انقلاب في حياة أسرة أوباما .. الحلاقة والعشاء تحت مراقبة الحرس السري
منذ أسبوعين، توجه باراك أوباما إلى صالون «هايد بارك» لحلاقة شعره. ولدى دخوله، ألقى التحية على العاملين والعملاء الآخرين، وجلس على ذات المقعد الذي اعتاد الجلوس عليه على مدار الأعوام الأربعة عشر الماضية أمام الحلاق.
إلا أنه عندما رغب في حلاقة شعره، الأسبوع السابق، ألقى مسؤولو الخدمة السرية نظرة على النوافذ الزجاجية للمحل وجموع الأشخاص الراغبين في مشاهدة الرئيس المنتخب، وسرعان ما تم تغيير الخطة.
وإذا كان أوباما لم يعد باستطاعته التوجه إلى الحلاق، فإن الحلاق ما زال بمقدوره الذهاب إليه لحلاقة شعره في شقة أحد أصدقائه.
والمؤكد أن حياة الرئيس المنتخب حديثاً وأسرته قد تغيرت إلى الأبد، فحتى القيود والإجراءات الأمنية التي اضطروا للخضوع لها خلال فترة الحملة الانتخابية الرئاسية لا تقارن بأي حال من الأحوال بالفقاعة التي باتت تحيط به على مدار الأيام العشرة منذ انتخابه رئيساً للبلاد.
والآن، يعيش «رينيجيد»، حسبما تطلق عليه هيئة الخدمات السرية، في إطار حدود بالغة الصرامة عادة ما يخضع لها كل من يتولى أقوى منصب على كوكب الأرض.
واختار أوباما قضاء الفترة الانتقالية ما بين انتخابه وحتى توليه مهام منصبه رسمياً في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل في منزله بمنطقة «هايد بارك»، التي باتت أشبه بقلعة محصنة بغرض حمايته.
بعد عامين من إلقاء الخطب وحضور الاجتماعات الجماهيرية الحاشدة، تقهقر أوباما حالياً إلى حالة من العزلة أشبه بتلك التي يعيشها النساء والرهبان، حيث اختفى بدرجة كبيرة عن الأنظار العامة، ولم يعد يظهر سوى عند قيامه بتوصيل ابنتيه إلى المدرسة أو توجهه إلى صالة للألعاب الرياضية داخل مبنى يقطن فيه أحد أصدقائه.
وعلق ألكسي جيانولياس، أمين صندوق ولاية إلينوي، وأحد أصدقاء أوباما المقربين، على الأمر بقوله: «إن هذا يشكل تحولاً هائلاً على الصعيد الشخصي، أيضاً، لأبعد ما يمكن لأي شخص تخيله.
إن أموراً بسيطة، مثل الذهاب إلى صالة ألعاب رياضية أو دور السينما أو تناول العشاء بالخارج مع زوجته، لن يعود أي منها إلى ما كان عليه من قبل قط.
وهي أمور نتعامل معها جميعاً باعتبارها مسلمات». ومن الواضح أن أوباما يعمل على إرجاء التغيير بأقصى صورة ممكنة من خلال بقائه في شيكاغو خلال الفترة الانتقالية.
وخلال محادثة هاتفية بينه وبين أحد أصدقائه وصلت إلى مسامع أحد المراسلين كان على متن ذات الطائرة التي استقلها أوباما في طريق عودته إلى شيكاغو بعد زيارته للبيت الأبيض يوم الاثنين، قال أوباما: «لن أقضي الكثير من الوقت في واشنطن خلال الأسابيع القادمة».
وبالفعل، قضى أوباما في واشنطن أقل من أربع ساعات للقيام بجولة في البيت الأبيض وعقد محادثات مع الرئيس بوش.
يذكر أنه حتى الآن لم يحصل أوباما بعد على إجازة منذ انتهاء الانتخابات، حيث يعكف على اختيار فريق العمل المعاون له في البيت الأبيض والوزراء وصياغة السياسات، لكن أصدقاءه ومساعديه أشاروا إلى أنه يعمد إلى استغلال هذا الوقت أيضاً في التركيز على شؤون أسرته قبل الانتقال إلى أشهر عنوان على مستوى البلاد.
كما تلتقي الاعتبارات الشخصية مع حسابات سياسية، ذلك أنه من خلال بقائه في شيكاغو، قد يصبح من الأسهل بالنسبة لأوباما تجنب إقحامه في قرارات الإدارة الراحلة، وربما يعزز من الشعور بالتغيير عند انتقاله إلى واشنطن كرئيس جديد للبلاد.
على سبيل المثال، لن يوجد أوباما في واشنطن أثناء انعقاد القمة الاقتصادية العالمية التي تبدأ أعمالها يوم الجمعة.
كما أنه لن يحضرَ الجلسة التي سيعقدها الكونغرس الأسبوع القادم. ومع ذلك، فإن المظاهر الخارجية لحياته أصبحت تتسم بطابع رئاسيٍّ متنامٍ، فرغم أنه لم يحصل بعد على حق استخدام طائرة الرئاسة، فإنه ينتقل الآن داخل سيارة ليموزين حكومية مصفحة، تصاحبها حافلة عسكرية وعدد من السيارات الأخرى التي تندفع أثناء توقف حركة مرور السيارات الأخرى على الطريق.
ومع أن هيئة الخدمات السرية أقامت منذ أمد بعيد حواجز خرسانية حول منزله في شيكاغو، قامت بعد الانتخابات بتوسيع حدود المنطقة التي تحيطها الحواجز لتشمل أربعة صفوف أخرى من البيوت، واستعانت بكلاب مدربة على التقاط رائحة المواد المتفجرات.
في هذا الصدد، أكدت ميشا كودل، 45 عاماً، التي تعيش بالقرب من أوباما، أن «الحال تبدل». إنه أمر غير مريح قليلاً، قليلاً فحسب، عندما تضطر إلى الالتفاف حول ثلاثة صفوف من المنازل كي تذهب إلى مبنى ما، لكنني لا أمانع في ذلك لأنني حصلت على الرئيس الذي منحته صوتي. وإذا كان ثمن ذلك قليلاً من الإزعاج، فلا مانع».
يذكر أن منزل أوباما، الذي اشتراه مقابل 1.65 مليون دولار عام 2005، عبارة عن قصر يقع في قلب منطقة «هايد بارك ـ كينوود» بالقرب من جامعة شيكاغو، والتي تتميز بتنوعها العرقي والاقتصادي.
ويحجب المنزلَ الكبيرَ عدد كبير من الأشجار، ناهيك من مجموعة من عملاء الخدمات السرية وضباط شرطة شيكاغو.
ويضم الحي بصورة عامة خليطاً من المنازل الفخمة العتيقة، لكنها تلقى اهتماماً جيداً، علاوة على مبان مهدمة. وعلى الجانب الآخر من الشارع، تبدأ أسعار الوحدات السكنية التي تم تجديدها بـ190 ألف دولار.
يذكر أن معظم الرؤساء في العصر الحديث كانوا يعيشون في منزل ريفي أو مزرعة يُمكن عزلها بسهولة عن المنطقة المحيطة بها.
ويعد أوباما أول رئيس منذ ريتشارد إم. نيكسون يتم انتخابه في وقت يعيش في حي حضري. من جهته، سرعان ما باع نيكسون شقته بمدينة نيويورك وانتقل خلال فترة رئاسته للعيش بمناطق منعزلة في فلوريدا وكاليفورنيا.
على النقيض، من المتوقع أن يحتفظ أوباما بمنزله في شيكاغو. وفيما يخص المنزل الحالي لأوباما، تم إغلاق الشوارع المحيطة به أمام المرور الخارجي.
ويضطر المقيمون بالمنطقة إلى إبراز بطاقات الهوية عند نقاط التفتيش، بينما يقوم الضباط بتفحص قوائم الأشخاص الحاصلين على تصريح مسبق بالمرور.
من جانبهم، قدم المسؤولون عن معبد إيسايا إسرائيل الواقع على الجانب الآخر من الشارع قائمة بأسماء 2000 من الأعضاء والزائرين بانتظام للمعبد، والذين يتم تفتيشهم باستخدام أجهزة استشعار لالتقاط أي أجسام معدنية قبل السماح لهم بالتوجه لأداء الشعائر الدينية. من ناحيتها، علقت ليندا روس، المديرة التنفيذية للمعبد، على الأمر بقولها: «المسألة ليست بالضخامة التي قد تبدو عليها».
وأشار مدير شؤون عقارات، رفض الكشف عن هويته، يعكف حالياً على محاولة تأجير شقق مقابل 750 دولارا شهرياً على بعد ثلاثة منازل من منزل أسرة أوباما، إلى أنه يتعين على جميع الراغبين في الحصول على شقق وحراس العقار والمقاولين الحصول على تصريح أمني.
وأكد أنه: «في اليوم التالي لإلقائه خطابه في جرانت بارك، تبدلت الأوضاع بصورة دراماتيكية. قبل ذلك، كانت شرطة شيكاغو تحيط بمنزله، وكذلك المتاريس. أما اليوم الذي أصبح فيه رئيساً منتخباً، نقلوا المتاريس لتضم ثلاثة صفوف من المنازل إضافية».
بالنسبة لأوباما، يعني هذا التحول أنه لم يعد باستطاعته التوقف عند محل ميديسي لشراء فطائر أو التوجه إلى مطعم فالوا لتناول الغداء أو القيام بجولة تسوق بصحبة ابنتيه في شارع 57 بروكس، في الأقل بدون استعدادات معقدة مسبقة.
إلا أن أوباما تمكن بالفعل من اصطحاب زوجته، ميشيل، مساء السبت إلى سبياجيا، وهو مطعم إيطالي (أربعة نجوم) يقع بوسط مدينة شيكاغو، حيث يعشق الرئيس المنتخب تناول طبق من المأكولات البحرية المشوية على قطع خشب.
واعتاد أوباما وزوجته ارتياد هذا المطعم لسنوات عدة. وكان من بين هذه الزيارات الشهر السابق في ذكرى زواجهما وفي عيد ميلاد ميشيل في وقت سابق من هذا العام. من جهته، علق توني مانتوانو، رئيس الطهاة وصاحب المطعم، على التغيير الذي طرأ على آل أوباما بقوله: «لقد اعتادا دوماً القدوم هما الاثنان فقط. والآن يجيئان هما فقط وبرفقتهما 30 من أفراد الخدمات السرية».
وأشار مساعدو أوباما إلى أن يومه يبدأ بتناول الإفطار مع ابنتيه، وقد قام بتوصيلهما إلى المدرسة بضع مرات. ومن أجل القيام بتدريباته الرياضية اليومية، يرتاد صالة ألعاب رياضية تقع بمبنى يقطنه أحد أصدقائه، مايك سيجناتور.
بعد ذلك يتجه إلى مقر فريق العمل المؤقت المعاون له في مبنى كلوزنسكي الفيدرالي، حيث يتلقى تقارير استخباراتية يومية موجزة.
وربما يعقد لقاءات مع المرشحين لمناصب وزارية، لكن لا يدلي أيٌّ من مساعديه بتصريحات بهذا الشأن.
وعلق صديقه جون دبليو. روجرز، رئيس شركة «إريل للاستثمار»، فيما يخص أوباما بقوله: «يبدو أنه يركز اهتمامه للغاية على المرحلة الانتقالية. ولا يبدو أنه تغير على الإطلاق. إنه ذاته باراك اللطيف، رابط الجأش والجذاب الذي عرفته دوماً. ولقد اندهشت من ذلك، من أنه لم يتغير».
وربما أكثر من باستطاعته تحديد حجم التغيير الحقيقي الذي طرأ على أوباما هو حلاقه. يوم الثلاثاء، توجه حلاق أوباما، زريف، 44 عاماً، إلى شقة سيجناتور كي يحلق للرئيس المنتخب شعره على النحو المعتاد بـ21 دولاراً.
وأكد زريف أن عميله منذ أمد بعيد بدا كما هو. وتذكر أنه سبق أن ناداه بلقب «سيادة الرئيس»، مما جعل أوباما يضحك.
وقال زريف عن أوباما: «يبدو في مظهر رئاسي أكثر بكثير الآن، إنه يمشي بشكل مختلف». من الواضح أن أوباما لم يعد الشخص الذي اعتاد التنزه في أرجاء الحي. وقال زريف: «أعتقد أنه يفتقد هذا الأمر كثيراً. لكن هذا هو ثمن الشهرة».