عودة العارضات السوبر .. لأن القوة الشرائية تملكها المرأة الثلاثينية والأربعينية
حققن ثورة في التسعينات، فمعهن ولد مفهوم «العارضات السوبر»، ومعهن أيضا اكتسبت عارضات الأزياء مكانة النجمات، بل وأصبحت لهن أيضا مقولات مأثورة.
فمن منا لا يذكر مقولة ليندا إيفانجليستا الشهيرة: «مستحيل أن أغادر غرفة نومي لأقل من 10 آلاف دولار في اليوم»؟.
التسعينات كان عصرهن الذهبي، مما لا شك فيه، لكن دوام الحال من المحال، كما يقولون، إذ ألقت الأزمة الاقتصادية بظلالها على الكثير من جوانب الحياة في تلك الحقبة، وكانت لا بد ان تؤثر في صناعة الموضة بشكل عام وتهز مكانتهن بشكل خاص.
فقد اصبحن على إثرها «غاليات» جدا بالنسبة للمصممين الذين اكتووا بنار الأزمة، وسرعان ما تغيرت اللغة، فبعد ان كن يوصفن بالدلال اصبحن ينعتن بالمتطلبات.
هؤلاء العارضات السوبر طبعا هن كلوديا شيفر، سيندي كروفورد، هيلينا كريستنسن، ناعومي كامبل، ليندا إيفانجليستا وكايت موس.
وكانت النتيجة الحتمية استبدالهن بعارضات من شرق أوروبا يحلمن بالشهرة ومستعدات للعمل بأجور أقل بكثير ولساعات أطول.
هذا عدا ان أغلبية العارضات السوبر كن آنذاك في نهاية العشرينات، باستثناء كايت موس وناعومي كامبل، وهذا العمر كان يعتبر بداية النهاية بالنسبة لأية عارضة في ذلك الوقت.
لكن كل هذا تغير في الآونة الأخيرة، فقد اكدن مرة اخرى انهن مثل التحف الفنية لا يخف توهجها ولا قيمتها.
فعندما يحل موسما الخريف والشتاء قريبا، ستطالعنا صور هؤلاء العارضات السوبر من جديد على أغلفة المجلات البراقة وأفيشات الحملات الترويجية للأزياء والاكسسوارات.
ومرة أخرى، أصبحن موضة الساعة، وكثر الطلب عليهن في سابقة لم تشهدها ساحة الموضة ولا الحملات الإعلانية من قبل، ليؤكدن أنهن فعلا ظاهرة تستحق التوقف عندها ولو قليلا.
فبعد حوالي 17 سنة من تسيدهن منصات عروض الأزياء، ها هن عُدن إلى ما أتقنه أكثر من غيرهن، في أي فترة من الفترات، من تصدر أغلفة المجلات البراقة والحملات الإعلانية رغم تعديهن الأربعينات، السن التي كانت فيه العارضات يعتبرن عجوزات أكل الدهر عليهن وشرب.
فمثلا، عن عمر يناهز الـ 43 عاما، فازت العارضة الكندية إيفانجليستا بعقد مع دار «برادا» الإيطالية لتحل محل الروسية ساشا بيفوفاروفا التي لا يتعدى عمرها الـ 23 عاما، بينما تمثل كريستي تورلينغتون، 39 عاما، وأم لطفلين، حملات لكل من داري «شانيل» و«إيسكادا».
سيندي كروفورد، التي تبلغ من العمر 42 عاما، تصدرت صورها غلاف مجلة «فوغ» النسخة الروسية لأول مرة بعد سنوات. أما الشقراء كلوديا شيفر، 37 سنة وأيضا أم لطفلين، فتصور حملتين ترويجيتين لكل من «شانيل» و«سالفاتوري فيراغامو».
أما بالنسبة لناعومي كامبل، 38 عاما، فرغم فضائحها وعلاقتها غير الودية مع القانون، فهي لا تزال المفضلة لدى المصممين الذين يطلبون ودها للمشاركة في عروضهم بدءاً من «لوي فيتون» إلى «إيف سان لوران» اللذين تصدرت حملات إعلانية لهما أيضا. أما كايت موس، التي
لم تغب عن الأضواء يوما، فقد استغلت صورتها كأيقونة تحتذي بها الصغيرات وتحولت إلى مصممة أزياء لمحلات «توب شوب» تتقاضى 6 ملايين دولار أميركي، للتشكيلة الواحدة، ويقال انها ستحصل على 50 مليون دولار أميركي عندما تصمم تشكيلة ستباع في الصين، هذا طبعا بعد أن غرفت الكثير من الدعايات التي قامت بها في السنوات الأخيرة لصالح العديد من بيوت الأزياء إلى حد أصابنا بالتخمة.
سبب الإقبال الجديد على العارضات المخضرمات، إن صح تسميتهن بهذا، ليس جمالهن الناضج فحسب، بل تغير الخريطة الشرائية بشكل عام. فالمرأة التي بيدها المال وتستطيع ان تصرف الآلاف على أزياء واكسسوارات من «شانيل» أو «برادا» ليست في السادسة عشرة من العمر، إلا إذا كانت تتحدر من أسرة غنية، بل هي في الثلاثينات والأربعينات من العمر.
وأظهرت الدراسات وأرقام المبيعات، أن هذه الشريحة المؤثرة لا تتفاعل مع عارضات صغيرات السن ونحيلات بمقاييس صبيانية لا تداعب خيالهن بقدر ما تداعب خيال بناتهن المراهقات، فضلا عن كل هذا، هو أن المرأة في سن الثلاثينات والأربعينات تكون في قمة نضجها وجمالها، وهو ما تمثله هؤلاء العارضات أحسن تمثيل.
وتؤكد الدراسات أن الاستعانة بهؤلاء العارضات الشهيرات، اسهل طريقة للترويج وأرخصها على المدى البعيد.
ليس هذا فحسب، فقد أكدت التجربة أن لهن مصداقية أكبر، تتمثل في أنهن ناجحات وأمهات، عملهن يقوم اساسا على كونهن شماعات تعلق عليها الأزياء وتستعرض جمالياتها على احسن وجه. صحيح انهن لن يحصلن على نفس الأجور الخيالية التي كن يحصلن عليها في التسعينات، لكنهن، وبلا شك، سيحصلن على مبالغ اكبر مما تحصل عليه عارضة غير معروفة، فمبلغ 600.000 دولار للحملة الواحدة، وهو المبلغ الذي يمكن ان يحصلن عليه، أكبر بكثير مما يمكن ان يحصل عليه وجه غير معروف.
كارول وايت من وكالة عارضات «بروميارشيب موديل مانجمنت» تشير إلى نقطة أخرى لا تقل اهمية وهي أنه «في ظل الأزمة الاقتصادية وعدم استقرار السوق، فإن دور الأزياء والماركات العالمية أصبحت تفضل المضمون.
فهم يريدون بيع الأحلام، وهذا ما يمكن تحقيقه بسهولة من خلال وجه ليندا إيفانجليستا مثلا، مقارنة بوجه جميل وغير معروف من أوكرانيا أو غيرها» أو نجمة قد لا تكون المفضلة لدى الكل.
نعم، فهن يعملن كمضاد حيوي ومرحب به لظاهرة النجمات اللواتي اكتسحن ساحة الإعلانات وأغلفة المجلات في العقد الأخير، ولم يكن اختيارهن دائما موفقا، بسبب أخبار حياتهن الشخصية وفضائح بعضهن التي تطغى على صورتهن الجذابة، إضافة إلى أنهن يشكلن قنابل موقوتة بسبب آرائهن الشخصية، بدليل حادثة النجمة شارون ستون، وما كادت ان تسببه من أزمة لدار «كريستيان ديور» إثر تعليقاتها حول الصين والتبت.
ثم أن الأيام أكدت أنهن دخيلات على الموضة ولا يمثلنها احسن تمثيل، فالكثيرات منهن لم يعدن يكتفين بتمثيل بيوت الأزياء ومنتجاتها، بل دخلن في منافسات مع هذه البيوت والمصممين، إذ أصبحت لهن بيوت أزياء خاصة بهن وأزياء تحمل توقيعاتهن الخاصة.
لكن هذا لن يعني اختفاء النجمات تماما من الواجهة، أو تراجع الطلب على العارضات الصغيرات والمبتدئات، بل العكس، فإن الاختلاف والتنوع في صناعة الموضة مطلوبان، كما أن تأثير هؤلاء العارضات السوبر، كانت له إيجابيات كثيرة منذ البداية، فهن اللواتي حببن النجمات في مجال عروض الازياء، وهن اللواتي عبدن الطريق لعارضات من مثيلات جيزيل باندشون للحصول على الملايين من الدولارات.
ولا شك ان عودتهن ستكون نسمة في عالم المرأة والجمال بمقاييسهن الرائعة. ففي العقد الأخير، فرض علينا صناع الموضة مفاهيم جديدة للجمال تتمثل في وجوه جميلات من أوروبا الشرقية بمقاييس نحيلة وصبيانية.
لم يلهبن الخيال بقدر ما أججن الجدل حول مقاس الصفر وامراض الانوركسيا. كان جمالهن يفتقر إلى روح أو شخصية هؤلاء المخضرمات، الأمر الذي افتقرت إليه الساحة وافتقدته المرأة الناضجة التي تعرف ما تريد ولا يمكن لأحد ان يبيعها أزياء ترى أنها موجهة للصغيرات اللواتي لم تكتمل أنوثتهن بعد.
وهذا ما تحاول صناعة الموضة تصحيحه بالاستعانة بوجوه معروفة جيدا لهذه الشريحة. عارضات أيقونيات أكدن نجاحهن داخل الصناعة وخارجها، ولم يخفت نجمهن في أي فترة من الفترات حتى عندما ابتعدن عن منصات عروض الأزياء.
مصمم دار «إيف سان لوران» ستيفانو بيلاتي أعطى تفسيرا آخر للجوء صناع الموضة إليهن، وهو مهنيتهن العالية «هناك العديد من الفتيات الجميلات اليوم، لكنهن يفتقرن إلى شخصية. الآن اعرف مدى روعتهن (يقصد المخضرمات)، فعندما تلبس ناعومي كامبل تصميماتي، تبدو الأزياء مختلفة وتتحرك بشكل مختلف».
أما بالنسبة للشريحة من النساء، التي باتت تفرض وجود هؤلاء العارضات، ولو بطريقة غير مباشرة، فهن نساء ربما بدأن حياتهن العملية في نفس الوقت الذي انطلقت فيه هؤلاء العارضات في التسعينات، ومثلهن حققن النجاح بحيث اصبحت لهن حاليا قدرات شرائية عالية. وليس ببعيد انهن مثلهن اصبحن أمهات.
وهكذا مثلما ألهبن خيالهن وهن صغيرات، لا يزلن يمثلن كل شيء يحلمن بتحقيقه: التوفيق بين العمل الناجح والاستقرار العائلي والرشاقة والجمال والأناقة. وهذا ما يجعلهن يتابعنهن باهتمام اكبر، خصوصا أن مقاييسهن ليست تحت الصفر. هن نحيفات نعم، لكنها نحافة غير مرضية يمكن بسهولة وصفها بالرشاقة، وبالتالي إذا كانت ليندا إيفانجليستا ستبدو رائعة في زي من أزياء «برادا» وهي في الثالثة والأربعين، فربما هذا هو «اللوك» الذي يمكن ان تتبناه هذه الشريحة من النساء.
بعبارة أخرى، فهن يعطين مصداقية أكبر للأزياء مقارنة بنظيراتهن الصغيرات اللواتي يظهرن في هذه الأزياء كمن يحاولن ان يكبرن قبل الوقت ويتشبهن بأمهاتهن، الأمر الذي لم يعد يبيع كثيرا.
لكن المهم في هذه العودة الظافرة لهؤلاء العارضات، هو تأكيدهن أن الحياة تبدأ فعلا بعد الأربعين، وأن جمال المرأة مثل التحف الفنية تزداد قيمتها مع الزمن.