شكوك في تلفيق الشرطة المصرية لتهمة قتل ابنة ليلى غفران
أثيرت في الأوساط الإعلامية والقانونية المصرية شكوك واسعة في أن تكون الشرطة لفقت جريمة قتل ابنة ليلى غفران وصديقتها لمتهم بريء، على نمط تلفيق جريمة ذبح عدة أسر في بيوتها بقرية بمحافظة المنيا قبل عدة أعوام لشاب مريض نفسيا ظهرت براءته فيما بعد.
وطالب محامي المتهم محمود سيد عبد الحفيظ عيسوي ويعمل في حرفة "نجار المسلح" بالكشف عن القوي العقلية للمتهم واستشهد بأنه يهذي بكلام غير مفهوم وفي غير موضعه، وأنه اعترف تحت الإكراه؛ حيث يظهر التعذيب واضحا علي يديه.
فيما قررت نيابة مصرية أمس الأربعاء 3-12-2008 حبسه أربعة أيام علي ذمة التحقيقات بعد أن وجهت إليه النيابة تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بالسرقة.
واعترف المتهم عيسوي (20 عاما) بالسرقة وأنكر تهمة القتل، وقال: إنه قام بسرقة ورقتين من الفئة 200 جنيه وهاتفي محمول، إلا أنه تراجع عند معاينة مكان الجريمة واعترف بالقتل.
وكان قد عثر على الضحيتين مقتولتين طعنا بآلة حادة في أماكن متفرقة من جسديهما الخميس الماضي 28-11-2008 في شقة بحي الندى بضاحية الشيخ زايد التابعة لمحافظة 6 أكتوبر "غرب القاهرة".
وظل والد المتهم يصرخ في قسم روض الفرج بالقاهرة، بعد أن قبض علي ابنه، قائلا: إنه كان ليلة الحادث وسط أشقائه، وأضاف "ابني يحصل على دخل ثابت أسبوعيا 300 جنيه، أي 1200 جنيه شهريا، فكيف يقتل فتاتين ليسرق 400 جنيه".
الكشف عن قواه العقلية
وقال سيد فكري محامي المتهم أنه لم يقتل أحدا، واعترف تحت تأثير الضرب والتعذيب الذي تعرض له في قسم الشرطة، والذي يظهر واضحا في يديه، مؤكدا أنه طلب من النيابة الكشف عن سلامة قواه العقلية؛ لأنه مضطرب نفسيا، ويهذي بكلمات غير مفهومة، حتى إنه وسط التحقيق قال لوكيل النيابة "يا باشا الضابط اللي بره جايبلي فرخة، وأنا عاوز آكل" مما يؤكد أنه ليس في حالته الطبيعية.
وأضاف أن المتهم "ليس "مسجل خطر" لدى الشرطة، ولا سوابق له سوى واقعة تعاطي مخدرات تم حفظها في 2007، ولا علاقة له بالعتلة والسكينة اللتين عثر عليهما في مكان الحادث".
وشككت صحف مصرية في الاعتراف، وأرجعته إلى الضغوط التي يمارسها ضباط الشرطة في الأقسام وعمليات التعذيب التي تجعلهم يعترفون بجرائم لم يرتكبوها حتى يتوقف التعذيب، مستشهدين بأكثر من قضية فشلت أجهزة البحث الجنائي في القبض على مرتكبيها الحقيقيين، ولفقوا التهم لأبرياء، كما حدث في قضية متهم بني مزار، وهو ما أكده خبراء أمنيون، مشيرين إلى أن القضية سارت بطريق عشوائي، ولا يستبعدون أن تكون ملفقة.
اعتراف بعد مشاهدة الضباط
وفي معاينة النيابة العامة لمكان الجريمة، حيث نزل المتهم من سيارة الترحيلات وبدأ تمثيل الجريمة، وتسلق السور ومشي في الحديقة، وخلع الحذاء، وصعد عبر المواسير ودخل الشقة التي تقع في الطابق الثاني، وانهار في البكاء عندما شاهد ضباط الشرطة حوله، وهدأه رجال النيابة وطلبوا منه تمثيل جريمة السرقة، لكنه أعاد النظر إلى رجال الشرطة مرة أخرى وارتعش، وبدأ يمثل السرقة، إلا أنه اندمج وبدأ يمثل جريمة القتل وهو يقول "أنا ما كنتش عايز اقتل".
وفي روايته لتفاصيل الحادث ذكر أنه وجد نافذة مفتوحة قليلا تطل على غرفة المعيشة، فتحها ودخل ومنها إلى المطبخ، حيث عثر على مبلغ 400 جنيه فقام بسرقته، ثم توجه إلى إحدى غرف النوم فوجد المجني عليها "نادين" في حالة شبه استيقاظ، فتوارى وراء إحدى ستائر الغرفة لمدة ربع ساعة تقريبا، وعندما شعر بأن نادين استغرقت في النوم، قام بسرقة هاتفها المحمول وخرج من غرفتها وأوصد باب الغرفة، إلا أنها استيقظت وقامت بجذب مقبض الباب.
وأضاف أنه وضع يده اليسرى على فمها، محاولا إسكات صوتها ومنع أي صراخ قد يخرج منها، واستل بيده الأخرى سكينا اشتراه قبل قيامه بارتكاب الجريمة بثلاثة أيام، ملوحا به في وجهها في محاولة منه للدفاع عن نفسه في ظل مقاومتها له، مؤكدا أنه في محاولاته العشوائية لردعها تسبب في حدوث قطع في عنقها، إلا أنه لم يكن غائرا ولم يحل دون استمرارها لمقاومته، حتى عاجلها فورا بعدة طعنات في جسدها، أسفرت عن مقتلها وحدوث جرح بسيط بيده قام بمسح الدماء الناتج عنه في إحدى الستائر.
وأشار إلى أن المجني عليها الثانية هبة العقاد استيقظت على صوت العراك الدائر بينه وبين نادين، فأسرعت بالتفتيش عن شيء في غرفة المعيشة، تقوم بردعه وضربه به، إلا أنه لم يمهلها الوقت وعاجلها بسلسلة من الطعنات المتوالية قبل أن تمسك بأي شيء، وأسرع بالهروب من الفيلا من نفس النافذة التي دخل منها.
مريض بالصرع
المتهم مريض بالصرع ويقيم مع أسرته المكونة من ستة أشخاص في غرفة ضمن شقة يشاركهم فيها آخرون بحمام واحد ومطبخ واحد، وليلة القبض عليه قام بفض مشاجرة حدثت في الشارع وهو ما أصاب الجيران بصدمة، لأنهم يعرفون عنه أنه في حاله ولا يصادق رفقاء السوء.
وشككت صحيفة "الدستور" المصرية في أن يكون هو الفاعل الحقيقي، ووصفته بأنه لا يبدو مريحا على الإطلاق، مؤكدة أن هناك ما يثير الشكوك ويدعم مزاعم تذهب إلى أن هناك شيئا ما يدور ويحدث في الخفاء، أخرج هذه النهاية غير المتوقعة.
ورصدت عددا من المتناقضات في القضية، وقارنتها بما حدث في قضية سفاح بني مزار، التي قيدت في النهاية ضد مجهول.
وقال الخبير الأمني محمود قطري، وهو عقيد شرطة أصدر كتابين عن مخالفات الضباط وكيفية تلفيق القضايا: إن قضية ابنة ليلى غفران وصديقتها "تسير بطريقة عشوائية، وهذه العشوائية لا تظهر سوى في نوعية قضايا لا تصل فيها الأجهزة الأمنية إلى الفاعل الحقيقي، أو تصل إليه وتتبين أنه علي مقربة من السلطة، فتصطاد أحد الأبرياء بعناية فائقة وتعذبه أو تغريه بالاعتراف".