البخور والعطور .. الرائحة الأقوى تأثيرا والأغلى ثمنا
تماماً كما كانت رائحة البخور والعطور الشرقية مكملاً وجزءاً من طقوس الأساطير والقصص الجميلة في عالم ألف ليلة وليلة، ما زالت هذه البضاعة الثمينة التي تمثل جزءاً كبيراً من كنوز الشرق مكملاً مهماً للمناسبات المهمة في كثير من دول الشرق الأوسط، وطقساً محبباً يضفي تميزا وتفردا على الأماكن، ويساعد على تشكيل صورتها في الذاكرة.
وما لا يختلف عليه اثنان ان البخور والعطور الشرقية أصبحت مستعملة من قبل كبريات دور العطور الغربية التي تستلهم الكثير من مكوناتها الأساسية من مواد معينة مثل العود والأخشاب، والتوابل والعنبر، لا سيما أنها تتسم برائحة قوية ونفاذة، تجعلها أكثر ثباتاً، ومن ثم أغلى ثمناً، مقارنة بتركيبات العطور الغربية، التي تعتمد على روائح منعشة وخفيفة مثل الفاكهة والورود والأزهار.
يقول باسم القاسم المدير التنفيذي لشركة القاسم للعطور: ان العطور الشرقية اصبحت الخيار المفضل لدى شرائح واسعة من الناس بغض النظر عن أعمارهم وجنسياتهم، نظرا لرائحتها العبقة والزكية التي تدوم طويلا.
ويعلق القاسم: «حتى الدور الغربية اتجهت اخيراً إلى استعمال مكونات العطور الشرقية، نظراً لنسبة التركيز العالية فيها التي تساعد على ثبات الرائحة لفترة أطول. فنسبة تركيز العطور الشرقية تصل أحياناً إلى 30 في المائة، في حين لا تتجاوز نسبة تركيز العطور التي تصنع في الغرب الـ 10 والـ 12 في المائة، وقد تصل إلى 20% في أحسن الحالات».
ويتابع القاسم: «هذه العطور تحمل سمة الشرق وخصائصه النفسية كما تحمل اسمه. فالثقافة الشرقية تميل إلى التعطر والتطيب بشكل كبير، في حين انهم في الغرب قد يعتبرون رائحته نفاذة وواضحة بشكل مزعج». ويرد القاسم هذا الامر إلى البيئة والثقافة والطقس.
فـ «الأجواء الحارة تسرع في تبخر العطر في الهواء، ولهذا يحتاج إلى مكونات وخلاصات قوية، في حين ان الجو البارد يساعد على ثباته، وهذا سبب آخر يفسر تحول الدور الغربية بالتدريج إلى استخدام مكونات شرقية في العطور التي تصنعها. فالجو عندهم بدأ يتغير ايضا».
ويشير القاسم إلى أن تركيب العطر الشرقي، كما أي عطر آخر، يعتمد على ثلاث نوتات مهمة، هي الأساس والقلب والقمة. فقمة العطر هي الانطباع الأول الذي يخلفه عند شمه، وتستخدم فيه مكونات بسيطة كالحمضيات والبرغموت، وقلبه هو الانطباع الرئيسي، وتستخدم فيه مكونات كالخزامى والورد، بينما يعمل الأساس كمثبت للعطر، ويكون هو الغالب، حيث تستخدم فيه مكونات مثل المسك الأبيض والفانيلا، إلا أن المميز فيه هو الخلاصات الشرقية.
القاسم طاف العالم مرتين. الأولى ليستكشف عالم العطور ويدرسه بعناية، والثانية لينشئ داراً خاصة تصنع العطور وفق مفهوم جديد وطرق مبتكرة تعتمد بشكل كبير على ذائقة كل شخص، وتسوق لعطر مميز يركب خصيصاً ليتماشى مع ذوق وشخصية صاحبه.
وتوفر شركته قائمة خاصة بالعطور كتلك التي تقدم فيها أسماء الوجبات في المطاعم، واستبيان يقوم العميل بتعبئته ويصف فيه العطور والزيوت التي يميل إليها، ليشارك في صنع عطر خاص به هو ولا أحد غيره، مسترشداً بنصائح وخبرة أنوف العطور المتخصصين في الدار.
ويؤكد القاسم من مجال خبرته العملية والعلمية في العطور وتركيباتها، بأن ما يشاع بأن لدى بعض العطور خواص معينة قد تفيد الإنسان، مثل قدرة بعضها على التنشيط الجنسي هو خرافة لا يدعمها العلم الحديث، لكنه يؤكد في الوقت نفسه بأن زيت الورد القوي قد يتسبب بظهور الشيب أو الشعر الأبيض، وأن العطر الجيد يحسن المزاج. فالإنسان فطر على الجمال وعلى الأشياء الجميلة ومنها الرائحة الطيبة التي تخلف أثرا كبيرا في نفسيته.
كما لا ينفي الاعتقاد بأن لكل جسد رائحته الخاصة، مشيرا إلى أن رائحة العطر الواحد يمكن ان تختلف باختلاف مستخدمها لتعطي احتمالات ونتائج متنوعة، وهذا الاختلاف والتمازج على حد قوله هما جزء لا يتجزأ من متعة العطر التي يتشاركها صانعه مع مشتريه.
أما الأماكن التي يتسوق منها صناع العطر عادة لشراء مواده الأولية، فهي مختلفة وتضم كل بقاع الأرض، وإن كانت هناك أماكن مفضلة لكل مكون. فإسبانيا وجنوب فرنسا، مثلا، تتوفران على أفضل أسواق الورود والأعشاب المستخدمة في صناعة العطور، بينما تتوفر الهند والصين وكمبوديا على مكونات أخرى مثل العود الذي يعد أغلى المكونات في صناعة العطور الشرقية على الإطلاق، وتزيد قيمته كل ما كان معتقاً وكانت رائحته أكثر ثباتاً، وكذلك الورد الطائفي.
طريقة استخلاص هذه المكونات وطريقة تقطيرها لهما دور أساسي في جودة المستخلص وقيمته، فهناك أنواع من الورود مثلاً يتم تقطيرها بشكل تجاري سريع، الأمر الذي يؤثر في جودتها ومدى قوتها.
ويشرح القاسم أيضا:«هناك عطور خاصة بالصباح وأخرى للمساء، تماماً كالثياب والطعام. فلكل وقت ما يناسبه، الصباح تناسبه العطور ذات الرائحة الخفيفة والمنعشة، التي تعتمد على الحمضيات والفاكهة والزهور الخفيفة، أما العطور ذات التركيز العالي والرائحة النفاذة، كغالب العطور الشرقية، فهي أكثر مناسبة للمساء».
وطريقة التعطر تلعب دورا كبيرا في إبراز رائحته كما يقول القاسم، كذلك طريقة حفظه. فبداية يجب أن توضع العطور في قناني من الكريستال المصقول للمحافظة عليها، وأن تحفظ في مكان بارد ومن الأنسب أن تكون هناك ثلاجة صغيرة خاصة بها، أما إذا لم توجد فالأفضل حفظها في غرفة النوم وفي جو بارد، كما يجب ألا تتعرض أبداً لإضاءة «لمبات النيون» فهي تفسد العطر، ولهذا فإن مخازن العطور تكون عادة عبارة عن أقبية تحت الأرض رطبة وباردة ومظلمة.
ويتابع، ان طريقة التعطر بدورها تختلف من شخص لآخر، فهناك من يكتفي بوضع نقاط قليلة على نقاط معينة من الجسم، وهناك من يرش عليه العطر بسخاء «والحقيقة أن السر في بقاء الرائحة وشذاها، ليس في الكمية، لكن في استخدام العطر الجيد المحفوظ بشكل جيد، كما أسلفنا، وبالتعطر في مكان بارد بعيداً عن الشمس والحرارة التي تبخر الكحول الذي يحتويه وتفصله عن مكوناته الأخرى».
كما ينصح بتعطير الثياب قبل لبسها، وأن يتم تبخيرها في مكان بعيد عن الشمس لتحتفظ برائحة قوية وثابتة. أما ما يقال عن أن أفضل طريقة للتعطر هي بوضعه على أماكن النبض، فيقول بأن هذا ليس ضرورياً، وأن الأمر لا يتعدى كون أماكن النبض خلف الأذن وعلى وريد العنق، والمعصمين هي أماكن يكون الجلد فيها مكشوفاً ولهذا تظل الرائحة فيها أطول.
ولحكاية البخور بداية مثيرة، كما يقول القاسم، فالآثار القديمة تفيد بأن الورق الذي غطى به سيدنا آدم عليه السلام جسده حين نزل الى الأرض كان عبارة عن أوراق شجرة العود المستخدمة في صناعة البخور، ومن هذه البداية الأسطورية يبدأ عود البخور رحلة طويلة طيبة السمعة والرائحة تتوقف في محطات مختلفة من شرق آسيا والهند وبنغلاديش وماليزيا واندونيسيا والفلبين ولاوس وفيتنام وغينيا تحديداً. وأصل هذا العود يستخرج من أشجار خاصة تنبت في المناطق المرتفعة، ويطلق رائحة عطرة زكية عند حرقه.
وتدخل هذه الأخشاب كمكون رئيسي في خلطات عطرية خاصة تحرق بواسطة الجمر لتطلق دخاناً عطراً عبق الرائحة، وهذه الخلطات مختلفة، فبعضها لتعطير الملابس، وبعضها لتعطير وتبخير الجسد، أو المنزل.
ومن المكونات المستخدمة في صناعة خلطات البخور أو ما يسمى في بعض الدول الخليجية بـ «الدخون» خشب العود والمسك والعنبر ودهن الورد أحياناً، والزعفران، والهيل، والصندل وغيرها من المكونات، وهي تخلط وتعجن وتشكل على شكل أقراص مستديرة.
كما أن رائحة البخور طيبة وعبقة، فالجلسات التي تعد فيها خلطاته عادة تكون بطيب وجمال رائحته، وهي طقس تحرص عليه الخليجيات، إذ تجتمع الجارات والقريبات والصديقات أحياناً لعمل هذه الخلطات التي تختلف عن بعضها في إضافة وانتقاء بعض المكونات العطرية، وتحفظ كل منهن وصفتها وخلطتها الخاصة كسر فريد لرائحة تميزها وتميز بيتها وأهله، كما تقول فاطمة (أم صالح).
وتضيف أم صالح بأن هذه الخلطات تتوارث من جيل إلى آخر، كما تتوارث المعلومات الخاصة بصناعة الخلطات وتطويرها، فعلى سبيل المثال، أوصتها والدتها بعدم استخدام السكر كمادة لاصقة لأن رائحته تتغير وتصبح غير زكية بعد حين، واستبداله بالصمغ العربي.
ـ لا تشتري البخور المصبوغ لأن الصبغة تغير رائحته.
ـ البخور الجيد يميل لون دخانه إلى الأزرق الداكن، ولا يحرق العينين عند استنشاقه.
ـ البخور الجيد يتميز بكثرة فقاعات الدهن عند احتراقه، ويتميز بوجود عروق بنية اللون أو سوداء.
ـ يجب حفظه في علبه مغلقة جيداً.
المقادير: كوب من العود المطحون الناعم، قليل من دهن الورد، عنبر بحسب الرغبة، وربع كوب من بودرة المسك، وقطرتان من عطر مركز بحسب الرغبة والذوق.
الطريقة: يذوب العنبر في دهن الورد على نار هادئة جداً وينبغي الحذر بعدم استنشاق البخار، ويخلط المسك مع كوب العود المطحون، والعطر المركز، ويصب عليه خليط العنبر وتعجن المقادير جيدا. إذا كانت العجينة جامدة يضاف إليها من دهن العود او العطر المركز بحسب الرغبة، وتكور الخلطة وتترك في مكان مفتوح لمدة يومين ثم تعلب.