة إعلان وصول الساعة مميزة، فقد جاءت بعلبة خشبيّة مزخرفة تحمل في عروقها قصّة خاصة بها على قدر أهمية الحدث.
صنعت من خشب شجرة سنديان تعود الى عهد ماري أنطوانيت، بل وكانت الشجرة المفضّلة لدى الملكة، وزيّنت بأشكال هندسيّة مشابهة لأرضية قصر "لو بوتي تريانون" الذي وضعه الملك لويس السادس عشر في إمرة ملكته في ذلك العصر.
الحكاية لم تنته فقد شهد خريف هذا العام وتحديدا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) حدثا بارزا، إذ أعلنت المباحث الإسرائيلية عن حلّ لغز اختفاء الساعة رقم 160 بعد مرور 25 عاماً.
وهكذا تمّكن المحققون من الإمساك بخيوط القضيّة حين حاولت أرملة السارق نييمان ديلر وهو سارق محترف، بيع القطع عن طريق مكتـــب محاماة في لوس انجليس بالولايات المتحدة الأميركيّة.
وقد تبيّن خلال مجريات التحقيق الذي تمّ بتكتّم شديد، ان زوج الأرملة اعترف لها وهو على فراش الموت بعملية السرقة الشهيرة، لتحلّ بعد 25 عاما قضية شغلت عالم المباحث الجنائية وهواة جمع المقتنيات النادرة والنفيسة.
وهكذا عاد اسم الملكة التي أعدمها الشعب الى التداول من خلال إصرار حايك على تعويض دار "بريغيه" عن فقدانها هذه التحفة الفنية، ومن خلال العثور على القطعة الاصلية ليعود الاسم مثار جدل يربط الماضي بالحاضر.