لم تعرف الموضة أزياء رياضية أنيقة وعملية أكثر من الان
أحببت أم كرهت لا مهرب لك هذا الصيف من الملابس الرياضية، بمعنى المستوحاة من أجواء الملاعب وحلبات السباق وغيرها.
فحمى الأولمبياد بالصين وما رأيناه على منصات عروض الأزياء هذه السنة يؤكد هذه الحقيقة.
وحتى إذا لم تكوني رياضية أو تمارسي أدنى نسبة من التمارين، فإنه بإمكانك التشبه بشارابروفا أو غيرها في الواقع بمجرد ارتداء ملابس رياضية أو مستوحاة من عالم الرياضة.
ورغم ان التأثيرات بدأت تطفو على السطح بوضوح أكبر في السنوات الأخيرة، إلا انه، ومع بداية الأولمبياد في بكين، شهدنا مباريات جانبية أخرى، بطلاتها بيوت الأزياء والشركات الرياضية بالذات، للحصول على حصة الأسد من السوق الصيني.
شركة «بوما» مثلا دخلت بكل قوتها عالم الأزياء من خلال طرحها حقيبة يد يراد منها منافسة كل ما تطرحه بيوت الأزياء العالمية الأخرى. الحقيبة جزء من مجموعة صممها فريق من طلبة معهد «سانت مارتن للفنون والتصميم» الذي تخرج فيه أهم المصممين البريطانيين، وتجمع الأناقة بالعملية.
تجدر الإشارة إلى ان الإكسسوارات تشكل عنصرا مهما بالنسبة لـ«بوما»، حيث سجلت مبيعات تقدر بحوالي 1.2 مليار دولار أميركي في النصف الأول من عام 2008، وكانت قد ارتفعت بنسبة 36%، كما ارتفعت الملابس الجاهزة بنسبة 18.5%، في حين انخفضت مبيعات الأحذية بحوالي 4.6%. وحسب الدار فإن الموضة مهمة جدا في الأسواق التي عرفت انفتاحا في السنوات الأخيرة مثل الصين.
فما لا يخفى على احد انه بعد عقود طويلة من العملية والأزياء الموحدة، هناك تعطش كبير للموضة الغربية، وهذا ما يجعل أي مبالغ تصرف هنا مبررة ولها إيجابياتها الكبيرة على المدى القريب والبعيد على حد سواء، وهذا بدوره يؤثر في توجهات الموضة بشكل عام.
للوهلة الأولى، تبدو الموضة والرياضة عالمين متناقضين تماما، فالأولى تقوم على الجمال الظاهري والتغيير، بينما الثانية تقوم على العملية والاستمرارية، لكن الحقيقة التي أثبتتها الأيام انهما تلتقيان في نقطة مهمة وهي ان الأولى تهتم برشاقة الجسم والثانية بكماله، بل وأكدتا مع الأيام انهما تلتقيان في أشياء أخرى فرضتها ثقافة العصر والأحوال الاقتصادية.
فمن منا لا يمتلك حذاء رياضيا، مثلا، أو بنطلونا واسعا يعقد عند الوسط بخيط مطاطي؟.
بل ذهبت المؤرخة إليزابيث ويلسون إلى أبعد من هذا بقولها إن الرياضة هي أكبر مؤثر في الموضة في القرن العشرين.
ولا شك أن قولها يتضمن الكثير من الصحة، فهذا التأثير هو الذي تولد عنه الملابس المناسبة للجنسين: واسعة، مريحة وسهلة التنظيف فضلا عن تطور أقمشة مثل الليكرا والجيرسيه وما شابههما.
وبالنتيجة كان لا بد ان يتأثر عالم الرياضة بالموضة أيضا، بدليل الأحذية الرياضية العالية الكعب.
صحيح اننا لن نراها على حلبات السباق او المنافسات الكبيرة في الاولمبياد، لكنها لقيت إقبالا من بعض الأنيقات اللواتي يردن الجمع بين الراحة والاناقة، مثل النجمة مادونا.
والملاحظ أنه خارج ميادين الرياضة ومنصات عروض الأزياء، يلتقي الاثنان في نقاط أخرى، منها ان اللاعبين أصبحوا مثل النجوم وعارضي الأزياء، لهم شأن وباع في مجال الإعلانات والدعايات، كما لهم خبراء يهتمون بمظهرهم وأزيائهم، فيما عانق مصممون مثل ستيلا ماكارتني وراي كاواكوبو (صاحبة ماركة كوم دي غارسون)، جولات وصولات مع شركات رياضية كبيرة.
الأولى مع أديداس والثانية مع «سبيدو»، لتصميم أزياء رياضية خاصة بها، هذا عدا ما يستلهمه العديد من المصممين الآخرين مثل درايز فان نوتن على سبيل المثال من ميادين الرياضة.
وفي أرض الواقع نرى الآلاف من الناس تتجول في الشوارع بملابس إما رياضية أو مستوحاة منها، توخيا للراحة، مع ان لا أحد منهم يقوم بمجهود بدني يستدعي ارتداء هذه الملابس أساسا.
لكن الخيط أصبح رفيعا جدا إلى حد لا يمكن معه التفريق بين ما هو رياضي وما هو موضة.
لكن هذا ليس جديدا، وإن كان أكثر وضوحا في الآونة الأخيرة، وبالضبط مع بداية التسعينات حين بدأت الموضة تستقي بشكل واضح من الرياضة، وحين صوب أبطال هذه الأخيرة أنظارهم إلى عالم الأناقة والجمال، وليس أدل على ذلك من لاعبة التنس فينيس ويليامز التي دخلت المجال كمصممة واستعرضت العديد من الفساتين والمعاطف الجريئة في ويمبلدون.
كما لا ننسى أن شارابوفا أخيرا، أثارت الكثير من اللغط والجدل ليس لبراعتها في تصويب الضربات لخصومها بل إلى الأزياء التي استعرضتها وكانت من تصميم شركة «نايكي».
وإذا عدنا بالذاكرة إلى بداية القرن العشرين، سنجد ان الآنسة كوكو شانيل كانت أول من تبنى هذا الأسلوب، كما نعرفه الآن. فاستعمالها قماش الجيرسيه لأول مرة في الأزياء الراقية، وهو قماش كان آنذاك يقتصر على الملابس الداخلية، إلى جانب استلهامها البنطلون الواسع والقطع المنفصلة من أجواء البحر والريفييرا، وتخفيفها من التفاصيل والزخرفات التي كانت ترتبط بالموضة في بداية العشرينات من القرن الماضي، أكبر دليل على أن هذه الموضة كانت لها جذور في هذه الحقبة.
كما لا ننسى انه في إيطاليا، بنى الراحل إيمليو بوتشي داره للأزياء الشهيرة بالنقوشات الصارخة والمتضاربة والقفاطين والفساتين الطويلة المنسابة على أسس رياضية.
فقد بدأ أولى خطواته في مجال ملابس التزلج في الخمسينات، قبل ان ينتقل إلى إرضاء سيدات الطبقات الأرستقراطية ونجمات هوليوود في الستينات بأزياء يسترحن فيها وهن يجبن سواحل البحر المتوسط على يخوت فخمة.
في هذه الفترة تقريبا، أي الخمسينات، بدأت الولايات المتحدة تدخل صناعة الأزياء بعد ان كانت مجرد مستوردة لها من باريس وإيطاليا، أو مقلدة.
ومع الوقت أصبح الأسلوب الرياضي ماركتها المسجلة، ولا تخلو تشكيلة أي من مصمميها بدءا من دونا كاران وكالفن كلاين إلى رالف لوران الذي صمم أزياء لاعبي كرة التنس بويمبلدون أخيرا، من قطع مستوحاة من هذا العالم.
وبلا شك هذا ما أدى إلى تفضيل العديد منا للسحاب في البنطلونات اليومية عوض الأزرار، أو الخصر الذي يربط بخيط مطاطي وغير ذلك من الأمور التي قلما نفكر فيها لأنها أصبحت جزءا من الثقافة العامة ومن الأمور التي تتطلبها حياتنا اليومية.
وما تجدر الإشارة إليه ان الملابس الرياضية عبر تاريخها خضعت أيضا لعدة تغييرات، وبالأخص استفادت أكثر من غيرها من تطورات التكنولوجيا في ما يتعلق بالأقمشة بالذات.
وكان الهدف من هذه التطويرات مساعدة الرياضيين على القيام بنشاطاتهم على أحسن وجه من دون أي إعاقة أو صعوبة.
وإذا كانت الرياضة تتوجه إلى المستقبل من خلال الأبحاث التكنولوجية، فإن الموضة في المقابل، تتوجه إلى الماضي لاستلهام الأفكار وإعادة صياغتها لتواكب العصر.
هذا التناقض وجد له نقطة تلاق في العقد الأخير، حيث بدأت الرياضة تهتم بالجانب الفني، بينما غرفت الموضة من نبع التكنولوجيا وما وصلت إليه في ما يخص الأقمشة وعمليتها، وهي تقنيات تبنتها بشكل رائع وذكي.
المصمم البريطاني كيم جونز الذي تعاون مع شركة «أمبرو» لمدة خمس سنوات، وأخرجها من قوقعتها إلى عالم الموضة العصرية علق على هذه العلاقة المثمرة بقوله: «أمبرو قدمت لي الكثير في ما يخص التكنولوجيا فيما قدمت لها الموضة وثقافة شبابية كانت تفتقدها».
وما زاد من إقبالنا عليها، انها خضعت للمسات مصممين كبار مثل الياباني يوجي ياماموتو، الذي صمم تشكيلة لـ«أديداس» في عام 2003، تلته المصممة ستيلا ماكارتني بتشكيلة أكثر أنوثة وشقاوة، بينما تعاون ألكسندر ماكوين مع «بوما» أخيرا ليزيد من جاذبية هذه الأزياء والتحام العالمين أكثر.
ورغم ان أديداس استعانت بكل من يوجي ياماموتو وستيلا ماكارتني وحققت مبيعات لا يستهان بها، كما حققت للمصممين أرباحا هما في أمس الحاجة إليها، إلا أن السبق كان للتعاون بين «بوما» والمصمم ألكسندر ماكوين.
فقد حقق الطرفان نجاحا كبيرا، وكان لهذا النجاح الفضل في لفت انتباه مجموعة «بي.بي.آر» للشركة الرياضية مما نتج عنه شراء حصة كبيرة فيها، لتدخلها عالم الأناقة والموضة من أوسع الأبواب، وعلى يد المصمم المخضرم حسين تشالايان.
والآن أصبحت تنافس «غوتشي» نفسها في المبيعات، مع العلم ان هذه الأخيرة كانت تعتبر، قبل انضمام «بوما» إليها، الجوهرة في تاج مجموعة «بي.بي.آر».
أما في الجهة الأخرى، فقد رأينا أخيرا كيف عانق مصمم دار «إيف سان لوران»، ستيفانو بيلاتي، هذا الأسلوب وترجمه من خلال أزياء رمادية من الجرسيه، أزياء على شكل فساتين للسهرة والكوكتيل، فيما قدم المصمم البريطاني بول سميث، تشكيلة تخللتها فساتين على شكل «تي ـ شيرتات» طويلة مثل تلك التي يلبسها لاعبو الرغبي.
أما مصمم دار «شانيل» كارل لاغرفيلد، فقدم بدوره مجموعة ملابس بحر مصنوعة من قماش الدينم وكنزات مستوحاة من لاعبي كرة المضرب.
وعلق على الأمر بعد انتهاء العرض أن «الملابس الرياضية هي ما نلبسه في حياتنا اليومية»، طبعا لم نره بها في يوم من الأيام فهو يحرص كل الحرص ان لا تلتقط له صورة إلا وهو في كامل أناقته.
وعلى نغمة أخرى، إذا كنت لا تميلين إلى هذه الموضة، فإنك للأسف لن تستطيعي ان تتجنبيها في الموسم المقبل، لأن اللون الرمادي والبيج سيكونان حاضرين بشكل كبير، واللوم هنا ايضا على الأولمبياد والصين، أو على الأقل هذا ما يقوله صناع الأقمشة في كل العالم.
والتفسير بسيط وهو أنه مع اقتراب الأولمبياد اضطرت العديد من مصانع الصباغة، الموجودة على بعد 200 كيلومتر من الملاعب إلى إغلاق أبوابها لخفض نسبة التلوث في بكين.
ولأن الصين تتحكم في النسبة الأكبر من معامل صباغة الأقمشة في العالم، فإن هذا سبب نقصا في الألوان ورفع أسعار المواد الكيمياوية المستعملة في هذا المجال في الأسابيع الماضية.
البعض يقول إن ارتفاع الأسعار يقدر بحوالي 25% في الأسابيع القليلة الماضية.
ولا شك ان أنفاس صناع الموضة مشدودة إلى حين تنتهي الدورة ويعود الدخان ليغطي سماء بكين وتدور حركة الماكينات، لتعود ألوان قوس قزح لتتراقص على الأزياء مرة أخرى.