قوة المرأة تعود لتبدأ من الكعب العالي
في الماضي كان الكعب العالي حكرا على عارضات الازياء وسيدات المجتمع المخملي إنما اليوم أصبح الكعب العالي رفيق السياسيات وسيدات الاعمال وحتى الرياضيات.
وبما أنه لكل شيء ثمنه في الحياة، فلا بد ان تدفع المرأة ثمن القوة التي تستمدها من الكعب العالي، والشكل الجميل والاثارة والجاذبية، ففي تقرير طبي صدر أخيرا في بريطانيا تبين أن النساء تتعرض يوميا لالتواء في الكاحل وكسور في القدمين وتمزق في عضلات الساق والرجل بسبب الكعب العالي، كما أن الاطباء يشددون على أهمية تخلي المرأة أحيانا عن الكعب العالي واستبداله بحذاء من دون كعب، لاعطاء الظهر فرصة للراحة، لان الكعب العالي من شأنه تقويس العامود الفقري وجعل الخرزات متقاربة جدا من بعضها البعض مما يتسبب في الالم في القسم الاسفل من الظهر.
ظهر الكعب العالي في بادئ الامر في فرنسا عام 1500، وكان ينتعله راكبو الخيل، وتم استحداثه لتثبيت القدم أثناء ركوب الخيل، وكان ينتعله الرجال والنساء، وكان بعلو حوالي 4 سنتمترات، وهذا لا يزال واضحا في تصميم حذاء رعاة البقر في أميركا الذي يتميز بكعب عال بعض الشيء، وبعدها راح الكعب العالي يتسلل من فئة راكبي الخيل من الجنسين، الى النساء، فتحول الى كعب ارفع وأعلى.
ففي عام 1533 أمرت زوجة دوق اولينز الاسكافي بتصنيع حذاء خاص بها بكعب عال، لانها كانت قصيرة القامة، وتم تصنيع الحذاء من الخشب، وكان علوه مرتفعا من الامام وعند الكعب على خلفية «حذاء المنصة» Platform Shoe الذي نجده في أيامنا هذه، وهكذا أصبح الحذاء بكعب عال، موضة ترنو اليها السيدات اللاتي أردن التمتع بقامة ممشوقة ورجلين مصقولتين وشخصية جذابة وقوية.
وتعتبر فرنسا المصدر الاول لموضة الكعب العالي في العالم، ففي البداية كان الكعب العالي يشير الى الثروة والنبل، وظل كذلك في القرنين السابع والثامن عشر، وتأثرت موضة الكعب العالي في فترة الثورة الفرنسية فتخلى وقتها الفرنسيون عن رمز الارستقراطية واستبدلوها بالاحذية المسطحة والخفيفة بسبب الظروف الحياتية عندها، إلا أن نزعة الموضة والتباهي ظهرت من جديد في الاوساط الفرنسية في عام 1800 وتربع عندها الكعب العالي على قدم المرأة الباحثة عن السحر وجذب الجنس الاخر.
وموضة اليوم هي مرآة حقيقية لموضة الستينات والسبعينات، مع تعديلات مواكبة لكل حقبة زمنية وعصر. في السبعينات كان الكعب مربعا، وفي التسعينات أصبح مدببا وتخلل فترة الخمسينات والثمانيات وعام 2000 الى يومنا هذا موضة الكعب الرفيع «القاتل» المعروف باسم الـStiletto ويعني «الخنجر» بالايطالية.
وبما أن العالم يمر حاليا وكما تعلمون، بحالة من الركود الاقتصادي كان لا بد ان تتأقلم دور الازياء مع الاوضاع المالية الراهنة، لذا نجد اشهر بيوت الازياء العالمية تركز على تصنيع الاحذية وحقائب اليد كونها من الأساسيات في الموضة على عكس الفساتين وغيرها من اللباس الذي يمكن الاستغناء عن شرائه بانتظام، وبما اننا ذكرنا الاحذية التي تعتبر من اقرب الاشياء في الحياة الى قلب المرأة الى جانب الماس بالطبع، فلاحظنا بأن علو كعب الحذاء اصبح يضاهي ارتفاع أبراج دبي وناطحات السحاب في نيويورك.
ولكن كيف تستطيع المرأة المشي بحذاء علوه يصل الى 15 سنتم أو أكثر؟
كان لا بد ان تقوم جهة معينة بافتتاح مدرسة للنساء لتعلم المشي من جديد، فمن أفضل من الاميركيين لاستنباط مثل تلك الدروس الغريبة، فبدأت مدرسة في نيويورك عام 2006 بتخصيص حصص للنساء لتعليمهن فن المشي بالكعب العالي وافتتحت فرعا آخر في لوس انجليس وشيكاغو وسان فرانسيسكو بعد ان لاقت الدروس نجاحا كبيرا في صفوف الجنس الناعم، فتقول دونا سايروس نائبة الرئيس في المدرسة إن تلك الدروس مهمة جدا للمرأة خاصة أنها تساعدها على التأقلم مع طريقة المشي الجديدة الذي يفرضها علو الكعب الذي من شأنه ان يغير وضعية العامود الفقري وشكل الجسم، والمدرسون يعملون على تعليم السيدات كيفية الوقوف وفن بسط الضغط على القدمين بطريقة متساوية بدلا من التركيز على منطقة واحدة من القدم مما يؤذي العظام وشكل القدم والظهر وخرزات العامود الفقري.
من شاهد الصور التي وردت خلال عروض الازياء في اسبوع ميلانو للموضة يفهم الالم الذي تتكبده المرأة تحت راية الموضة والجمال والانوثة، فكانت الضحية خلال عرض تشكيلة برادا للموسم الحالي والمقبل عارضتان سقطتا في شباك الموضة وهوتا عن برج الكعب العالي.
الكعب العالي، هو وبلا أي ادنى شك رمز الانوثة ويعطي دفعة من الطول للمرأة متوسطة الطول أو قصيرة القامة، كما يساعد على ضخ جرعة من الاناقة الاضافية على الهندام والاهم من ذلك كله، اثبت الكعب العالي أنه يساعد المرأة في مواقف تحتاج فيها الى إثبات نفسها على انها تمتلك شخصية قوية، ومن هي بحاجة الى اثبات نفسها ووجودها أكثر من سارة بالين؟
يشير الخبراء والعلماء الى ان الكعب العالي الى جانب كونه جذابا وانيقا إلا أنه رمز التسلط عند المرأة، فهو خط اللقاء الذي يجتمع عنده الجمال مع التسلط والقوة، ففيه شيء من الرهبة ويشبهه البعض بذنب الطاووس كل ريشة منه بمثابة سهم ملؤه السم القاتل.
ويبدو ان مصممي الاحذية أمثال كريستيان لوبوتان وجيمي تشو لا يأبهون لسلامة قدم المرأة، ولكن لماذا يأبهون في حين أن المرأة نفسها لم تتأفف من ألم الساقين والقدمين والرجلين والظهر والاكتاف.
ففي بريطانيا يعاني أكثر من 52 بالمائة من الشعب من آلام في الظهر مما يؤدي الى التغيب عن العمل بمعدل 11 مليون يوم عمل في العام الواحد، وزادت هذه النسبة بمعدل 5 بالمائة عن العام الماضي، والسبب الابرز لهذه المعضلة هو انتعال الكعب العالي وحمل حقائب يد يصل وزنها الى 13 كيلوغراما وأكثر.
في الماضي كان الحذاء بالكعب العالي يقتصر انتعاله في المساء وخلال الحفلات الكبرى إنما اليوم وبسبب الموضة الحالية، اصبح الكعب العملاق صديق المرأة في جميع الاوقات، في العمل وفي السهر وحتى التبضع، وعندما نتكلم عن التبضع لا بد ان نذكر فكتوريا بيكام زوجة لاعب كرة القدم البريطاني ديفيد بيكام، فخلال جولة تبضع اخيرة لها في لوس انجليس التقطت لها صورا وهي تنتعل حذاء بطول لا يصدق، طرح عدة تساؤلات عن حالة قدمي فكتوريا وخاصة ان الحذاء بدا بتصميمه غير مريح وكعبه عال جدا ورفيع، وفي مناسبة أخرى ظهرت بيكام الى جانب زوجها في نيويورك خلال طرحها عطرها الجديد في محلات «مايسيز» الاميركية، وتصدر حذاؤها عناوين الصحف في اليوم التالي، فكان حذاء بدون كعب وعلوه عند القسم الامامي فقط، يعتمد تصميمه على فكرة الجاذبية، وبعيدا عن الموضة، كان للاطباء رأي آخر، فيقول أحد أخصائيي أمراض الظهر والعامود الفقري إن هذا الحذاء يسيء جدا الى القدم لان الضغط يحط على مقدمة القدم فقط تماما كما يحصل مع راقصات الباليه، كما ان 25 بالمائة من عظام جسم الانسان في القدم، كما يوجد في القدم اكثر من 100 عضلة واربطة، وينصح دائما بالمشي بحذاء مريح وانتعال الكعب العالي لفترات زمنية قصيرة فقط.