السر والحل إذا لم تشعر أبدا بالسعادة

يشعر معظمنا بالراحة عندما يتوفر لدينا مقدار معين من المال والصحة والحب والفرص الواعدة في الحياة، وعندما يحدث عجز أو تقل أي من هذه الأساسيات الحياتية فعلى الأغلب ودائما نحاول البحث عن وسائل جديدة لتحسين أحوالنا المعيشية حتى نعود إلى نفس الوضع السابق الذي كان يشعرنا بالارتياح.


لكن المخيف والغريب في الأمر أننا لا نشعر بالارتياح إذا تحسنت الأحوال أكثر من اللازم، لأن لدينا نقطة محددة للسعادة إن زادت عن حدها نرغب في أن تقل أو تتراجع مرة أخرى حتى نشعر بأن كل شيء طبيعي مرة أخرى.

لماذا نفعل ذلك؟ 
حسنا، يرجع السبب وببساطة إلى حالة من القلق التي تنتاب الإنسان مع وجود أي شيء غير مألوف بالنسبة له، وهذا ما يجعل صانعي الموضة الذين يجربون صيحات جديدة، سرعان ما يعودون إلى الكلاسيكية.

والسبب الآخر يرجع إلى ثقافة زرعها والدينا بداخلنا وهي عدم توقع الكثير من الدنيا، وهذه النصيحة نابعة من حبهم لنا حتى لا نشعر بالإحباط أو الضياع ولا نشعر بالألم إذا لم نحصل على ما نريد، لكن الواضح أن هذه النصيحة عبارة عن حالة من الانهزامية، لأنها تؤكد الشيء الذي نخاف منه والاقتناع بأن أقل القليل هو الشيء الوحيد الجيد الذي يدخل حياتنا، حتى أن البعض منا يفضل الحياة المتوسطة والشعور بالتعاسة بدلا من أن يقع في الحب ويخسر من يحبه.

ونجد العديد جدا من الطرق الممتعة والشيقة ليؤتي ذلك الوجود التعيس ثماره، فعندما يحدث شيء جيد لك، فربما تذكر نفسك على الفور بأنه شيء مؤقت أو البحث عن شيء يذكرك بأنه لن يدوم وأنك ستحطم كل سعادة أو أن تخبر نفسك أنك لا تستحقها، أو تركز على أي عيوب صغيرة موجودة في هذا الشيء الجيد سوف تقلب الموازين.

ومهما كان الطريق الذي تتخذه، فهو مؤثر بالتأكيد، وإذا لم ترغب في الشعور بتحسن أفضل مما أنت عليه بالفعل، ستستمر بالتأكيد في اتباع نفس الطريق، لكن إذا أردت تحسن الأمور، فيجب أن تغير طريقتك في الحياة.

قد تفترض أن باستطاعتك اتباع سبيل منطقي وتضع أسبابك الخاصة، قد تحاول قراءة كتب ملهمة وتردد التأكيدات أو تفتح طريقا نحو التفاؤل، ولكن لسوء الحظ عندما نحاول إجبار الأجزاء الأكثر خوفا داخل أنفسنا كي تشعر بالأمان، فإنها لا تشعر إلا بالإجبار وليس الأمان وبالتالي يؤثر ذلك على المخ وتنبعث منها جرعة مضاعفة من التشاؤم.

الحل في أن تتقبل الخسارة بدون مقاومة، وربما يبدو أن الاتكاء نحو الحزن سوف يتركنا في حالة من الخوف وخيبة الأمل، لكن العكس صحيح وهذه مفارقة.

لأن عدم المقاومة يمكن أن يساعدنا فعليا على رفع سقف مستوى سعادتنا ويقلل في نفس الوقت الألم الذي نشعر به عندما لا تسير الأمور كما نريد.

حيث يعني تعلم فن عدم المقاومة التمييز بين الاستمتاع الذي يقود إلى السعادة والتعلق الذي يحدث العكس، فنحن نميل إلى الخلط بين هذه الظواهر على الرغم من أنها في الحقيقة مختلفة جدا.

فالمتعة هي لحظة موجودة من السعادة عندما تكون الأحوال مبهجة، بينما التعلق هو مجموعة بائسة من المشاعر مصحوبة بخوف من الخسارة والتوتر والعوز والحزن والهلع.

والحقيقة إن باستطاعة جميع المخلوقات الاستمتاع بالحياة، لكن يشذ الإنسان عن هذه القاعدة ويميل إلى المشاعر البائسة التي تخيفه من خسارة المستقبل حتى وهو في أحسن الأحوال.

وتتميز الحيوانات بأنهم خبراء في الاستمتاع بدون تعلق أو قلق، فالحيوان يتجه نحو هدفه ويبذل كل المحاولات بصبر وسعادة ولا يأبه بأي شيء أو يشعر بفقدان الأمل أو الخوف من خسارة ما يهدف إليه، وحتى إذا لم يتمكن من الوصول لهدفه يجري مسرعا دون صراخ أو عويل أو اتهام نفسه بارتكاب أخطاء أضاعت منه الهدف.

ذلك لأن الحيوان يعلم أن خسارة هدف ليست نهاية العالم إنما هناك فرص أخرى أمامه وستأتي قريبا، وإذا لم يستطع الاستمتاع بتناول فريسته التي ضاعت منه فسوف يستمتع بغفوة أو بعض التجول.

إذا على الإنسان أن يستمتع باللحظة دون تفكير إذا كان يستحقها أم لا أو أنه سيفقدها فيما بعد أم لا، وهناك بعض القواعد التي يستخدمها من لديهم حيوان أليف مثل الكلب مثل: 

- هنا.
- اجلس.
- ابق.

وتعني أول كلمة "هنا" الذهاب إلى المكان الذي تتوقع فيه حدوث الأشياء الجيدة، فعلى سبيل المثال يمكنك قضاء بعض الدقائق تحسب فيها النعم التي أنعم الله عليك بها، وعمل قائمة منها ثم تخبر نفسك أن هذه نعم وسيمنحك الله ما هو أفضل قريبا.

وإن لم تؤت أول هذه الكلمات ثمارها معك فعليك بممارسة الأمر الثاني وهو كلمة "اجلس"، فعندما تعتقد أنك تنجرف للوراء نحو النقطة المقيدة لسعادتك استمر في الجلوس واسترجع كل ما بك من اضطرابات داخلية تشمل مخاوفك وذكريات الخسائر السابقة والكوارث التي تخيلت حدوثها، اسمح لها جميعا بأن تظهر وتطفو على السطح، ثم برفق عليك العودة إلى الحاضر مرة أخرى، فهذا الأمر يشبه التأمل والتنفس بعمق خلال عاصفة قوية حتى تمر بسلام.

وعندما تجلس، اذهب إلى الخطوة النهائية والأكثر تحدي، وهي "ابق" حيث يخبرك بعض الحكماء أن تعلم البقاء يشبه مهارة مركزية في التحول الشخصي، وهو الطريق المتواضع والملكي للاتزان والقبول.

فالبقاء في مرحلة من الإفصاح عما في القلب وبدون تعلق أو قلق هو أفضل وسيلة يمكنك من خلالها رفع سقف سعادتك والسماح لأحوالك الحياتية بالتحسن للأفضل والأفضل حتى لو كنا نعتمد على تلك الأحوال بشكل أقل وأقل من المطلوب.

وفيما يلي بعض النصائح المفيدة لتستخدمها كي تعلم نفسك تدريجيا أن تستمر في الأمل والمتعة:
1- يجب أن يلاحظ الإنسان نقطة القوة التي تشعره بالنية المطمئنة ليقويها ويعتني بها ويحميها، وثبت بداخلك فكرة أن العالم سيشعر نحوك بنفس الطريقة التي تشعر بها نحو نفسك.

2- يجب أن تؤكد على السلوكيات الجيدة والتعامل برفق وثبات حتى تصبح تلك السمات متأصلة بداخلك، فعندما تعلمت لأول مرة ربط رباط الحذاء أو الكتابة والقراءة أو قيادة السيارات كنت تشعر بالقلق والتوتر، لكن عندما أصريت بقوة على إتقان تلك المهارات أصبحت أمرا طبيعيا بالنسبة لك، لذا لابد من التفكير في الاستمتاع بالحظ السعيد على أنه مهارة إضافية عليك إتقانها بالممارسة.

3- ارجع بتفكيرك بنظرة للوراء في حياتك الماضية ولاحظ كم كان هناك كثير من الأشياء التي ظهرت ووصلت لحياتك دون أن تفكر بها ثم ذهبت مرة أخرى، وأفسح الطريق لأشياء جديدة.

لاحظ أنه بينما تأتي أشياء وتذهب، فإن تدفقها لا ينضب ولست بمضطر للاعتماد على أي شيء منها، إنما عليك الاعتماد على التدفق الذي لا ينتهي أبدا، وربما يستمر معك حتى آخر العمر.

لذا لابد أن يكون بداخلك الأمل دائما وقد يتحقق مرة ومرة أخرى، لكن الأمل ليس أمرا خطيرا والحظ السعيد لا يجلب حظا سيئا، والاستمتاع وعدم التعلق والقلق وجهان لعملة واحدة لذا استخدمهما معا وقلل من شعورك بالخوف والخسارة فالحظ يأتي ويذهب، لكن تلك الدروس هي ما يستمر معك وما يستطيع حقا رفع مستوى سعادتك.