الشاي المغربي .. أدوات صنعه ميزة وتقديمه تقليد
اذا كان الصينيون هم اول شعب اكتشف الشاي، فالمغاربة هم من ابدعوا في تحضيره وتذوقه، وجعلوا له طقوسا احتفالية، لا تقتصر على المناسبات والاعياد فقط، بل أصبحت جزءا من الحياة اليومية. فالشاي او «اتاي» بالعامية المغربية، يحضر طوال النهار، وفي جميع الاوقات سواء في الصباح الباكر، او حتى في ساعة متأخرة من الليل، على الرغم من انه منبه قوي.
والشاي عند المغاربة قبل ان يكون مشروبا يوميا، هو ايضا وسيلة للترحيب بالضيوف، اذ لا يمكن ان تدخل بيتا سواء كان اهله من الفقراء او الاغنياء، الا وسارعوا الى إحضار صينية الشاي، اذ يعتبر من قلة الذوق أن يحل بالبيت ضيف ويذهب الى حال سبيله من دون ان يتناول كأس شاي.
ويقال إن الشاي دخل الى المغرب للمرة الاولى خلال القرن الثامن عشر، في عهد السلطان المولى اسماعيل، الذي تلقاه هدية من الاوروبيين.
ولعل اول ما يلفت الانتباه في طريقة إعداد الشاي على الطريقة المغربية، هو جمالية الادوات المستعملة لتحضيره وتقديمه، فالصينية والبراد (الابريق) مصنوعان من معدن الفضة الخالصة، او من معدن مشابه له، والخاصية المشتركة بينهما هي اللمعان، كما ان الصينية تكون مزينة بنقوش يدوية، وكذلك الشأن بالنسبة «للبراد»، الذي يتخذ شكلا فريدا وشامخا، لا نجده في أي بلد آخر، وتعد مدينة فاس المنبع الرئيسي لأدوات الشاي، حيث حافظ الحرفيون على هذه الصناعة التقليدية التي تحمل بصمة اندلسية، تدل على البذخ والفخامة.
وترافق الصينية والبراد،ادوات اخرى يطلق عليها «الربايع» وهي ثلاث علب من نفس المعدن، تكون مخصصة للشاي والسكر والنعناع.
اما بالنسبة لكؤوس الشاي، فتلك حكاية اخرى لا تقل سحرا وجمالية، ذلك أنها تكون مزخرفة وملونة بالاخضر والاحمر والاصفر، وتصف فوق الصينية بعدد لا يقل عن خمسة كؤوس حتى وان كان الضيف شخصا واحدا، اذ من غير اللائق ان يوضع عدد محدود من الكؤوس في الصينية.
ويطلق المغاربة اسماء معينة على هذه الكؤوس، مثل كأس «حياتي»، وهي كأس صغيرة الحجم من الزجاج الشفاف، للاستعمال اليومي، اما كأس «البلار» فهي كأس ملونة غالية الثمن. ولتحضير مذاق مميز للشاي المغربي، لا يتطلب مزج عناصره بطريقة اعتباطية، بل لا بد من اتباع طريقة لا يجيدها الا المحترفون، في البداية يتم وضع ملعقة من الشاي في «البراد» ويصب عليها قليل من الماء المغلي، ثم يسكب في كأس ويحتفظ به، وتسمى هذه العملية «التشلال»، ثم يصب قليل من الماء مرة ثانية على حبات الشاي، ويسكب دون الاحتفاظ به، ثم تعاد الكأس الاولى الى براد الشاي، ويملأ بالماء المغلي، ويضاف اليه بضع قطع من سكر «القالب»، وهو سكر تقليدي ايضا له شكل مخروطي، ويترك على النار لاستكمال الغليان، وتسمى هذه العملية «التشحير»، وفي الاخير ينزل من على النار ويضاف اليه النعناع الطري حتى يحتفظ بنكهته. ولا يكتفي المغاربة بإضافة النعناع فقط الى الشاي، بل يتفننون في إضافة عدد من الاعشاب الطبيعية المنسمة، وتسمى «التخليطة»، وتباع عند بائعي النعناع، وهي فليو، مرددوش، السالمية، الحبق ومانتا.
لا يتخد الشاي المغربي مذاقا واحدا طوال العام، بل لكل فصل مذاق خاص. ففي فصل الشتاء، تستعمل نبتة طبيعية اخرى بديلا عن النعناع، تسمى «الشيبة» وتمنح للشاي مذاقا مختلفا، اما في فصل الربيع، فتستعمل ازهار البرتقال مع النعناع، وهذا المزيج يعطي نكهة خاصة جدا للشاي، فتفوح منه رائحة زكية.
وهناك ايضا من يستغني عن إضافة أي اعشاب منسمة للشاي، ويضيف اليه السكر فقط، وهي طريقة خاصة بأهل الصحراء، حيث يتميز الشاي بمذاقه المر اللذيذ ولونه القاتم، ويصلح تناوله بعد وجبة دسمة جدا، باعتباره وسيلة هضم جيدة.
لا يقتصر اعداد الشاي على الطريقة التقليدية في المنازل فقط ، فالمقاهي الشعبية لها طقوسها ايضا، اذ يقدم الشاي للزبائن في كؤوس كبيرة الحجم مزدانة بالنعناع الطري،يأتي بها النادل غير موضوعة فوق صينية كما هو معتاد، بل معلقة في دوائر مصنوعة من الحديد، يمسكها مثل البندول، يرتشفها الزبائن بتلذذ الى آخر قطرة، وهم يتجاذبون اطراف الحديث.
ومن طقوس تقديم الشاي عند المغاربة ايضا ان يقدم مرفقا بالحلويات التقليدية مثل «كعب غزال» و«البريوات» و«الغريبة»، الا ان الشاي يتناسب مع جميع أصناف الحلويات والفطائر، والخبز ايضا، فوجبة الخبز والشاي شهيرة في المغرب لانها مشبعة، ووسيلة سهلة لاسكات مغص الجوع.
في الماضي كان إعداد الشاي يحتاج الى جلسة خاصة، وكانت هذه المهمة تسند للرجل سواء في المناسبات، او داخل البيت، حيث كانت الزوجة تحضر أدوات صنع الشاي الى الزوج او كبير العائلة، الجد مثلا، الذي يجلس فوق فرش على الارض، في صالة الضيوف، وامامه الصينية و«البراد»، فيشرع في اعداد الشاي على مهل، يقلبه اكثر من مرة. اما الآن فلا احد لديه الوقت الكافي لمثل هذه الطقوس الا في حالات استثنائية مثل المناسبات والاعياد، إذ اصبح الشاي يحضر بسرعة فائقة في المطبخ ويقدم جاهزا، الا ان هذه العملية مسموح بها لاهل المدن فقط، اما في القرى فتقديم الشاي بتلك الطريقة، يعبر عن قلة ذوق، وعدم احترام للضيوف، الا ان بعض العائلات المغربية العريقة ما زالت محافظة على تقاليد اعداد الشاي، ولم تتنازل عنها أبداً، وهناك من يحتفظ بأدوات صنع الشاي قديمة جدا، حيث كانت من بين الهدايا الثمينة التي تقدم للعروس من طرف عريسها.
فالشاي مشروب قومي لدى المغاربة، ورمز سياحي ايضا، يوظف في كثير من الاعلانات التي تروج للسياحة في البلد المعروف بالكرم والضيافة.